دهامشة: اكتشفت الدين في السجن

 لقاء خاص مع النائب عبد المالك دهامشة، رئيس “القائمة العربية الموحدة”، بُثّ في برنامج “سياسي يتحدث” في راديو “الشاطئ”، يوم الثلاثاء الماضي، ويُنشر معظمه هنا في مجلة “الناس”

ولد عبد المالك دهامشة عام 1945، وهو متزوج اليوم وأب لخمسة ويقطن في بلدة كفركنا.  حامل شهادة البكالوريوس في الحقوق ومحامٍ في مهنته. أنتخب للكنيست عام 1996، رئيسًا للقائمة العربية الموحدة، وهو عضو في لجنتي الكنيست ولجنة شكاوى الجمهور. بالاضافة إلى مهامه البرلمانية هو عضو أيضًا في مجلس الشورى والهيئة السياسية للحركة الإسلامية، وعضو لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية واللجان المتفرعة عنها: لجنة المهجرين، لجنة الأسرى والسجناء، لجنة إعادة البناء، ولجنة المتابعة.  وهو عضو اللجنة القطرية لحقوق الإنسان في البلاد. له مقالات عديدة في موضوع المساواة في الحقوق والميزانية ومقالات أخرى.

كان عبد المالك دهامشة في سني شبابه الأولى عضوًا في الحزب الشيوعي في الناصرة، وكان نشيطًا جدًا وفعالا. في ليلة زفافه ألقت الشرطة القبض عليه بتهم أمنية، وحكم عليه بالسجن لمدة سبع سنوات. في السجن انضم دهامشة إلى الحركة الاسلامية، وتدرج فيها منذ ذلك اليوم إلى المواقع القيادية. في الانشقاق الذي حصل في الحركة الاسلامية فضل دهامشة أن يكون في جهة الشيخ عبدالله نمر درويش، ما يسمى بالجناح الجنوبي، وهو الجناح الذي يشارك في الانتخابات البرلمانية في إسرائيل.

* * *

– مساء الخير للنائب عبد المالك دهامشة..

“مساء الخير. دعني في البداية أن أصحح بعض الأخطاء التي وردت في المقدمة. بدايةً أنا لم أكن عضوًا في الحزب الشيوعي الاسرائيلي، لا في الستينات ولا في أية فترة أخرى في حياتي. كنت مبادرًا لإقامة جبهة مع الشيوعيين، كمن جاء من التوجه الوطني، وتحديدًا جماعة “الأرض” في الستينات، وأقمنا جبهة “شباب كفركنا” الأولى في 1968، وإن لم تكن الأولى، فهي من أول جبهات أقيمت في البلاد. وأقيمت على أساس الشراكة بين الوطنيين والشيوعيين من أجل قضايانا وقضايا مجتمعنا. ومن هذا الباب ظنّ من ظنّ أنني كنت عضوًا في الحزب الشيوعي، خاصةً أنني كنت صديقًا حميمًا للمرحوم توفيق زياد. لكنني لم أحمل بطاقة الحزب في يوم من الأيام، ولم أفكر في ذلك، لأنني رأيت أن طريقي يختلف. بالنسبة لانضمامي للحركة الاسلامية، حيث قلتَ إنني انضممتُ للحركة الاسلامية في السجن. في الواقع هذا لم يحدث كذلك. في السجن كنت ما زلت على تفكيري العلماني، في الأشهر الأخيرة في السجن بدأت بعد عدة قراءات بالتفكير بشكل آخر، وأخذت أشكك بأن التوجه العلماني والالحادي هو التوجه الصحيح، وأخذت أفكر بأن الفكرة الاسلامية والدينية قد تكون هي الحق. توصلت إلى هذه الحقيقة بنفسي ولكن لم أكن عضوًا في الحركة الاسلامية لا في داخل السجن، ولا بعد مضي سنة كاملة على خروجي منه. في سنة 1980 بدأت لي أول صلة وعلاقة مع الحركة ومع الشيخ عبدالله نمر درويش تحديدًا. وأقول هذا فقط للحقيقة والانصاف.

“فيما يخص الانشقاق في الحركة الاسلامية وأنني فضلت أن أكون مع الشيخ درويش. لم يكن هناك إنشقاق في هذا المعنى ولم يكن تفضيل. الحركة الاسلامية وبشكل واضح ودستوري وشرعي وقانوني قررت أن تخوض إنتخابات الكنيست. وأجمعت على الالتزام بهذا القرار، بمن فيهم الأخوة الذين انشقوا فيما بعد. بعد أيام من القرار عاد بعض الأخوة وأعلنوا أنهم سينشقون.”

–  من هم الأشخاص الذين تتحدث عنهم؟

“الشيخ رائد صلاح والشيخ كمال خطيب، ثم تبعهم بعض الأخوة الآخرين.”

“الجبهة” احتضنت العملاء!

– مما فهمته، عبد المالك دهامشة لم يكن مؤطرًا حزبيًا حتى سنة 1980؟

“لم أكن أعرف عن الحركة الاسلامية شيئًا قبل سنة 1980. وهذا يذكرني كيف حدث ذلك. في 1980 بدأ خلاف بيني وبين الحزب الشيوعي وجبهة كفركنا التي سبق وأشرت إليها، والتي بقيت قائمة حتى بعد دخولي السجن. وفي سنة 1979 بعد خروجي من السجن، كان هناك ما هو أشبه بجلسة احتفالية واقترح بعض الأخوان أن يكرموا عبد المالك دهامشة كمؤسس لهذه الجبهة ببعض المناصب والمواقع ولكنني رفضتُ هذا الأمر. ولكن في سنة 1980 كانت هناك انتخابات لرئاسة المجلس المحلي في كفركنا واقترح بعض الأخوة أن أكون أنا مرشح الجبهة. أنا رفضت بدايةً وكان هنالك ما أعده الحزب الشيوعي وطبخه من مرشح شيوعي لجبهة كفر كنا..”

– من؟

“المرحوم صالح طه من كفركنا. وبدأت الخلافات مع الحزب الشيوعي حتى قبل هذا الترشيح. أنا خرجت من السجن لأجد الحزب الشيوعي قد قلب ظهر المجن في كل ما أسس واتفق عليه عندما أقمنا “الجبهة”. “الجبهة” أقيمت وكان من شعاراتنا الأساسية أننا نحارب العمالة والعائلية المتزمتة والحكم العسكري وندافع عن حقوق شعبنا. أنا خرجت من السجن لأجد أن “الجبهة” قد احتضنت العملاء في كل بلد وبلد. وأصبحت “الجبهة” بين حزب شيوعي وعملاء وأرباب عائلات وشخصيات تقليدية ومخاتير وما إلى ذلك، ولم تعد صاحبة توجه ثوري ونضالي إسمه الاتجاه الوطني.”

– في أية سنوات تحديدًا احتضنت “الجبهة” العملاء كما تقول؟

“في سنة 76-77. الجبهة بدأت تقول “إننا سنكون مع كل الناس لنصل إلى كل المواقع وإلى رئاسة المجالس المحلية، ولا يهمنا من يحمل فردًا أو جفتًا أو من يكون عميلا”. عندها قلت إن هذا خط أحمر. ضربت على الطاولة في الاجتماع وقلت إنه في اللحظة التي يدخل فيها أي عميل إلى مجلس الجبهة هنا، سأخرج من الباب الآخر. لا يمكن أن أجلس مع عملاء ويُسمى ذلك إطارًا جبهويًا أو وطنيًا وما إلى ذلك.”

– ولكن لماذا تنفي حق التوبة لمن يريد. ربنا قبل التوبة..

“لم يكن التوجه نحو التائبين. لم يأتِ هؤلاء العملاء ليقولوا إننا تبنا وأعدنا الجفت والمسدس إلى أصحابه، نحن نتوب وننضم إلى شعبنا وصفوف إخوتنا. لأ. هم أتوا بمسدساتهم وبعمالتهم. لم يتنكروا لكونهم عملاء، وحضنتهم الجبهة مع ذلك. هذا الأمر كان قطريًا ولم ينحصر في خطأ هنا أو هناك.” (رمزي حكيم عن “الجبهة”: “كلام دون المستوى، لا يستحق الرد عليه. نترك الحكم للجمهور”).

– بما أنك فتحت هذا الباب، وأنا لم أكن أود طرقه، أريد أن أسألك سؤالا تتمة لحديثك. خلال التحضير للقاء أنا أتحدث إلى سياسيين وصحفيين عن الشخصية التي سأقابلها وطُلب مني أن أسألك عن ليلة إعتقالك وأنك بعد ربع ساعة في التحقيق إنهرتَ وسلمت أسماء كل من كانوا معك من الشيوعيين والجبهويين.

“كلام فاضي. فقط ربنا يعرف ما حدث. الأخوة الذين يتكلمون هذا الكلام لم يكونوا معي. هذا موضوع شخصي، ولكن تحديدًا، هذا السؤال ينبع عن خيال واسع وخيال مريض لمن يريد كيل التهم. عبد المالك دهامشة دخل السجن وخرج منه برأس مرفوعة وضمير مرتاح وبقامة أتمنى لكل أخ يقع في هذه المحنة أن يخرج منها كما خرجتُ أنا.”

– سؤال آخر عن رخصة المحاماة. كان هناك من تساءل عن إعادة رخصة المحاماة لك بعد سجن 7 سنوات بتهم أمنية.

“رخصة المحاماة عادت إليّ في محكمة العدل العليا. المسألة بدأت في المحكمة النقابية للمحامين في حيفا، وقررت هذه المحكمة أن تُسحب رخصتي لمدة 5 سنوات فقط. ثم كان استئناف بادر إليه (أهرون) براك، رئيس المحكمة العليا اليوم، وكان آنذاك مستشارًا قانونيًا في تلك الأيام، بتوقيعه الشخصي، وطالب بسحب رخصتي للأبد. وقال حرفيًا: “مثل هذا الشخص، وبعد أن فعل ما فعل، لا يمكن أن يكون محاميًا في دولة إسرائيل. وقبلت المحكمة الاستئنافية النقابية طلب براك ونزعت مني الرخصة إلى الأبد. ثم استأنفت أنا إلى المحمة العليا، وضمن ادعاءات قانونية واضحة. ثم قرر ثلاثة قضاة في العليا الاكتفاء بسحب الرخصة لمدة خمس سنوات من تاريخ اعتقالي وأعيدت الرخصة إليّ بقرار من محكمة العدل العليا. ليس بمساومات أو بمصالح. أتمنى لكل السياسيين والقياديين أن يتمتعوا بكل ما أتمتع به في هذا المجال.”

“هل نتوحد من أجل التقوقع والانعزال؟”

– نحن نسجل هذا الحوار صباح الأحد، وعند بثه ستكون صورة شطب القوائم العربية والنواب العرب أكثر وضوحًا. المستشار القضائي للحكومة أوصى بعدم شطبك أنت وبركة والطيبي، وكلاينر قال إن هذا أمر جيد لأنه سيكون عندها من الأسهل شطب قائمة واحدة وهي “التجمع” ورئيسها عزمي بشارة. فيما لو تم شطب بشارة و”التجمع” بالفعل، هل ستدعون للمقاطعة؟

“أنا سأطرح السؤال بشكل آخر. دعنا نفترض أن لجنة الانتخابات ستشطب عبد المالك دهامشة من الانتخابات. هل يحق لعبد المالك دهامشة أن يقول بعد ذلك: تعالوا نقاطع الانتخابات؟.. أنا ماخذ على خاطري؟.. ليس هذا من العدل والانصاف. الموضوع هو مبدئي: هل نريد المشاركة في الحركة السياسية، هل الانتخابات والتمثيل البرلماني يصبان في مصلحة جماهيرنا وقضايانا، أنهما معاديان لنا؟.. عندما نحسم السؤال يكون الموقف واضحًا. نحن لا نريد أن يُشطب أحد، ونرى في هذه الحملة حملةً عنصريةً ومعاديةً لوسطنا العربي وللقيادة. وأنا أقف مع أخي عزمي بشارة و”التجمع” ضد محاولة شطبهما. ولكن فيما لو حدث ما لا نريد وما نناضل ضده، هل علينا تغيير موقفنا المبدئي؟ من يقول ذلك؟”

– عملية الشطب في النهاية هي عملية تقليص الخيار الديمقراطي عند العرب، وحرمان عشرات الآلاف من المواطنين من التصويت لحزبهم، وبالتالي انعدام الخيار الديمقراطي هو سبب للدعوة للمقاطعة…

“كل عملية شطب وتضييق للديمقراطية في فسحتها الضيقة في الدولة، خاصة عند العرب، وكل الاجراءات القمعية التي يراد بها كم الأفواه هي مرفوضة ومعادية للشرعية وللديمقراطية. مرة أخرى، حتى لو كان هناك منع للخيار الديمقراطي أمام شريحة من شعبنا، هل يكون هذا الرد بتعميم المنع وإخراج أنفسنا خارج اللعبة السياسية؟.. ثم ماذا بعد ذلك؟.. هل نقصر أنفسنا على النضال الشعبي فقط؟.. ما الثمن الذي سندفعه إذا لم نذهب للصناديق؟ ماذا سنجني؟..”

– موقف موحد ونظرة أخرى للأمام..

“موقف موحد نعم. نحن نناضل في موقف موحد ضد شطب أي عضو. والموقف الموحد هو في النضال الشعبي والجماهيري في كل المستويات. ولكن هل يصبح الموقف موحدًا أيضًا عندما يكون خاطئًا ويقلب الأمور رأسًا على عقب؟.. فقط نتوحد من أجل الموقف وننسى الجوهرية من وراء الموقف؟.. هل نتوحد على التقوقع والانعزال السياسي وإتاحة الفرصة لليمين ودعاة الترانسفير بضربنا وعزلنا وبممارسة التضييق علينا أكثر، فقط لكي نتوحد؟”

– ما قلته الآن بشكل غير صريح إن المستشار القضائي للحكومة على حق في شطب “التجمع”…

“قطعًا لا. قطعًا لا! ليس له حق. ولكن ليس هناك حق لعبد المالك دهامشة وغيره أن يقول: إذا شُطبت فلا نريد التصويت.”

– من السهل قول هذا لأنك غير مهدد بالشطب..

“لا أبدًا. أنا أحكيها وعندما أنشطب سأحكيها. أنا شُطبت من الحياة السياسية وكنتُ في السجن أيضًا. هل دعوت الناس إلى عدم التصويت وإلى عدم الانخراط في العمل السياسي؟”

– ماذا تتوقع من عزمي بشارة أن يفعل في حالة شطبه؟

“أن يخرج إلى الجماهير وأن يقول نعم، نريد التصويت.. عزمي بشارة يناضل من خارج البرلمان وعلى المستوى الشعبي وبالقدر الذي يستطيعه، ولكن نبقى نمارس دورنا في الحياة السياسية، وكلنا معًا نبقى معًا ونناضل لنفس الموقف.”

أين الوحدة؟؟

– في الانتخابات للكنيست التي جرت في العام 1999 حصلت القائمة العربية الموحدة على (114810) أصوات، ما يساوي (3.4%) من المصوتين، ما يساوي خمسة مقاعد: عبد المالك دهامشة، طلب الصانع، محمد كنعان، هاشم محاميد وتوفيق الخطيب. هاشم محاميد لوحده الآن. توفيق الخطيب في ميرتس. كنعان أسس حزبًا جديدًا. ما هي هذه الوحدة ولماذا كانت بهذه الهشاشة؟

“الوحدة لم تكن هشة. مع أن هناك بعض الحق فيما وصفت إلا أن الأمور ليست بهذه الصفة. توفيق خطيب ليس في “ميرتس” بل في حزب “الاصلاح”.”

– ولكنه دعا للتصويت لـ “ميرتس”..

“لم يدعُ للتصويت لـ “ميرتس”. الخطيب قال إنه في الانتخابات للكنيست السابعة عشرة، قد يجد إنه هناك مجالاً للتعاون مع “ميرتس” وأحزاب أخرى. وهذا شأنه. بالنسبة للأخ محمد كنعان نعم انفصل عن “الموحدة” على المستوى الرسمي، ولكنه لم يفارق “الموحدة” يومًا ولم يعارض الموقف في الكنيست حتى بعد انفصاله نتيجة خلاف داخلي وذاتي بينه وبين حزبه “الديمقراطي العربي”، ولكنه لم يترك إطار “الموحدة” يومًا. بالنسبة للأخ هاشم محاميد تحديدًا. الذي حدث أن الأخ محاميد وعند إعادة ترتيب أوراقنا للانتخابات الحالية، قيل له يا أخ هاشم، الموجود الآن أن “الموحدة” ستجد لزامًا عليها أن تكون ضمن صفوفها وفي موقع محترم. هاشم رأى أن موقعه هو الثالث وهذا حقه. “الموحدة” رأت أن يكون في المكان الخامس. وكان اختلاف في وجهات النظر. يحدث أن يقيم المرء نفسه بأكثر مما يستحق. هذا مشروع. ولكن عندما نعود إلى الواقع والحقائق، لم يكن هناك مبرر لهاشم أن يترك.”

-هاشم محاميد قال إنه ترك بسبب تسلط الحركة الاسلامية.

“الحركة الاسلامية هي العمود الفقري لـ “الموحدة” ولها الحق أن تكون في رئاسة القائمة، وذات تأثير في اتخاذ القرارات. ولكن لم يكن الأمر تسلطيًا. هاشم محاميد يعرف أن عبد المالك دهامشة والحركة الاسلامية حَمَيا موقعه داخل “الموحدة” وحافظا عليه، وقبلناه في الانتخابات السابقة بدون تمويل وموّلنا له الانتخابات. وأنا من أصرّ على حق هاشم بالانفصال وحقه في حصته من التمويل وأنا من منح هاشم الحبل ليخرج حقه من البئر.”

حركة إسلامية نعم، حركة مسيحية لا!

– ولكن هل الأيمان بوجود الله مشروط بالانتماء لحركة دينية؟.. في “الجبهة” و”التجمع” هناك حجاج وأناس مؤمنون، هل هذه العلاقة بين الدين والسياسة هي حتمية؟

“بعد توصلي لحقيقة وجود الله في الأشهر الأخيرة في السجن، أصبح إنتمائي للاسلام وللحركة الاسلامية أمرًا طبيعيًا. في البداية لم أكن أعرف عن وجود الحركة الاسلامية. طيلة سنتين كنت أقرأ وأتوسع في الاسلام وقضاياه لوحدي. في هذه المدة سمعت عن وجود حركة إسلامية. في 16 تموز سنة 1979 بدأت بالصلاة لوحدي ولأول مرة. عندها بدأ الرفاق في الحزب الشيوعي يكيلون لي التهم بأنني أصلي. يعني شعروا بالاهانة. يعني إذا كنت جالسًا عندي وذهبت للصلاة هل هذه إهانة لك يا رفيقي العزيز الشيوعي المحترم؟.. ثم بدأوا يقولون لي “بكرا بتعمل لنا حركة إسلامية زي كفر قاسم وأم الفحم”.. فسألت: لحظة، لحظة، ما بهما كفرقاسم وأم الفحم؟.. هل هناك حركة إسلامية؟ فذهبتُ وتعرفتُ إلى الشيخ عبدالله نمر درويش وصار ارتباطنا طبيعيًا وعاديًا.

“بالنسبة للذين يصلّون وهم في الحزب الشيوعي الاسرائيلي، أطلب منهم أن يجيبوا على هذا السؤال: الحزب الشيوعي مبني على الفكرة الماركسية والالحاد وعلى أنه لا إله والحياة مادة. الفكرة الالحادية والشيوعية تركها أصحابها في موسكو وجماعتنا هنا متمسكون بها. لا أستطيع أن أضحك على نفسي وأن أوفّق بين الماركسية الالحادية، وبين أن أصلّي لله عزّ وجلّ. مع ذلك أنا أعترف لأخي في الحزب الشيوعي الاسرائيلي أن يكون له موقفه. تعرف، حتى بحقه في الالحاد. ربنا من أعطاه الحق. ربنا قال: لا إكراه في الدين، قد تبين الرشد من الغي، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر. تصور عظمة ربنا بأنه أعطى الحق للناس بأن يكفروا. ولكن تتمة الآية تقول إن كل واحد سيأخذ جزاءه.”

– سؤال ضميري: إذا حكمتْ الحركة الاسلامية حيفا، هل ستسمحون لي بان أشرب البيرة في شارع بن غوريون؟

“يا أخي كنا نحكم حيفا وكان أجدادك يشربون البيرة. الغساسنة أحباؤنا من فجر الاسلام وكانوا يشربون البيرة…”

– يعني أم الفحم لن تنتقل إلى هنا؟

“كلا أبدًا. التاريخ جرّب هذا الأمر. سماحة الاسلام وعطفه ليس أنها تسمح لرعاياها بالحرية، وإنما تحميهم أيضًا. لكن اليوم التهويج والحملات الانتخابية والانحدار والرخص فيها، تجعل الناس يفكرون بأن الحركة الاسلامية ستأكل الناس.”

– أمر آخر: ليست لدي مشكلة مع “الجبهة” و”التجمع” كحركات وطنية شمولية لأن طروحاتهما ليست محصورةً بتعريفات طائفية. ولكن الحركة الاسلامية هي حركة دينية. كيف تطلبون من فلسطيني مسيحي التصويت لكم؟

“أنا أقول لك كيف. لأن الحركة الاسلامية تطرح عليه برنامجًا سياسيًا، أصله في الاسلام. تعالَ نرى ما فعله الاسلام لنا. هل أطلب من المسيحي أن يغير دينه أو أن يصلي ركعتين؟.. لأ يا أخي. أنا أعتز بالاسلام وأنت أيها المسيحي العربي إذا كنتَ فعلا إبنًا بارًا بهذه الحضارة والتاريخ فيجب أن تعتز بهما. ليس كعقيدة طبعًا. صلِّ وتعبد في كنيستك كما تشاء وأنا أحميك وأحمي حقك في أن تتعبد كما تشاء. دع موضوع العبادة جانبًا وتعالَ نعمل سويةً.”

– ولكن الأرضية الأساسية للعمل في الحركة الاسلامية هي الدين..

“الدين الاسلامي يشمل كل نواحي الحياة، ويشمل العبادات، وهي ما تسميه أنت بالدين. أنا كمسلم أصلّي لله كما علمني محمد. وأنت تعبد الله على الطريقة المسيحية واليهودي يعبد الله على الطريقة اليهودية. ما في مانع. ولكن الاسلام بالاضافة إلى ذلك فكرة سياسية وبرنامج حياة ومنهاج وإصلاحات إجتماعية. ماذا كان دورنا قبل الاسلام؟…”

– إمرؤ القيس، حضارة جاهلية ضاربة الجذور..

“جاهلية عمياء وكنا تحت أرجل الفرس والروم وعملاء لهم… بعد الاسلام أصبح العرب قادة البشرية ورواد الكون وليس فقط بنظام سياسي عادل، بل بنظم إجتماعية وحرية. مثل قصة القبطي الذي سبق فرس إبن عمرو بن العاص، والي مصر، فضربه الأخير بالسوط. والقصة معروفة. ليس أن القبطي أخذ حقه فقط، بل وجد الجرأة ليركب ناقته ويذهب إلى المدينة المنورة في سفر لشهر كامل ويطرح مظلمته أمام الخليفة. هل كل الناس الذين يعتدى عليهم في دولة إسرائيل يأخذون حقهم ويتجرأون على الشكوى؟.. القبطي في الدولة الاسلامية تجرأ على ذلك.”

– القبطي اليوم مضطهد ولا يجرؤ على الشكوى في ظل العصبية الاسلامية في مصر. وأكثر من ذلك: المسيحيون في الناصرة وقت أحداث “شهاب الدين”، الذين كانوا يُضربون وتُكسر سياراتهم ويعتدى على نسائهم، لم يجرأوا على الاشتكاء..

“أنا معك. بالضبط. إذن نحن نعيش في هذه الأيام، إن كان في الناصرة أو في مصر، فيما يسمى قمة الديمقراطية والحرية، من دون أن يأخذ الناس حقوقهم وحريتهم كما كان في الحكم الاسلامي. نحن متفقون على ذلك كحقيقة. وأنا لا أحب الدخول إلى موضوع “شهاب الدين” لسبب واحد، لأنه انتهى…

– نأمل ذلك طبعًا..

“أنا رأيي في “شهاب الدين” واضح على فكرة. وأقولها حقيقة: يجب أن يُبنى مسجد شهاب الدين على الأرض، حيث هو موجود. ليس في بناء المسجد ضرر على أحد، لا على كنيسة وعلى افراد. أصلا البلدية عارضت على أساس أن الساحة هناك مخصصة لأمور بلدية. لم يقم هناك إنسان واحد ادعى أن له حقًا في أرض شهاب الدين سوى لجنة الوقف الاسلامي. ثم يكرر ذلك لجنة المتابعة واللجنة السباعية وحكومتان سابقتان قررتا بناء الجامع. ثم أن المسجد تحت كما نعرف ولا يمكن أن يغطي على الكنيسة العالية والحمد لله. على فكرة، من عارض بناء المسجد ليسوا من أهل الناصرة، بل من روما وبوش أيضًا. ما لهم ولشهاب الدين؟”

– قد يكون من سبيل العبث محاولة حل الموضوع الآن. دعني أسألك سؤالا أخيرًا حول توضيح الجدلية بين الحركة الاسلامية وبين الأقلية العربية على إنتماءاتها الطائفية المتعددة. لنفترض جدلاً أنه في الانتخابات القادمة ترشحت حركة “أبناء الكنيسة” للكنيست بطرح حزب مسيحي. ألن نقف عندها ونقول إننا تحولنا إلى مجتمع طائفي، مع العلم أن هناك حركة إسلامية؟

“لن تترشح مثل هذه الحركة وسأقول لك لماذا. لأنه ليس عندنا في الدين المسيحي منهاج حياة. السيد المسيح عليه السلام لم يأتِ ببرنامج إجتماعي وإصلاحات. جاء ليقول: أريد أن أرد خراف بني إسرائيل الضالة. جاء بإصلاحات معينة للدين الموجود ولم يأتِ ببرنامج كامل. الاسلام هو برنامج شامل للحياة كلها. ثم أن البرنامج الاسلامي طُبق في دولة إسلامية من الخلافة إلى الدولة العثمانية…”

– ولكن، “أحبوا بعضكم بعضًا” هو برنامج إجتماعي واسع من الدرجة الأولى..

“طيب وجيد. ولكن هذا لا يعطينا كيف يكون النهج الاجتماعي. من خلال عملي كمحامٍ كنت أحيانًا أمثل مسيحيين في المحاكم الشرعية وأحضر حصر إرث لهم بحسب المنهج الاسلامي. لا يوجد مثلا قوانين زكاة وصلاة. كل الدول المسيحية تتعامل في الدولة مع قوانين علمانية من وضع أياديها. الفرق بين الديانة المسيحية والاسلامية أن الأخيرة تحتوي على أمور أخرى عديدة غير العبادات تتعلق بكل شؤون الحياة.”

– لا أحد يختلف في المبادئ وجودتها. ولكن المشكلة في الممارسة اليوم. أسامة بن لادن هو أحد إفرازات الاسلام وزميلك محمد كنعان أطلق له تحية في مهرجان خطابي في طمرة. أنت مع هذه الإفرازات؟

“للأسف، الاسلام اليوم غير مطبق في أية دولة في العالم كنظام كامل. وهناك أشخاص مثل بن لادن تأخذ جزءًا من الاسلام فقط. السعودية مثلا تأخذ من الاسلام أحكام الحد والعقوبات، ومصر أيضًا لا تطبق النظام الإسلامي. حتى معاهدات جنيف للأسرى وفي الحرب مأخوذة من الاسلام ومبادئ الثورة الفرنسية التي وضعها روسو مأخوذة من الاسلام، ومن عمر بن الخطاب… طيب يا حبيبي يا روسو ما إنتي ماخذها عن عمر بن الخطاب، طيب إعترف للناس بفضلهم.”

“من حقنا التصريح بتصريحات تلائم الواقع”

– في الخامس والعشرين من كانون الأول للعام 2000 أوصت الشرطة بتقديمك للمحاكمة بتهمة التحريض ومضايقة الشرطة في أثناء القيام بعملها. جاء هذا بعد تصريحك بوجوب تكسير أيدي وأرجل من يرغب في هدم بيوت العرب. في الخامس عشر من أيلول صرحت بأن عرب الداخل سينتفضون ضد كل محاولة لسلب حقوقهم. في الثامن من شهر آب لهذا العام أدليت بشهادتك أمام لجنة أور، تحت الانذار، أنت والشيخ رائد صلاح والنائب عزمي بشارة. في ضوء هذه المعطيات، وهي عينة ممثلة بالمناسبة، كيف ترى الحدود الشرعية لعمل نائب عربي وتصريحاته في ظل الأوضاع الراهنة في الدولة عمومًا، وضد المواطنين العرب بشكل خاص؟

“الذي أشرتَ إليه هو حقائق. وأنا أريد أن أوضح حيثيات تصريح تكسير الأيدي وتشويه الأمور حول ذلك. في ذلك اليوم كنا في بيت عائلة القبسي بالقرب من نحف. وكانت الشرطة هدمت بيتين في هذه القرية غير المعترف بها. وانتظرت هناك، وإبان وجودي في المكان أتت صاحبة البيت مع إبنها، وهو غلام في الحادية عشرة أو الثانية عشرة من عمره، ويده ملفوفة بعد عودته من المستشفى. مساءً، بعد ساعتين أو ثلاث في كفرمندا، قلت وما زلت مصرًا: الذي يأتي ليكسر أيدينا وأرجلنا ويمنع حقنا في المأوى وفي سلامة أعضائنا، نعم، لدينا حق في الدفاع عن أنفسنا وكسر أيديه وأرجله ولو كان شرطيًا. على فكرة، كل العدالة والشرعية الدوليتين تعترف بأن لكل إنسان حقه في أن يعيش سليم الأعضاء وألا يعتدى عليه وأن يكون له بيت.”

– تتمة لفكرتك، أنت تقول إننا نحن النواب العرب، وبسبب الظروف السياسية والحزبية، عاجزون بعض الشيء عن حل مشكلة البناء غير المرخص وإجبار الدولة على الاعتراف بالقرى غير المعترف بها وبالتالي تقول إنه في اللحظة التي نعجز فيها فإن الحل هو العنف..

“ليس العنف تحديدًا. ولكن نحن نقول إنه لنا الحق بالفعل في أن تُرفع عنّا سياسة التمييز العنصري وسياسة هدم البيوت وغيرها، من أجل ذلك نحن نأخذ بكل وسائل النضال. بدايةً، نعم، على منصة الكنيست. نحرج الحكومة ورئيسها والوزراء المختصين. وعلى فكرة نحن وصلنا في السنوات الأخيرة إلى شبه إجماع بأن العرب مظلومون ومميز ضدهم ويجب أن يُعطوْا الفرصة لبناء البيوت ووضع حد للتمييز. ترجمة هذه الحقيقة لم يتم عمليًا بعد. ولكن باستطاعتنا إحراج أصحاب القرار. مقابل هذا النضال العادل، يواجهنا اليمين الاسرائيلي، وتحديدًا في السنتين الأخيرتين، بطرح مناوئ وعدواني ضد الأقلية العربية في البلاد، خصوصًا بعد إنتفاضة الأقصى، وخلط الأوراق ومقولة إننا يجب أن نعامل العرب داخل إسرائيل كما نعامل الفلسطينيين في الأراضي المحتلة. الأمر وصل الى درجة المناداة بالترانسفير المناقض لماهية الديمقراطية وحقوق الانسان.”

– من ناحية التصريحات المذكورة، وعلامات الاستفهام المطروحة حول قانونيتها وشرعيتها، المواطن العربي يسمع ويقول إن النواب العرب يساعدون في “تأزيم الوضع”، وبالتالي ينشأ نفور من الانتخابات: إما المقاطعة وعدم الاكتراث وإما التصويت للأحزاب الصهيونية.

“هذا ما يعممه اليمين. ولكننا إذا نظرنا إلى الحقائق فيجب ألا ننجر وراء هذه الموجة. تعالَ نأخذ تصريح تكسير أيدي الشرطة. أين التطرف؟ أيهما أقسى، هدم البيت وكسر يد الطفل، أم ما يقوله دهامشة؟.. كيف لا نصف هذا الوضع القاسي بكلمات تناسبه؟ نحن لا نبادر للتطرف ولا نزاود بالتصريحات ولا نريد أن نقطع العلاقة مع الدولة، ولكننا لا نريد أن تبقى هذه العلاقة علاقة رئيس مع مواطنين من الدرجة الثانية والثالثة. السّيد والمَسُود. نحن أصحاب حقوق ونريد أن نحصل على حقنا بالكامل ومن يحرمنا هذا الحق نناضل ضده ونجابهه ونُصرّح بكلمات صعبة أحيانًا.”

– ولكن أنت بذلك، كممثل جمهور، يمكن أن تمس بمن تمثلهم. ذلك ينعكس على العامل العربي الذي يذهب إلى المصنع في الصباح ومدير العمل يفصله أو يشتمه لأن دهامشة صرح بكذا وكذا..

“الوضع صار سيئًا وأنا أعرف ذلك، وتحديدًا بعد الانتفاضة، وليس بعد تصريحاتنا. نحن نعيش اليوم واقعًا مختلفًا. هناك فرز واضح بين عرب ويهود، حتى في الكنيست ونشاطها. نحن لسنا مسؤولين عن هذا الفرز العنصري وهو ليس ذنبنا. ليس ذنبنا أننا نعيش في دولة ترى فينا أعداءً وترى في أي تحرك شعبي وبشكل مسبق جديرًا بالقمع وتلقين العرب درسًا ليعودوا كما كانوا اذلاء وساكتين. قبل أكتوبر 2000 بأسبوعين كان هناك تدريب للشرطة وقيل لأفرادها هناك: نحن نريد أن نعلم العرب درسًا كيف يجب أن يطيعوا وألا يرفعوا رؤوسهم. الشهداء الذين سقطوا لم يسقطوا لأننا اعتدينا على أحد. من حقنا أن نضرب ونتظاهر. لماذا حصل ما حصل في أكتوبر؟.. لأن الشرطة جاءت مع القناصة ومع سابق إصرار. وبراك قالها صراحةً في تلك الأيام في اجتماعات خُبّأت ولم تُعرض بروتوكولاتها على لجنة أور.

“بعد كل ذلك، وبعد الوقوف للدفاع عن شعبنا ومواقفه، ونتخذ قرارًا عقلانيًا في لجنة المتابعة، يوم الاثنين عندها، وبعد سقوط الشهداء. قلنا إننا أردنا تبليغ رسالة لحكومة براك. هذه الرسالة وصلت. تظاهرنا ودفعنا الثمن. نحن لم نعلن الثورة ولا الانتفاضة المستمرة، ولا نريد الانشقاق عن الدولة. نحن نعيش هنا ونود أن نستمر في العيش هنا.”

– الكثيرون رأوا في ذلك تراجعًا بعد سقوط 13 قتيلا…

“مضبوط. نعم، لأن القتلى سقطوا ببنادق الشرطة بمؤامرة مُدبّرة سلفًا…”

– ما أردتَ قوله إن الجماهير العربية لم تكن جاهزةً لأحداث أكتوبر وهي خطأ في النهاية…

“لا. ما أردتُ قوله إن الجماهير العربية لم تُرِد التصعيد ولا مواجهة الدولة ولا مقتل عربي واحد. ولكن نحن وقفنا أمام هجمة ظالمة دبرت لنا قتل الأبرياء. ومع ذلك لم نفقد أعصابنا ولن نطالب بمواصلة الاضرابات والمظاهرات وسقوط المزيد من الشهداء.”

(نُشرت هذه المقابلة في مجلة “الناس” في كانون الثاني 2003)

تعليقات (0)
اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *