علاء حليحل: “شعوري بالرضى عن روايتي مؤقت، وهذه نعمة!”

حاوراه: رشا حلوة ومصطفى عاطف قبلاوي

عن موقع “الحياة”

في الثامنة والنصف من مساء أحد أيام هذا الأسبوع، التقيناه في منزله الموجود بأحد أحياء مدينة عكّا. لا يُطل المنزل على بحر المدينة، كما يُخيّل للبعض عندما تخبرهم أنّك تسهر في منزل عائلة تقطن داخل إحدى المدن الساحليّة، لكننا غصنا معه في بحر أفكاره، أمنياته وهواجسه.

علاء حليحل، الكاتب والصحافي الذي لا يزال يحتفي بإصدار روايته الأخيرة “أورفوار عكّا”، الصادرة في طبعتها الأولى عن دار “الأهلية” في عمان، وصدرت في طبعة ثانية محلية توزع في نطاق الداخل الفلسطيني عن “كتب قديتا”. استقبلنا علاء بحفاوة محببة، ووافق أن لا يكون حديثنا “رسميًا”، مُتفقًا معنا أنه من الأفضل أن ندير نقاشًا حول أعماله وتفاصيله لنتطرق للإصدار الأخير دون تكلف، ربما يكون معهودًا بين وسيلة إعلامية وكاتب.

“ليس جميع الناس من هواة القراءة..”

“أنا أكتب من أجل علاء، لأنني أحلم ببناء مشروعي الأدبي الخاص، أحلمْ أن أقف في نهاية رحلتي على هذا الكوكب وأنظر خلفي لأجد موروثًا أدبيًا يستحق الاطلاع عليه، بالإضافة إلى أنني أقوم بفعل الكتابة لأجل المُتعة، هذا يعني أن أمنح لنفسي المتعة خلال سيرورة الكتابة، وأن أمنح القراء متعة خلال قراءتها..”، هذا ما قاله علاء بداية الحديث قبل أن تقاطعه تحيّة “شعبيّة” من “سعيد” أحد جيرانه بصورة محبّبة لينفعل علاء مرحبًا به وداعيًا إيّاه لمشاركتنا السهرة. سعيد لم يأتِ، لكنه منحنا مساحة لنسأل علاء: “ألا تُضايقك حقيقة أن قسمًا، ربما يكون كبيرًا، من جيرانك وأهل المدينة التي تقطن، لا يطالعون إصداراتك الأدبية..؟”، “طبعًا لا..”، أجاب، “ليس جميع الناس من هواة القراءة..، حتى أن جزءًا لا يستهان به من هواة القراءة لا يحبون مطالعة الروايات..، هذه الفكرة لا تُضايقني فمن الطبيعي أن تكون هناك شريحة تحب الأدب كما في كل المجتمعات وشرائح عديدة أخرى لا يستهويها الأمر، بل إنني أجد أن الأفكار السائدة التي تفيد، مثلاً، أن الأوروبيون جميعهم قُراء نهمون، ساذجة..، فوصف الحالة السائدة بهذه الصورة يخلو من المنطق لأن البشر مختلفون بطباعهم وميولهم وهذا الأمر ينطبق على البشرية جمعاء.”

وأضاف: “قبل عقود كان للكاتب أو الأديب مكانة أهم مما هي عليه اليوم، وهذه فكرة لا أختلف عليها مع أحد، ذلك يعود لمنسوب الأميّة المرتفع بين الشعوب فكان للأديب القارئ والمفكر مكانة “مقدّسة”، إن صح التعبير، بسبب أن الصحافة المكتوبة كانت في المركز وكان من يكتب مقالاً في إحدى الصحف، يحقق انتشارًا كبيرًا..، وهو ما لم يعد موجودًا هذه الأيام، لأن العوامل المحيطة تغيّرتْ، فلم يعد الكاتب وحيدًا على الساحة، ولم تعد الصحافة المكتوبة بذات المكانة التي عهدناها، خاصة مع ظهور وانتشار التلفزيون وكل الأدوات التكنولوجيّة التي بات نجومها ينافسون الكُتّاب والأدباء لأن الشاشة الصغيرة تمنحك انتشارًا وبريقًا قد لا يناله الكاتب بعد إصداره كتابًا، وهذه حقيقة لا تزعجني بتاتًا،ـ إنما تجعلني أعي أن ظهوري في وسائل الإعلام يحمل لي الفائدة كي يتعرف الناس عليّ وعلى أعمالي مما يعطيني قدرة أكبر على التأثير على الناس، وهو أمر أصبو إليه ويعنيني..”

بدأت كتابة الرواية كي تصل “سفينة العاهرات” إلى المرسى..!

حدّثنا علاء أيضًا عن الصعوبات التي واجهته حتى اكتمل هذا العمل الأدبي، واصفًا “الرحلة” بتكرار ما للفكرة التي نشرها في الصفحات الأولى من روايته “أورفوار عكّا”، كأنه لولا التزامه “الدبلوماسيّ” للأستاذ حنّا أبو حنّا بالبتّ في قضية “سفينة العاهرات” المخطوفة، التي كان أبو حنّا ينوي الكتابة عنها، لكنه، لسبب أو لآخر، لم يفعل.. فسأله: “ما رأيك لو تكتب أنت الرواية التي لم أكتبها أنا؟..”، ووافق حليحل على الفور. وأشار أنه وخلال سنوات سبع اقتضت حتى فَرغ من كتابتها، عاش “انكسارين”، على حد وصفه، كان من الممكن أن يوصلاه إلى أن يرفع يديه مستسلمًا..، لكنه تابع حتى انتهت..

وأضاف: “حتى الآن لا أزال راضيًا عن “أورفوار عكّا”، لكنني أعي أن شعوري بالرضى لن يظل لوقت طويل لأنني أعيش معضلة تحثني على التجدد، فتراني أمل من إصدار لا يزال حديث الصدور حتى أبدأ العمل على آخر، وأعتقد أن هذه النزعة ليست سلبية، لأن التجدد من أهم الصفات التي تساهم في تطوير أي كاتب، لأنها تجعله يعيش حالة بحث مستمرة عن “الجديد.” “الكتابة هي مشروع شخصي” امتداداً لما ذكرناه أعلاه، فعلاء حليحل يرى أن الكتابة بالنسبة له هي مشروع شخصي، ويعتبر أن الشرط الأساسي للأدب هو المتعة، المتعة خلال الكتابة وخلال القراءة، مشيراً إلى أننا أهملنا هذا الجانب في القضية الفلسطينية، واعتمد الأدب على أن “القضية بتبيع، كل إشي ملتزم ببيع وبمشي”، يقول حليحل. وأضاف: “هاجسي هو كيف ينهي قارئ من قراءة 240 صفحة ويقول بأنه استمتع، لأن المتعة هي القاعدة التي ترتكز عليها كلّ المضامين، سواء الوطنية والاجتماعية وغيرها، على سبيل المثال روايتي تحتوي على مضامين نسوية، وبلا متعة القراءة لن تمرّ هذه الرسالة.”

امتداداً لهذا السياق، تابع حليحل: “أنا لا أكتب عن فلسطين ولا أعتبر أن الكتابة عن قضيتي مهمة وطنية، حتى أنني لا أستسيغ الأدب والشعر الذي لا يخرج من فضاء قضيتنا الوطنية، فنحن- يقصد الفلسطينيّون- من ساهمنا بأن نسطّح أنفسنا بهذا الشكل..، فأفرادُنا إمّا “شهيد” أو “مشروع شهيد”، وهو أمر يسيء لمنتوجنا العام لا الأدبي فقط، فنحن نحبّ ونغنّي ونكره ونحيا كل التفاصيل الصغيرة التي تفرضُها الحياة، لكننا أفقدناها شرعيتها بيننا ولم ننقلها للعالم للحفاظ على صورة القضية.. وهذا خطأ كبيرٌ بحق أنفسنا..” وتابع: “أنا أخدم قضيتي إن كنتُ أديبًا جيدًا متمكنًا من أدواتي الأدبية وأمنح قرائي المُتعة من الصفحة الأولى حتى الأخيرة.”

“أخشى أن أموت..”

علاء الذي لا يزال يتابع تجواله بين قراءه في البلدات العربية ليناقش معهم إصداره، ويستعد للتواجد في الناصرة، مساء غد الأحد في مقهى “كتابُن” بالمدينة، قال لنا بعد أن سألناه عن هواجسه بينما يتكئ على وسادته قبل النوم: “أخشى أن أموت..”، وتابع بعد امتلاكه حواسنا القلقة: “أخاف أن تكون رحلتي قصيرة وأن أترك الحياة دون أن أكمل مشروعي الأدبي الذي حدثتكمْ عنه، هذه الفكرة تُرعبني وتجتاح هواجسي كثيرًا لذلك تجدُني أسعى دومًا لأنتج ما هو جيد بشكل مُكثّف سواء على مستوى الرواية، النصوص المسرحيّة أو القصة القصيرة (كما في إصداره الأول :”كارلا بروني عشيقتي السرّية” التي نشرت عام 2012)، أو حتى خلال المقالات الصحفيّة التي أنشر.”

تعليقات (0)
اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *