300 كلمة في اليوم (22): طوني ومنى على درب العنب

تستمر جمعية “سرد” في حيفا بتنظيم برنامج السبت الأسبوعي المخصّص لمضامين الأطفال وكلّ العائلة، وكنت قد كتبت في السابق عن أحد هذه النشاطات. أمس السّبت، قدّم أخصائي العلاج النفسيّ السايكودينامي طوني حدّاد القصّة الممسرحة “درب العنب”، التي قدّمها بصحبة الدمية منى. يرتكز العرض على إكسسوارات بالحدّ الأدنى (شال، حقيبة، صندوق خشبيّ صغير، قبّعة قاضٍ…)، وعلى العلاقة الخاصّة التي ينجح حدّاد ببنائها مع الأطفال.

طوني حدّاد ليس ممثلاً محترفًا، ويمكن لمن يرغب أن يلاحظ هنا وهناك لحظات أدائيّة غير متينة بما يكفي، لكنّ شخصيته وحضوره النادريْن يُنشئان حالة سحريّة ينجذب فيها الأطفال إلى القصّة (والكبار أيضًا!)، رُغم أنّ المؤثرات الصوتية والإضاءة معدومة تمامًا، وفي هذا مغامرة كبيرة لكلّ من يقدّم نوعًا ما من أنواع العروض الأدائيّة التي تعتمد بالأساس على العنصر الفرجويّ.

يقدّم طوني قصّة مركّبة، وهو بذلك يشكّل تميّزًا في عالم المضامين للأطفال؛ فالكثيرون ينزعون لتقديم مضامين مبسّطة (لا نقول بسيطة، وهناك فرق!)، سطحيّة أحيانًا، تنبع كلّها من استهانة بقدرة الأطفال على الاستيعاب والتعامل مع المضامين المركّبة. فالمرأة المُسنّة في القصة تسرق لتأكل لأنّها جائعة، والقاضي الذي يرمز للعدل والإنصاف يتعاون معها للضحك على أهل البلد الذين ينفضح نفاقهم في النهاية، ويبدون أقلّ أخلاقًا ونزاهة من المُسنّة المتهمة بالسرقة. تنويعة سرديّة جميلة على “من كان منكم بلا خطيئة…”.

الأطفال قادرون على مراقبة واستيعاب المواقف المركّبة (نسبيًّا طبعًا، وبحسب الأجيال المختلفة)، وهم بحاجة إلى مضامين تشغّل تفكيرهم وتحثّهم على التفكير والتخيّل والاعتراض والموافقة. طوني حدّاد ينحى هذا المنحى، بأسلوب جميل وحميميّ وقريب من القلب، ولا يخاف تسمية الأشياء باسمها، حتى لو بدا أنّه يتجاوز “المتعارف عليه” في طرح المضامين أمام الأطفال، وهو يتساعد بالدمية منى، التي تضفي جوًا من المرح والضحك إلى جانب كونها أداة حواريّة للتحدث عن الأمور التي تشغل بال الأطفال.

عالم الأطفال مركّب وغنيّ، وخصوصًا بعالمنا اليوم الطافح بالمضامين التي تجعل من أجيال الأربع-خمس سنوات أنصاف بالغين في قدرتهم على التفكير والتمييز بين “الخير” والشرّ”.

(لتدوينات الـ “300 كلمة” السابقة)

تعليقات (0)
اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *