300 كلمة في اليوم (1)

خلص، سألتزم: سأكتب تدوينة يوميّة من 300 كلمة. 300 بالضبط!  إلى أن أستسلم أو أموت أو تطلقوا النار عليّ. سأكتب من باب الالتزام. “الفنان الذي لا يضرب فرشاة لون في اليوم على الأقلّ ليس فنانًا” قال ديغا، وماذا مع الكاتب(ة) الذي لا يكتب كلمة واحدة على الأقل يوميًّا؟

الكتابة التزام إذا كان هذا مشروع حياتك، وإذا لم يكن فلا حاجة لكلّ هذه التنظيرات. يمكنك أن تكتب متى تشاء ولن تقع خشبة من السماء. أمّا إذا كانت الكتابة عصارة وجودك، والسبب الوحيد في الحياة الذي يمنحك تصريحًا أخلاقيًّا بحرق الأكسجين وتلويث البيئة، فعليك أن تكتب كثيرًا. عليك أن تُراكم النصوص والأفكار والصياغات، وإذا كنتَ جيّدًا بما يكفي فقد يُفرز هذا الكمّ كيْفًا جديدًا ومتميّزًا. الكمّ ضروريّ ولا غنى عنه. لا تصدّقوا كلّ الأمثال الجاهزة عن “الكمّ والكيْف”. لا وجود لأيّ كيْف من دون الكمّ- والكثير من الكمّ. الكمّ تجريب وممارسة وخطأ وصواب. والعقل مثل أيّ عضلة، إذا لم تعمل فإنّها تيبس.

ولماذا 300 كلمة؟.. لا جواب علميّ. المقالة الصحفية بين 500-600 كلمة ولا أريد مقالة صحافيّة. ولكنّني لا أريد ستاتوس أيضًا. الـ 300 كلمة تبدو لي بيْن بيْن، مهمّة يوميّة غير عسيرة من ناحية الكمّ، لكنّها عسيرة أيّما عسر من ناحية الكيف. أعتقد أنّ فلوبير (وربما فيكتور هوغو؟) هو الذي بعث رسالة إلى صديقه بدأها بهذه الجملة: “أعتذر، ولكنني سأكتب لك رسالة طويلة، فليس لديّ الوقت الكافي لكتابة رسالة قصيرة”. التكثيف صعب والاختزال امتحان. يجب على كلّ كلمة أن تبرّر ذاتها في نصٍّ قصير ينزع للحرفيّة. ولو كانت فكرة ما تتجلّى عبر 11 كلمة فكتابة 13 كلمة هو إخفاق إنشائيّ.

وعمَّ سأكتب كلّ يوم؟ لا أعرف. سنرى. لا أعدكم بالإلياذة والأوذيسة ولا بلزوميّات المعرّيّ. سأكتب بتصميم، وسأعيد شحذ المجسّات اللاقطة لكلّ لمحة ولمعة. فما هو الكاتب الحقيقيّ إذا لم يكن قنّاص اللحظات غير العاديّة؟

وأمر آخر بالغ الأهميّة يجب أن أوضحه الآن وقبل أن تفكّروا في مدى عبثيّة هذه المغامرة: تذكّروا- (انتهت 300 كلمة)

 

تعليقات (0)
اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *