5 ملاحظات إعلامية على الحرب..

 علاء حليحل

1. منذ مدة تحوّلت الحروب إلى عروض على الشاشة. لا حرب من دون تلفزيون، ولا تلفزيون من دون حرب. “الجزيرة” قناة جدية تبث بجدية وهي قناة تحمل في طياتها حسمًا أخلاقيًا حول الصواب والخطأ، وحول القوي والضعيف، وحول الكاذب والصادق. “الجزيرة” تُتهم مرارًا –لا أعرف لماذا حقيقة- بأنها موالية لأمريكا، رغم تغطيتها الواضحة لصالح خصوم أمريكا (نحن، العرب والمسلمون) ورغم التضييق عليها وعلى عملها في كل مكان لأمريكا تأثير فيه. البعض يقول إنها تستخدم “ترمنولوجيا” (خطابًا) فيه اعتراف بإسرائيل، مثل “شمال إسرائيل” وغيرها. حسنًا، أغربوا عن وجهي! ما قتلتنا إلا الخطابة، وتعسًا للوطنيين الرومانسيين الطفوليين الذي يُغمضون أعينهم عن كل إنجازات “الجزيرة” وتفانيها لنا ومعنا، ويصيحون بفرحة طفل اشترى له أبوه بوظة على بطيخ: يقولون شمال إسرائيل!! يقولون شمال إسرائيل!!

لولا “الجزيرة” لاندثرنا في القنوات الإسرائيلية العبرية.

2. آخر الأمكنة التي ضيّقت فيها أمريكا وإسرائيل على عمل “الجزيرة” كان الجليل وشمال البلاد، حيث احتجزت مراسليْ القناة، وليد العمري والياس كرام، وبدأت الرقابة بتضييق الخناق عليهما.

في داخل هذا سطع نجم الزميل الصحافي الياس كرام كمراسل ممتاز، نشيط، مقدام، واعٍ ومُدرك، مثابر وحريص. في الأيام التي عمل فيها بحرية، من دون تضييق أو رقابة، نقل أوسع صورة وأشملها من شمال البلاد، بمهنية عالية وبهمة أعلى. هذه الحرب أفرزت وستفرز الكثير، على جميع الأصعدة، ولكنّها بالتأكيد كشفت عن “نجم” إعلامي، عن صحافي مهني وموثوق، انضمّ منذ الآن إلى قائمة صحافيين عرب يؤدون مهنتهم بصدق وإخلاص ومثابرة.

3. بدت الناطقة العسكرية، ميري ريغف، في اليومين الأخيرين حريصة على تشغيل الرقابة العسكرية في الحرب الدائرة، أكثر من الرقيبة العسكرية نفسها. وفي لقاء مع “هآرتس”، اليوم الخميس، قالت ريغف إنها قلقة من تذمر الشعب الإسرائيلي من “الليبرالية” في البث حول سقوط قنابل الكاتيوشا في شمال الدولة، ولذلك يجب تضييق فوهة المسموح.

الحقيقة أنّ إسرائيل في مأزق: فالعالم قد انفتح منذ زمن على البث المباشر وتقنيات الإعلام العالية ومواقع الانترنت الحرة، وإسرائيل لا زالت تختبئ وراء رقابتها العسكرية. والحقيقة أنّ ما يسمح بهذا هو خيانة الصحافيين اليهود في الدولة مرتين: المرة الأولى في عدم ثورتهم على منظومة الرقابة، بشكل جماعي منظم؛ والمرة الثانية في أنهم استثنوا الصحافة العربية في البلاد من الاتفاقات التي جرت بين الرقابة العسكرية وبين محرري وسائل الإعلام العبرية، خصوصًا بعد نشر “هآرتس” لصورة واسم رئيس “الشاباك” الجديد وقتها، كارمي غيلون، والتأسيس لقواعد لعبة جديدة- ظل الإعلام العربي خارجها وللأسف. المطلوب الآن هو تكتل عربي إعلامي موحد، من جميع وسائل الإعلام العربية، في وجه الرقابة العسكرية وتحقيق مطلب أدنى هو أن تكون الصحافة العربية شريكة في القرارات التي تُطبق عليها.

ثم: لماذا لم يصرخ أي صحافي يهودي إسرائيلي ضد تقييد حرية تنقل وكلمة الصحافيين العرب الآن؟؟ هل بُحّت أصواتهم وهم ينادون منذ أسبوع: إقصفوا نصرالله! إقصفوا نصرالله!؟؟

4. منذ أن قُتل الطفلان محمود وربيع طلوزي (في الثالثة والسابعة من عمريْهما، على التوالي) من الناصرة، مساء أمس الأربعاء، ووزارة الخارجية الإسرائيلية تستغل مقتليهما لدعاية إعلامية سافلة في العالم ضد “حزب الله”. أقول سافلة لأنهم يرقصون فعلاً، بطرب وجذل وفرحة عارمة، على الدم العربي، سعيًا نحو نقاط ومكاسب إعلامية دعائية في الغرب، تحت عنوان: “أرأيتم؟.. إنهم يقتلون العرب أيضًا”!

بدلاً من أن نختبئ وراء تسمية القتيلين بالشهيدين، وكأنّ هذا يُهوّن المصاب ويبعث في صدورنا الأمل، علينا أن نشرح للمواطنين العرب هنا أنّنا لسنا في خندق واحد مع الإسرائيليين؛ مصيرنا ليس مشتركًا وحياتنا ليست مشتركة. كيف يمكن أن يكون مصيري مشتركًا مع دولة صهيونية إمبريالية مجرمة؟.. علينا أن نقول هذا بوضوح وألا نختبئ من وراء غيبيات لا تُجدي نفعًا. في الحرب تقع أخطاء وأمور مأساوية، وهذا ما حصل في الناصرة.

هذه قد تكون المعركة الأخيرة إذا قضوا على حسن نصرالله و”حزب الله”. ومن بعدها سنصير جميعًا شهداء وعبيدًا عند أمريكا وإسرائيل. من هذه الزاوية فقط –ولا غيرها- هذه الحرب حربنا. من هذه الزاوية فقط!

5. المعطيات في الأسبوع الأخير تشير إلى ارتفاع كبير في نسب المشاهدة للتلفزيون في إسرائيل. الإسرائيليون يحبون متابعة الأخبار وليس الهروب منها في ساعات الشدة. المثير أنّ نسب مشاهد “القناة 10” في ارتفاع كبير، رغم أنّ هذه القناة هي الأقل تجندًا قومويًا في هذه الحرب، وفي القناة الكثير من الأسئلة حول الحرب وتقدمها وجدواها. من جهة أخرى، ورغم الارتفاع الكبير في نسب المشاهدة للقنوات التلفزيونية الإسرائيلية، فإنّ عدد المعلنين في انخفاض، وبالتالي تكبيد القناتين التجاريتيْن (2 و10) خسائر بالملايين في أيام الحرب الدائرة. هل هذه ستكون نهاية “حب الحرب” في التلفزيونات الإسرائيلية، وخصوصًا في القناة الثانية؟

(نشرت هذه المادة في موقع ’’عرب48’’ بتاريخ 23 تموز 2006)

تعليقات (0)
اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *