إيشك موسى؟
نحن متخبّطون وجدانيًا (ambivalent) في كل ما يتعلق بانعقاد القمم العربية. فشعورنا الغالب، الناتج عن تراكمات قمم العجز بعد نكسة 67 بالأخص، ينزع لاستسخاف انعقاد قمم الزعماء العرب، وحتى أنّ هذا الاستسخاف تحوّل منذ حصار 2002 وحرب 2006 إلى كراهية عارمة، أكاد أقول استحقارًا ماحقًا، لثلة الملوك والسلاطين والرؤساء المجتمعين حول طاولة مدورة، والشيء الوحيد الذي يستطيعون تدويره هو زوايا المثلث العربي المعروف: الجهل، العجز، التواطؤ.
ولكنني شخصيًا لا أعارض ولا أُستفزّ (سلبًا) ضد مثل هذه القمم، بل أجدها مُسلية في بعض جوانبها، وقد تجاوزتُ التسلية في قمة دمشق الأخيرة نحو الاستحسان، بل والرضا، لسبب واحد أساسي هو انعقادها في دمشق، رغم أنف أمْرَكة الشرق الأوسط. وقد تأكدت مشاعري الغريزية هذه المرة بعد أن قرأتُ عن مَقدم مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأوسط، ديفيد وُولش، إلى منطقتنا، على جناح السّرعة، بعد نهاية القمة العربية في دمشق، “كي يتبيّن الأسباب من وراء نجاح قمة دمشق”، كما أفادت مصادر صحافية. مش عاجبو!
ورغم مقاطعة زعيمي مصر والسعودية للقمة (وغيرهما، كرد فعل) إلا أنّ احتضان دمشق للقمة، في قمة الهجمة التي تتعرض لها، هو ضربة للمشروع الأمريكي في المنطقة، لن ندّعي أنها قضت عليه، ولكنها بالتأكيد أربكته، إلى درجة أن يهرع وولش إلى المنطقة في جولة خليجية وعربية، يأمل في نهايتها أن يصدر بيانًا أمريكيًا نموذجيًا نقرأ فيه أنّ القمة العربية الأخيرة انعقدت في نتانيا أصلا!
وعودة إلى بعض التسلية المرافقة لما يسميه اليوم عمرو موسى، الأمين العام للجامعة العربية، “العمل العربي”، ربما في سخرية كَلَبية خبيئة، أو ربما من منطلق التمسّك بتلابيب ما يمكن أن يكون بقايا لماء الوجه العربي. والزائر لموقع جامعة الدول العربية والباحث عن تاريخ القمم العربية يستطيع أن يتبيّن بعض الأمور ذات البعد التاريخي، هنا أهمها:
1. أنشاص هي مدينة عربية، في مكان ما في الكون، انعقدت فيها القمة العربية الأولى بتاريخ 28/5/1946. أي أنّ أول قمة عربية انعقدت قبل النكبة، ومن المثير مراجعة بروتوكولاتها وتبيان أية أمور طرحت وعولجت في القمة، بما أنّ “القضية الفلسطينية” لم تكن قد بدأت “رسميًا” بعد. الرجوع إلى الأراشيف يثير خيبة الأمل، حيث أنّ قمة أنشاص “ركّزت على قضية فلسطين وعروبتها، واعتبرتها في قلب القضايا العربية القومية، إلى جانب مساعدة الشعوب العربية على نيل استقلالها من المستعمر، كما تقرر فيها الدفاع عن فلسطين في حال الاعتداء عليها” (شكرًا، غلبتو حالكو). على الأقل نجحت القمم العربية في التخلص من قضية “نيل الاستقلال من المستعمر”. واحد صفر للعرب؛
2. عدد القمم العربية منذ أنشاص وحتى قمة دمشق الأخيرة هو 31 قمة، منها 20 قمة عادية، و11 قمة غير عادية. القمة الأخيرة في دمشق كانت عادية، والقمم العادية تُعقد وفق الدور ووفق الترتيب الأبجدي، ومن هنا سرّ انعقادها وصعوبة تغيير المكان لأنّ البروتوكول عند العرب أقوى من الضغوطات الأمريكية. واحد صفر للبروتوكول؛
3. القضايا العربية الحارقة التي تعالجها جامعة الدول العربية هي: الصراع العربي-الإسرائيلي، أسلحة الدمار الشامل (التي لا تملكها أية دولة عضوة في الجامعة العربية!)، التضامن العربي (عفوًا، هل هذه قضية مطروحة للنقاش) وقضايا أخرى (احتلال إيران للجزر الإماراتية، المياه، العلاقات العربية الصينية والتعاون العربي الإفريقي)؛
4. موقع الجامعة العربية على الإنترنت أكثر بطئًا من وتيرة حديث العاهل السعودي؛
5. لماذا نجلد أنفسنا دائمًا ونقول إنّ العرب لا يتّحدون على شيء؟ هاكم الاتحادات القائمة في الوطن العربي: الاتحاد العربي للنقل البرّي؛ اتحاد الموانئ البحرية العربية؛ الاتحاد العربي لغرف الملاحة البحرية؛ الإتحاد العربي للصناعات الهندسية؛ الاتحاد لغرف التجارة والصناعة والزراعة؛ الاتحاد العام العربي للتأمين؛ والاتحاد العربي لمُنتجي الأسماك (أرجو ألا تخبروا عضو الكنيست عباس زكور عن الاتحاد الأخير، فإنه سيطالب عمرو موسى بإدخال عكا إليه فورًا!)؛
6. وهناك بعثات من جامعة الدول العربية إلى أفريقيا، آسيا، أمريكا وأوروبا. وما عدا عناوين البعثات في كل قارة من القارات لا ترد أية معلومات عن عمل هذه البعثات ودورها. ونحن نأمل أنها لا تقوم بنفس أعمال القمم العربية وقمم وزراء الخارجية العرب، منعًا لتصدير وباء الجامعة العربية إلى قارات أخرى، فإذا ضرب هذا الوباء سائر الأمم فلن نجد بعد حين من يصنع لنا هواتفنا النقالة وسياراتنا وملابسنا ومن يكرر بترولنا وينهب خيراتنا، وعندها سيضطر العرب إلى الاعتماد على أنفسهم والعياذ بالله!
7. أعتقد أنّ مخابرات دولة عربية ما حجبت الموقع عن حاسوبي بعد دخلتين متواصلتين للموقع في أقل من عشر دقائق. فمعدل الدخول إلى الموقع (من طرف المتصفحين ومن طرف القائمين عليه ووفق وتيرة تعديله) يشير إلى مرة في السنة كأكثر سيناريو تفاؤلي، وبالتالي فإنّ أيّ شخص في العالم يبدي اهتمامًا كهذا في الموقع هو لا شك خرّيج الكي غي بي أو جهاز الأمن العام في نواكشوط (عاصمة موريتانيا، وهي عربية أيضًا لمن لم يعرف)- كأقل تقدير.
صدقوني أنني رغبت بكتابة مداخلة جدية عن أهمية انعقاد القمة العربية الأخيرة في المكان والزمان والسياقات، إلا أنّني لم أستطع مقاومة ما جاء في البيان الختامي للأمين العام للجامعة (هل تذكرون فترته الأسَدية كوزير لخارجية مصر وقصة نفيه إلى سيبيريا العمل السياسي العربي في مقر الجامعة؟): “يجب أن نتسامح أو ندير ظهورنا لمشاكل كبرى تمس الكيان العربي ذاته دون وقفة بل وقفات حاسمة، يجب تفعيل وتنشيط عمل مجلس الأمن والسلم العربي”.
والله أنني لا زلت أذكر هذه الوقفات الحاسمة في حصار بيروت وفي الانتفاضة الثانية وفي حرب تموز. وبالعكاوي: إيشك موسى، مجلس مين خيّا؟!
(نشرت هذه المادة في مدونة علاء حليحل في تاريخ 4 نيسان 2008)