300 كلمة في اليوم (2): اليابان في “مَهْرال”

منذ أن تسجّلتُ لأوّل درس في قسم الفنون الجميلة في جامعة حيفا (عام 1994)، وأنا أحبّ الحبر أكثر من أيّ شيء آخر. أكثر من الأكريليك وألوان الزيت والألوان المائية والفحم… شيء ما في البقع الحبريّة المسطّحة ما زال يثير فيّ فضولًا غير مفسَّر، كأنّ بقعة واحدة خالية من أيّ تفاصيل عينيّة يمكنها أن تختزل الواقع وصُوَرَه بقدرة أكبر بكثير من التفاصيل اللونيّة الأخرى. لذلك أتبع الحبر دائمًا وبطاعة كبيرة.

الطريق إلى “كيرم مَهْرال” جديدة عليّ وعلى ميساء، التي رافقتني إلى ورشة من ساعتيْن ونصف جرت في هذا المكان الذي يُقال عنه من دون أيّ نزعة للكليشيه أو المغالاة: ﭙـاستوراليّ (رَعَويّ). مكان يثير فيك الخيال والطمأنينة ببيوته المتناثرة بكسل على تلال صغيرة خضراء تغصّ بالشجر والنبات والحيوان، وتثير فيك الغصّة بأنّ هذا الريف المفقود كان يمكن أن يكون ريفنا المشتهى، لولا أنّ…

كوزي أيشي فنان يابانيّ يعيش في إسرائيل منذ سنوات طويلة، وهو يدير ورشات في الرسم بالحبر وكتابة الخط اليابانيّ. الكاتالوج الذي يحوي معروضاته مثير للتقدير حقًا، وفي منتصف الورشة دعانا لممارسة ربع ساعة من الحركات اليابانية التقليدية للتنفس والرياضة الخفيفة. دمج بين الرياضة الذهنية والجسديّة يعيد ثقة المرء دائمًا بحكمة الشرق التي سلّعها الغربُ ولعن سلسفيل والديها.

الفرشاة اليابانيّة جميلة جدًا من حيث مبناها: قصبة بامبو صغيرة وخفيفة وعلى رأسها مجموعة من عشرات الشعرات الحيوانيّة تجعل من ممارسة الرسم بها مهمة عسيرة في البداية، لكن انسيابية مع الوقت (ميساء اكتشفت عبر غوغل ونحن في طريق العودة أنها تُصنع من شعر الأرنب أو الماعز أو الثور). الحبر اليابانيّ خاصّ و”مقنع” وله حضور كثيف وجارف. لذلك يشدّد أيشي على الحركة الواحدة التي لا ثاني لها: أخطأتَ؟ هيّا، ورقة جديدة، لا مجال للتصحيح. حركة اليد يجب أن تكون متتناغمة مع التنفس: شهيق قبل وضع الفرشاة على الورقة، ثم زفير بالحركة الأولى، فشهيق بالحركة الثانية، وهكذا. تدريبات ومثابرة.

المرحلة القادمة: تدريبات وتدريبات وتدريبات، والكثير من ورق الجرائد، وبعدها الخطوة المشتهاة الحتميّة: ورق الأرزّ!

(لتدوينات الـ “300 كلمة” السابقة)

 

تعليقات (0)
اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *