فرفحينة

مساءُ الخير.

شكرًا لإدارةِ المهرجانِ على دعوتِي، وأرجُو ألاّ أثقلَ على عشّاقِ الفلامنكو في دقائقِي القليلةِ هذه..

هلْ يَصْدُقُ التاريخُ وهو يروي قصةَ زريابَ الذي دخلَ على قومٍ، فعزَفَ فضحِكوا، فعزفَ فبكوْا، فعزفَ فرقصُوا، فعزفَ فنامُوا، فخرجَ؟ من أين يأتي السحرُ الذي في أحرفِ النوتةِ السوداءِ الهادئةِ؟..

وقد يسألُ السائلُ أيضًا: هل للموسيقى مكانٌ، والأيقاعُ الوحيدُ في الحياةِ هو صوتُ القذائفِ الذكيّةِ، وعويلُ الأخبارِ المنبعثِ من حناجرِ المذيعاتِ الجميلاتِ؟..

كيف يمكنُ للمغنّي أن يُغنّي، وللعازفِ أن يعزفَ وللسّامعِ أن يسمعَ، والصوتُ الوحيدُ الذي يرسمُ حدودَ أيامِنا هو صوتُ شارون؟..

كيفَ؟.. يمكننا أن نحاولَ..

أنظرُوا إلى مِفتاحِ الصّولِ وسَترَوْن. مفتاحُ الصولِ هو أصلُ الأشياءِ وبدايةُ الموسيقى، ونحنُ هنا أصلُ الأشياءِ وبدايةُ الموسيقى؛

مفتاحُ الصّولِ نَغمٌ للحَياةِ، ونحنُ هنا نَغمُ الحياةِ؛

مفتاحُ الصُّولِ مَسرّةٌ للبشرِ، ونحن هُنا مَسرةٌ للأرضِ…

من الأرضِ نجترحُ موسيقى أيامِنا. نعزفُها جِهارًا وسرًا وبقاءً. لم يدُمْ شعبٌ إلا وكانت الموسيقى مياهَ أشجارِه، ومزارعِه وورودِه وشتلةِ الباذنجانِِ وشجرةِ التفّاحِ الشّهيِّ؛

نصدحُ بالميجَنا والعتابا، ونُدَوْزنُ الشّبابةَ على وقعِ أقدامِ الدّبّيكةِ في أفراحِنا الرّيفيةِ. نختلسُ الحبَّ الممنوعَ في أغانينا: ظريف الطّول وعيني يا ظريف، حبّيتك سنتين ومين اللي عرف؟..

نكتبُ أهزوجةً لطفلٍ ينامُ، وأهزوجةً لحبيبٍ يسافرُ، وأهزوجةً لإبنٍ لن يعودَ من الحبِّ، وأهزوجةً للفرحِ العابرِ خلسةً، وعنوةً، وعلى الرغم من أنفِ القنّاصةِ. نكتبُ أهزوجةً للقناصةِ على سطوحِ سعاداتِنا يحاولون اصطياد معانينا: حيِّد عن الجّيشي يا غْبيشي، قبل الحناطير ما يطلوا…

على هذه الأرضِ ما يستحقُّ الغناءَ. على هذه الأرضِ ضحكةُ طفلٍ ونشوةُ أمٍ وارتعاشةُ حبيبٍ. على هذه السفوحِ والشطأانِ ما يُشعلُ النارَ في أوتار العودِ، وفي أوتارِ الكمانِ وفي ضرباتِ الأيقاعِ، لتصبح أغانينا الشعبيةُ تعويذةً للحبِّ الحاملِ بالأملْ، نربّيه على مهلْ.

لدينا في الموتِ ما يكفي من الحياةِ لنُغنّي: جفرا وهي يا الربع ريتك تقبريني، تدعسي على قبري وتطلع فرفحيني..

على هذهِ المنصةِ وغيرِها من المنصاتِ ستطلعُ الفرفحيني. علينا أن نرويها بمياهِ المهرجاناتِ دائمًا وأبدًا.

شكرًا لبيت الموسيقى من شفاعمرو دائمًا وأبدًا…

(ألقيت هذه الكلمة في افتتاح مهرجان بيت الموسيقى في حيفا، حزيران 2003)

تعليقات (0)
اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *