300 كلمة في اليوم (23): مشرق/ مغرب…

ما الذي يمكن عمله الآن في العالم العربيّ، للخروج من أزمة الصراع بين المطرقة والسدّان: المعسكر السنّيّ بقيادة السعودية والإمارات (معذرة على التعميم) والمعسكر الشيعيّ بقيادة إيران (معذرة على التعميم)؟ ثمة حقائق لم يعد بالإمكان تجاهلها، حتى في قمّة الحرص على عدم التحدث عنّا بمصطلحات طائفيّة. لكنّ ما يحدث الآن يسجّل ذروة جديدة في مسخ الوجود العربيّ وتقزيمه وتفتيته، وحصره في مع وضد: مع السعودية وضدّ إيران- أو العكس. ولهذا، يجب الآن (نعم، الآن!) بلورة طرح مدنيّ يشكّل بديلًا لما يحدث.

كيف يمكن ذلك في الظروف الراهنة، ومنظومة الإعلام العربيّة مجيّشة ومُجنّدة ومموّلة بغالبيتها العظمى بشقيّ النفط الإسلاميّ: الخليجيّ والإيرانيّ؟ من نفطه يبثّ عبيرًا صافيًا ومن نفطه آسِن؟.. الإجابة عن هذا السؤال تتعلّق أساسًا بموقعك من بئر النفط التي تشرب منها. هذه كارثة حقيقيّة فعلًا: انهيار أيّ إمكانيّة لتأسيس إعلام جماهيريّ عربيّ (صحف، مواقع، قنوات متلفزة) يستند في وجوده إلى الإعلانات التجاريّة فقط أو إلى مموّلين طوباويّين يدفعون مئات ملايين الدولارات (متوسط تكلفة قناة متلفزة جيّدة) من دون أيّ رغبة بالتحيّز لطرف ما على حساب آخر؟

هل يمكن أن تكون الإغاثة للمشرق المتخلف المحتضر من المغرب العربيّ؟

المركزانيّة المشرقيّة التي فرضت نفسها على العالم العربيّ في الأزمنة المعاصرة، ومنذ النهضة العربيّة في الشام، استثنت الشق الثاني منها في فاس ومراكش، لنركز في إعلامنا وأدبياتنا على مثلث بيروت- دمشق- القاهرة، وبذلك يرى المشرق العربيّ (الشام والخليج) في نفسه القلب النابض للعالم العربيّ. هل أتى الوقت لعملية زرع قلب جديد، وتوجيه قبلتنا إلى مراكش والرباط وتونس العاصمة؟

الكراهية والخوف والاستحواذ الطائفيّ تسيطر كلّها على قباطنة المشرق العربيّ، بتوجيهات دول عظمى خارجيّة، وتبدو الحرب الطاحنة العبثيّة أقرب من أيّ وقت. ربما علينا أن نعلن وبشجاعة السقوط المجازيّ للقاهرة والرياض وبيروت وبغداد، والتفكير بشكل جديّ بتحويل اهتمامنا ومرجعياتنا إلى عواصم المغرب العربيّ. فبكلّ علّاتها –وهي موجودة- ما تزال هذه الرقعة من عالمنا العربيّ بعيدة عن السرطان الذي ينخر المشرق، وقد يسعفنا ضريح ابن رشد في مراكش!

(لتدوينات الـ “300 كلمة” السابقة)

 

تعليقات (0)
اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *