300 كلمة في اليوم (19): واه يا غزالة!

قبل نحو عاميْن رأت الفنانة الفلسطينيّة منال محاميد في حديقة الحيوان في كريات موتسكين (بين حيفا وعكا)، أمام القفص المخصص للغزال، يافطة كُتب عليها بالعبريّة “غزال إسرائيليّ”، وبالعربيّة كُتب “غزال فلسطينيّ”. من هذه المفارقة وُلد المعرض الجديد لمحاميد تحت عنوان “Gazella, Gazella, Palestinian Gazella” (جامعة المعرض: رلا خوري)، والذي اُفتتح مساء أمس السبت (11/11) في قاعة “منجم- مختبر حيفا للثقافة”، التي اُفتتحت هي الأخرى مؤخرًا.

معرض “غزالة” من أكثر المعارض الفلسطينيّة التي رأيتها، تماسكًا وجماليّة، من حيث التناغم الكبير والمتين بين الثيمة والأعمال، وبين المقولة والتقنيات. فتقنية الطباعة على الورق بواسطة الحفر على الزنك، هي تقنيّة ممتازة لخلق حالة من “التسطيح البصريّ”، تجعل من التصويرات والصور المطبوعة عناصر ثنائيّة الأبعاد، تفتقر للعمق التلوينيّ، وبالتالي فهي تشدّد على الاغتراب من جهة، وعلى غياب الوجود المحسوس الفعليّ. كأنّ الغزلان بقع حبر مرتّبة بإتقان ليس إلّا. وهكذا، ترى الغزلان المطبوعة في أعمال عديدة بالمعرض وحيدة، حزينة، بلا حياة، رغم أنها تتكرّر في نمط دائريّ يغلب هو الآخر على الأعمال.

أمّا شريط الفيديو في المعرض فهو ببساطة ممتاز! تلتقط محاميد تمثالًا صغيرًا أبيض لغزال وتبدأ بالركض. تركض في عشرات المواقع، براري فلسطين التاريخيّة، كأنّها غزال بنفسها، يتنقل بين البراري والجبال والتلال ومواقع المياه، بخفّة وتلقائيّة. فيديو بلا نصّ، أصوات “الطبيعة” فقط، مسارات يركضها الغزال وحده، من دون توجيه سياسيّ مفروض من فوق (لا توجد حواجز ولا جدران في الشريط)، ثم تعود العدّاءة بغزالها الأبيض إلى نقطة الانطلاق في البحر الميت، لتضعه وسط أقرانه التماثيل البيضاء. التماثيل ذاتها المرتّبة في زاوية بقاعة المعرض على الأرض، تجسّد ببساطة قوية وكبيرة نقيض الغزال بكلّ كيانه: وقوف ثابت، بارد، وحيد، بلا قلق أو جُفول- مميزات الغزال الأبرز.

وهناك قرن الغزال الكبير الأبيض المنتصب في منتصف القاعة، يلعب اللعبة المختالة أبدًا ودومًا: تكبير عضو واحد من جسم ما، خارج أيّ تناسبيّة معقولة، من أجل طرح معانٍ جديدة للجسم الأصليّ: هل الغزال لطيف ودمث وخفيف الظلّ كما نعتقد حقًا؟… (مقالة موسّعة عن المعرض لاحقًا…)

(لتدوينات الـ “300 كلمة” السابقة)

تعليقات (0)
اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *