إعتدل يعتدل اعتدالاً

علاء حليحل

 إذًا، ها هي كوندي رايز تعود إلى المنطقة مُجددًا، وأنا كلما رأيتها تتجامل مع عباس وليفني على التلفاز، إنقبضت في داخلي صفارات الإنذار الحربية، ولوّحت بأنّ مصيبة قد حصلت، ربما، أو أنها في طريقها للحصول.

كما أنّ كوندي علّمت ليفني والإسرائيليين (سنيه مثلا) مقولة “دعم المعتدلين”، وهي مقولة تتستر على أجندة خفية هدفها ضرب “غير المعتدلين”؛ فأنت حين تدعم “المعتدلين”، فإنك تحشر غير المعتدلين في خانة الاستهداف الأكيد.

وبما أنّ كوندي هنا، في بيتنا، يا مرحبا يا مرحبا، فإنني سارعتُ إلى إجراء جرد حساب سريع بيني وبين نفسي، علّي أكون معتدلاً فتدعمني كوندي بالأخضر والأزرق. والاعتدال وفق ابن منظور في معجمه “لسان العرب”: “تَوَسُّطُ حالٍ بين حالَيْن في كَمٍّ أَو كَيْفٍ، كقولهم جِسْمٌ مُعْتَدِلٌ بين الطُّول والقِصَر، وماء مُعْتَدِلٌ بين البارد والحارِّ، ويوم مُعْتَدِلٌ طيِّب الهواء ضدُّ مُعْتَذِل، بالذال المعجمة. وزعموا أَنّ عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، قال: الحمد لله الذي جَعَلَني في قَوْمٍ إذا مِلْتُ عَدَلُوني كما يُعْدَل السَّهْم في الثِّقافِ، أَي قَوَّمُوني”.

إذًا فالاعتدال أمر جميل وحسن، فيه التوسط والحكمة والرويّة، ولو عرفت كوندي مأثورة بن الخطاب الآنفة لردّدتها بأمريكيتها اللكناء ترديدًا ما بعده ترديد. وهكذا، ألفيتُ نفسي في هاجس مهجوس، أتفحّص ذاتي ونفسي كي ألائمها لمتطلبات الاعتدال الكوندية، فقلتُ: أنا بين إسرائيل وفلسطين، إذًا فأنا معتدل؛ وأنا بين مصر وسورية، إذًا فأنا معتدل؛ وأنا بين ابن رشد وكانْت، إذًا فأنا معتدل؛ وأنا بين الهامبرغر والشولباطو، إذًا فأنا معتدل؛ وأنا بين قهوة الفلتر وبين القهوة العربية، إذًا فأنا معتدل؛ وأنا بين سراويل الجينز وبين سراويل “جدي” البيضاء الطويلة الشتوية، إذًا فأنا معتدل؛ وأنا بين برودة الحداثة وحِمّية البداوة، إذًا فأنا معتدل؛ وأنا بين حبي لوسائط التعبير الغربية وحبي للمعلقات و”ألف ليلة وليلة”، إذًا فأنا معتدل؛ وعلى هذا قِسْ.

فأنا إذًا بالضرورة أدخل في خانة المعتدلين دخولاً ما بعده دخول، وأستسقي العدل والاعتدال من كوندي ورئيسها، كما استجدى بن الخطاب قومه بأنه إذا مال فليعدلوه! فلتأتِ كوندي إذًا، وتعدل من أمورنا، فلعلنا اعتدلنا أكثر مما نحن معتدلون، ولعلّ “المتطرفين” يفقهون أمرًا أو اثنين في القدّ والقديد، وسياسة الضرب بالحديد، ولكن باعتدال، كما عوّدتنا كوندي ورئيسها، وكما تحبّ أن تعتدل ليفني أمام رئيسها، خصوصًا في استطلاعات الرأي واستبياناتها. وكفاكم شرّ الاعتدال في الشرق الأوسط العُضال

(نشرت هذه المادة في موقع ’’عرب48’’ بتاريخ 15 كانون الثاني 2007)

تعليقات (0)
اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *