في أوشفيتس أسّسنا التضامن مع اليهود!

قبل أيام خرجت مبادرة من عرب الداخل لتنظيم وفد عربي لزيارة معسكر الإبادة في أوشفيتس في بولندا، بهدف “التعرف على ألم وخوف الآخر”. الردود على هذه المبادرة سلبية في جوهرها وهي تتمحور حول تبني رواية الآخر وتجاهل خوف وألم ضحايا النكبة الفلسطينية..

علاء حليحل 

الصحفي نظير مجلي (رئيس تحرير “الاتحاد” سابقًا) لا يعرف ماذا يريدون منه. المبادرة التي يُركّزها في هذه الأيام، من غرفة في مدرسة “المطران” في الناصرة، هي مبادرة “هامة جدًا” في نظره “لإحراج اليمين الاسرائيلي”، كما قال لـ “المشهد الاسرائيلي” اليوم. المبادرة تتلخص في تنظيم وفد من شخصيات عربية من الداخل مع شخصيات يهودية، لزيارة معسكر الإبادة في “أوشفيتس” في بولندا، للتعرف عن قرب “على ألم الآخر”. في نظر مجلي، “هذه عملية لمحاولة إحداث إنعطاف في التفكير العربي واليهودي، من ناحية تجاوز الأحداث اليومية. توجد اليوم قيادة فلسطينية شرعية وقيادة إسرائيلية منتخبة، عليهما حل النزاع، ونحن نحاول الانتقال إلى أمر آخر: الجسر على الهوة العميقة بين الشعبين. الآخر لا يفهم جذور الألم عند الآخر. نحن نحاول أن نفهم الخوف ودوافعه، ولدينا قناعة تامة بأن ذلك سيحثّ اليهود لمحاولة فهم الآخر العربي، ولعل ذلك يفتح بابًا من الحوار والعلاقة بين الطرفين”.

وردت هذه المبادرة لأول مرة في كتاب مقابلات مع الأب إميل شوفاني، مدير المدرسة الإكليريكية (المطران) في الناصرة. هذا الكتاب صدر في فرنسا، وبحسب مجلي فهو يحظى اليوم “بشعبية وإقبال كبيرين”. في الكتاب طرح شوفاني هذه الفكرة المذكورة أعلاه، وهي تلاقي، بحسب مجلي، “إقبالا واسعًا في فرنسا. هناك مجموعة في فرنسا، هم على إتصال معنا، من أئمة مساجد وشخصيات علمانية ومسيحية ويهودية، وهم قالوا لنا إنهم بدأوا بترتيب وفد فرنسي سيضم أشخاصًا بعدد أعضاء الوفد العربي الذي سيخرج من هنا، لنلتقي هناك سويةً. هذه مبادرة ممتازة، وويلٌ للعرب إذا بدأوا بمهاجمتنا على ذلك”.

مجلي يقول إن الهدف النهائي هو أن يصل عدد أعضاء الوفد من (100) إلى (150) شخصية. “اليوم هناك حوالي (70) شخصية أعلنت إستعدادها، وكان هناك حوالي (60) شخصًا مع المبادرة قبل المؤتمر الصحفي. منذ المؤتمر إنضم إلينا (11) شخصًا آخرين. جميعهم من مختلف الأطياف الحزبية”.

يبحثون عن دور

الصحفي والناقد أنطوان شلحت، يرى في هذه المحاولة إنضواءً تحت الموضة الجديدة الآخذة في التشكل كعقدة نفسانية عند عرب الداخل، وهي عقدة “البحث عن دور”. شلحت: “مع إحترامي الكبير لكل الموقعين على هذه المبادرة ولانجازاتهم الشخصية والأخرى، إلا أنهم جميعًا أناس لا يجدون لهم دورًا اليوم في الأحزاب أو في أي مشهد ثقافي آخر، وهم يبحثون عن دور وأدوات، هي بحسب رأيي غير مدروسة كفايةً”.

بالنسبة للآخر، فإن هذه المبادرة ما زالت في طور التشكل. مجلي يقول إن هناك عددًا لا بأس به من الشخصيات اليهودية التي ترغب في الانضمام للمبادرة، “وخلال أسبوعين- ثلاثة سيأتي وفد كبير من هذه الشخصيات إلى الناصرة، ليعلنوا إنضمامهم للمبادرة. وقد أبلغونا بأنهم يعملون على تنظيم وفد كبير للسفر معنا إلى أوشفيتس. على رأس الوفد تقف روتي بار شليف، وهي إبنة قائد الأركان السابق مردخاي غور، بالاضافة إلى مجموعة من المثقفين والكتاب يصل عددهم حاليًا إلى أربعين شخصية”. من جهة أخرى، نشر أمنون روبنشطاين، من قياديي “ميرتس” ومختص قضائي، مقالا في “هآرتس” اليوم، تحت عنوان “جذوز الخوف”، بارك فيه هذه المبادرة، ولكنه قلل من شأنها (ترجمة المقال الكاملة في مكان آخر في الموقع، اليوم). في نظر روبنشطاين ليست هناك حاجة للسفر إلى أوشفيتش للتعرف على جذور الخوف اليهودي، تكفي إطلالة إلى بغداد أو طهران، وإن لم يكن ممكنًا فإطلالة إلى غزة والاستماع إلى قياديي “حماس”، الذين يريدون إبادة دولة إسرائيل.

وهذا بالضبط ما قاله محرر عربي متمرس في إحدى الصحف العربية، اليوم لـ “المشهد السياسي”- ولكن من الجهة المعاكسة: “أراهنك”، قال لي هذا الصحفي، “على أن واحدًا من كل الموقعين على هذه المبادرة لم تطأ أرجلهم مخيم جنين بعد إجتياحه، ولم يبادروا لأي شيء لمنع حرب الابادة ضد العراق. هناك مشكلة في سلم أولويات هذه المجموعة. الانطباع من كل هذه المبادرة هو وكأن اليهود يتصرفون اليوم كما يتصرفون، بناءً على تراكم تاريخي، وبالتالي يمكن تفهمهم على أساس الخوف الذي يحسّون به. ثم أن هتلر كان عدو البشرية جمعاء وقتل ملايين كثيرة غير اليهود. الذهاب إلى أوشفيتس لا يقرّب بين الشعوب… وأنا أريد أن أتساءل عن هذه المبادرة وتوقيتها: موضوع المحرقة غير مطروح الآن بالمرة؛ لماذا الآن؛ وأيضًا: تبني موضوع خصوصية وتميّز الألم الفلسطيني، وكأن الألم اليهودي في كفة والألم البشري في كفة أخرى. كأننا نعترف بأن روايتهم المسيطرة هي الصحيحة”.

باسم الألم

في وثيقة التأسيس ورد ما يلي: “في الوقت الذي نعيش فيه آلامنا وآلام شعبنا، أفرادًا وجماعات بكل جوارحنا، ننطلق في مبادرة نحو الاحساس بآلام الطرف الآخر، أفرادًا وجماعات، وبكل جوارحنا، وبقدر ما نود ان نأتي بالشفاء لآلامنا، نبغي شق طريق الشفاء لآلام غيرنا. فلا يمكن للشعبين أن يتخليا عن طريق العداء وسفك الدماء، إلا اذا صار كل منهما يفهم ويتفهم الآلام والمخاوف التي دفعت الطرف الآخر الى خط النار والحرب والمواجهة.

“ومن خلال إدراكنا هذا المبدأ، قررنا الذهاب فيه بعيدًا الى عمق التاريخ كي نتحسس طريق المستقبل القويم، قررنا التوغل في المسيرة اليهودية التاريخية، من النشر الى الملاحقات وحملات التحقيق والتفتيش حتى مشروع الإبادة النازي، لنتعرف على المعاناة والمشقة والعذاب والدمار. فنحن العرب والمسلمين،  لسنا بموقع تحمل المسؤولية عن هذه الجرائم، لا من قريب ولا من بعيد. ولكن تراثنا العريق ومفاهيمنا الحضارية وانسانيتنا العميقة ورفضنا الحازم لكل مظاهر العنصرية والاجرام، تجعلنا نتعاطف ونتضامن مع اليهود بقوة وبحزم ضد هذه الجرائم, ونتكاتف معهم في خندق واحد ضد من يسعى لتكرارها. فنحن وإياهم أبناء سيدنا ابراهيم الخليل ونحن وإياهم كلّ واحد في عائلة الشعوب السامية. وبدلا من روح المواجهة والدمار، ينبغي لنا أن نكون يدًا واحدة وعنصر بناء في الحضارة الانسانية سوية مع جميع شعوب الارض.

“بناء على ما تقدم، وفي محاولة لاعطاء ترجمة عملية لهذا الموقف المبدئي (….) ننطلق في المشروع الذي كان قد طرحه الاب اميل شوفاني لدراسة تاريخ المعاناة اليهودية في ظل المشروع النازي الوحشي, والذي لو  نجح لكان استمر ليبيد  العرب ايضًا (…) ويشمل مشروعنا تنظيم رحلة لوفد تمثيلي واسع عربي يهودي الى معسكر الاباده  النازي “أوشفتس” في بولونيا، الذي اصبح رمزا لمشروع الابادة المذكور.”

بين الماضي والمستقبل

شلحت: “أعتقد أن موضوع المحرقة وإثارته الآن هو لعب في ساحة الآخر بأدواته وأسلحته، من دون قدرة على أي حوار أو سجال أو محاججة. نحن نقوّي بذلك الشرعية التي تربط قيام إسرائيل بما حدث في أوروبا وواضح أننا لا نملك الأدوات الكافية للتفوق أخلاقيًا، في حالة دخلنا في هذا النقاش. في هذه المعادلة نحن سنكون الحلقة الأضعف. ثم أنه من أجل فهم عذابات الآخر، فنحن لسنا بحاجة لزيارة أوشفيتس. عذابات الآخر مفهومة ومطروحة أمامنا”

مجلي من جهته يرفض الآراء القائلة إن هذه المبادرة تنبع من موقف دفاعي: “موقفنا ليس دفاعيًا وليس تبريريًا وليس متملقًا. نحن أقلية عربية هنا، ولكن منطلقاتنا هي أننا أكثرية في الشرق الأوسط، وهذه طريقة لزرع الثقة في نفوس الأقلية اليهودية. هناك حاجة لأن يفهموا أن العرب لا يفكرون عن المحرقة كما يُدعى. نحن نريد دراسة الألم اليهودي، ونحن ندخل الماضي من أجل المستقبل”.

المستقبل في نظر شلحت لا يُطرق بهذه الطريقة: “يجب أن نناقش الهولوكوست بطريقة مغايرة، أن ننظر إلى الظاهرة ضمن سياق تاريخي، بغضّ النظر عن إقامة دولة إسرائيل. الربط بين الهولوكوست وبين إسرائيل هو ربط صهيوني، يجب مناقشته بشكل أخلاقي وسياسي وتاريخي”. من الجدير التأكيد في هذا السياق على أن الفلسطينيين لم يصادروا حق إسرائيل في الوجود كتعبير عن تعويض لما لحق بهم. حتى هذا الحق اعترف به الفلسطينيون. شلحت: “المطروح الآن هو أن يعترف الطرف القوي، اليهودي، بالنكبة، ككارثة فلسطينية، وأن ينفذ الاستحقاقات المترتبة على هذا الاعتراف”.

عمرو موسى معنا…

قبل فترة غير بعيدة اجتمع مجلي وعدد من المبادرين مع عمرو موسى، رئيس الجامعة العربية، في القاهرة. موسى من جهته أثنى على المشروع واهتم به. مجلي: “موسى قال إن المشروع جيد وأيجابي وليس لدينا شيء ضد اليهود”. بالنسبة لتمويل هذه المبادرة قال مجلي إن التمويل حاليًا هو من الضالعين فيه: “في الوقت الحالي نحن نعمل على حسابنا. إميل شوفاني، صاحب الفكرة الأولية، رصد ريع كتابه الذي صدر في فرنسا لتمويل المبادرة. وقريبًا سننطلق في حملة تبرعات بين الناس وبين الصناديق الاسرائيلية الداعمة للتعايش العربي- اليهودي. لن يكون تمويل للمشروع من أي حزب كان ولا من أية جهة عربية خارجية. نحن في طور تسجيل جمعية تحت إسم “ناس”، تحت شعار ‘الآلام من أجل السلام‘”.

عندما سألت مجلي عن ردود الفعل السلبية على هذه المبادرة، قال إن هذه الردود متوقعة: “من لا يعرف تاريخ الأمة العربية ومعاملتها لليهود قد يهاجمنا. العرب والمسلمون لم يكن لهم دور في مطاردة اليهود أبدًا، ولم يدعموا النازية بالمرة”. سألت مجلي عن الاتفاق بين الحاج أمين الحسيني مع الألمان. مجلي: “موقف الحسيني كان نوعًا من التضامن مع ‘عدو عدوي‘، ومع ذلك لو أيّد النازية فنحن نعارضه في ذلك. التاريخ حقائق. ولو دلّت هذه الحقائق على أن هناك من العرب أو الفلسطينيين من أيّدوا المشروع النازي فنحن ضدهم. نحن نعرف عن مجموعات عربية وفلسطينية كانت ضد النازية، وهناك عرب قُتلوا في المحرقة في المعسكرات في أوروبا”.

وماذا مع التوقيت؟… مجلي: “نحن انطلقنا الآن بالذات لأننا نرى أن التدهور الحاصل هو لا رجعة فيه. حتى لو وقّع الطرفان على إتفاقية سلام فإنه سيكون من الصعب على الشارعين تقبّل السلام. نحن جئنا لمحاولة صنع إنعطاف في الطرفين”.

الموقّعون

على عريضة التأسيس وقّع (43) شخصًا، فيما يلي أسماؤهم: الارشمندريت إميل شوفاني، رئيس الجمعية، راعي طائفة الروم الكاثوليك في الناصرة والقضاء، ومدير مدرسة المطران؛ نظير مجلي، سكرتير الجمعية، صحفي وكاتب؛ أحمد مصالحة، الناطق بلسان، صاحب مكتب محاماه كبير؛ أحمد عفيفي، رجل أعمال وصاحب شركة باصات العفيفي وصاحب مكتب سياحة؛ سالم جبران، شاعر ورئيس تحرير جريدة “الأهالي”؛ محمد علي طه، كاتب، رئيس اتحاد الكتاب والمبدعين الفلسطينيين في اسرائيل؛ الشيخ عبد الله  نمر درويش، مؤسس الحركة الاسلامية؛ د. ثابت أبو راس، محاضر كبير في جامعة بن غوريون؛ د. فيصل عزايزة، محاضر كبير ورئيس المركز اليهودي العربي في جامعة حيفا؛ سليم ضو، ممثل ومخرج؛ نداء خوري، شاعرة؛ بروفسور داوود بشوتي، باحث ومحاضر كبير في معهد التخنيون؛ علي قضماني، رجل أعمال، صاحب شركات قضماني؛ إبراهيم جبارين، رجل أعمال، رئيس إتحاد  المقاولين في الشمال؛ د. عبد العزيز دراوشة، باحث ورئيس قسم الطوارىء في مستشفى العفولة؛ جوزيف حلو، المدير الاداري لمدرسة المطران في الناصرة؛ هيام طنوس، مفتشة معارف لشوؤن الاستشارة التربوية، محاضره في جامعة حيفا؛ د. محمد حاج يحيى، أخصائي نفسي ومحاضر في جامعة القدس؛ تغريد شبيطة، مديرة فرع البريد في الطيرة، محاضرة جامعية؛ رمزي حلبي، باحث اقتصادي، رئيس مجلس دالية الكرمل؛ د. نعيم عرايدي، كاتب، ومحاضر جامعي ومذيع تلفزيوني؛ بروفيسور فاضل منصور، محاضر في جامعة حيفا؛ يعقوب حجازي، كاتب؛ أميمة أبو راس، مربية؛ فؤاد نعرة، مُربٍ؛ نواف عواد، مُربٍ؛ خليل أبو نوفل، مُربٍ؛ منى دراوشة، مربية؛ خالد شحبري، مُربٍ؛ رلى جروش، مربية؛ سعاد حداد، مربية؛ سعيد سلامة، فنان وممثل مسرحي وتلفزيوني؛ د. رويدة مصاروة، محاضرة جامعية؛ جورج دبيني، مراقب حسابات؛ مصطفى عبد الحليم، صحفي ومخرج تلفزيوني؛ أميره حواري، خريجة صحافة؛ جوني جهشان، شخصية اجنماعية؛ توفيق لحام، رجل أعمال؛ بادرة شريف، مربية؛ د. داوود شريف، أخصائي أمراض القلب؛ سليم أبو الشيخ، شخصية إجتماعية؛ أحمد سليمان، رجل أعمال؛ بروفسور إدريس تيتي، عالم رياضيات.

(نُشرت هذه المادة في ملحق “المشهد الإسرائيلي” في أيار 2003)

تعليقات (0)
اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *