بيكاسو يدخل إلى الحبكة

“كنتُ عائدًا من الافتتاح ليلة أمس”، قال الدال نقطة وهو يركّز جلسته نهائيًا على مقعده الجلديّ الوثير قبالة سمير. “كانت الساعة تقارب العاشرة ليلا وكنت ثملا بعض الشيء. استغرقني بعض الوقت لألحظ الورقة الموضوعة تحت مسّاحة الشباك الأماميّ. توقفت بجانب الطريق وخرجت وعدت بالورقة وقرأت: “عزيزي د.حكيم. أنت لا تعرفني ولذلك سأطرق الموضوع مباشرة، منعًا للشكوك. أودّ لقاءك سريعًا جدًا لأمر يتعلق بسلسلة السيرك. قد تودّ رؤيتها عن قرب. هاتف رقم: 4483708- شكرًا”. عدتُ إلى البيت وطلبت الرقم وكلّي ارتجف. على الخط كانت فتاة اعتقد أنها في منتصف العشرينات. حدّدتْ معي موعدًا لليوم في الثانية بعد الظهر ولم تزد كلمة واحدة. لحساسية الموضوع، قالت.”

“سلسلة السيرك؟”

“إنها آخر سلسلة لوحات قام بيكاسو برسمها. غاية في الحداثة والرّوعة، مع أنها تعتمد الجنس في تصوير ألعاب بهلوانية. تعرف، يمكنك بسهولة قلب حركة بهلوانية في السيرك إلى لقطة إباحية. قليل من الخيال فقط. هذه السلسلة لا تُثمّن.”

“هل سُرقت أو شيء من هذا القبيل؟”

“ليس حسبما أعلم. أنا فكرتُ بهذا الاتجاه أيضًا وأجريتُ اتصالات مع أصدقاء لي في أوروبا ولكنّ أحدًا لم يسمع عن سرقة اللوحات.”

“غريب. وماذا حصل في الثانية؟”

“لا شيء. لم تأتِ.”

“لا أفهم.”

“ولا أنا.”

“ولماذا تعتقد أنه يمكنني مساعدتك في هذه القضية؟”

“لأنّ الفتاة هذه كانت في معرضك بالأمس، ولا بدّ أنك تعرفها أو على الاقل شاهدتها.”

“وكيف تعرف أنها كانت في الافتتاح؟.. بوسع أيّ إنسان أن يُبقي لك ورقة على زجاج سيارتك، خاصة وأنّ سيارتك كانت واقفة في الشارع، كما تعرف.”

“الورقة التي تركتها”، قال مبتسمًا وانتظر.

“ما بها؟”- سأل سمير مستعجلا.

استدار الدال نقطة وأخرج من المجرّ العلويّ قطعة كرتون أُخذت من قطعة أكبر، سرعان ما تعرف إليها سمير:

“إنها من كاتالوج المعرض.”

“وكما علمتُ منك فإنّ الكاتالوج طُبع متأخرًا ولم تكن هناك وسيلة لأيّ مخلوق بالحصول عليه إلا قبل الافتتاح بدقائق قليلة، أو في الافتتاح نفسه. ولأنك كنت في القاعة قبل الافتتاح بثلاث أو أربع ساعات فإنه يمكنني القول بتأكيد إنّ هذه القطعة من الكرتون أخذَت من الافتتاح.”

“أنتَ مُحق”، تمتمَ سمير.

“ماذا تقول؟”

“أنا عارف؟.. ولكن لماذا لم تأتِ إذا كلفتْ نفسها عناء ومشقة ما فعلته؟”

“لا أدري. ولكن عليك الآن أن تستعيد وقائع الافتتاح وتحاول تذكر الموجودات جميعًا.”

أطرق سمير كما يليق بشخص يحاول استرجاع أمور مضتْ. في تلك الأثناء قام الدال نقطة إلى إعداد القهوة ووضع أمام سمير كوبًا أزرق من نوع “ماچ”.

“لا أدري، كل الموجودين أعرفهم ولا أذكر واحدة غريبة أو على الأقل غير مألوفة.”

“هيا يا سمير، شغّل ذاكرتك قليلا.”

“ليس هناك ما تحثني عليه. أنا أذكر الحضور جيدًا، أو الذين رأيتهم على الأقل.”

صمت. ارتشف الدال نقطة من كوبه وأخذ يصلح التبغ في غليونه استعدادًا لإشعاله.

“وماذا مع الرقم؟.. هل جرّبتَ مجددًا؟”

“الرقم!.. يا إلهي، كيف فاتني ذلك؟.. هيا بسرعة، أين الورقة؟”

أسرع الدال نقطة نحو الطاولة، حيث وضع قطعة الكرتون، وغذى جهاز الهاتف بالرقم. كان ينظر إلى سمير وهو يُلصق السماعة باذنه. بعد قليل:

“لا أحد.”

“جرّب مرة أخرى!”

“حسنًا.”

المرة الاخرى لم تُجدِ أيضًا. ولا المرة التي تلتها.

“هل يمكنني تسجيل الرقم؟”

“هل في بالك شيء؟”

“عباس. لديه صديق في الشرطة، قد يساعدنا هذا.”

“جيد جدًا. يكفينا العنوان على الأقل.. أتعرف ما معنى هذا؟.. السيرك!”

سجّل سمير الرقم بسرعة وانسحب بهدوء تاركًا الدال نقطة يحلم ببهلوانيات بيكاسو.

(إلى صفحة الرواية)

تعليقات (0)
اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *