نحو استرجاع كلماتنا المُعَبْرَنة: أحْلى صبابةٌ برَبّكَ

ثم تأتي الطعنة الأكبر: “سباباااا”… هكذا يقولون كلمة “صبابة” الرائعة، الجميلة، المخملية بجدارة. تصير: “سبابا”، وكأنها كلمة تافهة تُقال عبثًا، تُراق سُدًى. من يشرح لأبناء وبنات عمنا ما تعنيه الصبابة

نحو استرجاع كلماتنا المُعَبْرَنة: أحْلى صبابةٌ برَبّكَ

علاء حليحل

هل صارت أبدانكم تقشعرّ –مثل بدني- في كلّ مرة تسمعون فيها كلمة عربية عُبْرنت، وصارت دارجة على ألسن أبناء عمنا؟.. لستُ حساسًا لتناقل الكلام بين الشعوب، بل أحبّه في الغالب، خصوصًا جملا مبتكرة مثل: “سي يو بعدين”، أو “فاكِن أحلى”، أو “شيّكلي إيميل”. ليس التعصب على أحرف لغة الضاد هو ما يثير الاشمئزاز أحيانًا، بل ارتباط كلماتنا اليعربية بمواقف وحالات تبعث على ضيق النفس واحمرار البنكرياس والحاجة للصراخ بأعلى صوت: “هل مَن يخلعني شبرية؟”

إنها برامج “الرّياليتي” الإسرائيلية اللعينة. أشاهدها مرات من أجل الفضول وأستسلم لها أحيانًا لربع ساعة كاملة، أتلقف منها فحيح المشاركين وغُنجهم المفتعل ولغتهم السّطحية العقيمة، وهنا، في هذه المواقف، يتجلى لي الخليل بن أحمد الفراهيدي، واضع بحور الشعر العربية، ويصرخ بي في البحر الطويل: “فعولن مفاعيلن! فعولن مفاعيلن! سأفعل وأترك! فعولن مفاعيلن!”

والحقيقة أنني لا ألوم الفراهيدي على غضبته وفجاجة كلماته؛ فكم من الأعصاب يحتاج العربي كي يستمع إلى كلمة “أخلى” تُقال على الطالعة والنازلة، تقولها نساء لا يملكنَ من الحقيقيّ إلا غبائهنّ وينطقها رجال لا يتحلون بمحاسن تُذكر سوى خلوّ ظهورهم من الشعر الشرقي العنيد؟ ثم تأتي الطعنة الأكبر: “سباباااا”… هكذا يقولون كلمة “صبابة” الرائعة، الجميلة، المخملية بجدارة. تصير: “سبابا”، وكأنها كلمة تافهة تُقال عبثًا، تُراق سُدًى. من يشرح لأبناء وبنات عمنا ما تعنيه الصبابة: “والصَّبابة: الشَّوْقُ؛ وقيل: رقته وحرارته. وقيل: رقة الهوى. صَبِبْتُ إِليه صَبَابة، فأَنا صَبٌّ أَي: عاشق مشتاق، والأُنثى صَبَّة… صَبَّ الرجل إِذا عَشِقَ يَصَبُّ صَبابة، ورجل صَبٌّ، ورجلان صَبَّان، ورجال صَبُّون، وامرأَتان صَبَّتان، ونساء صَبَّات” (لسان العرب).

كيف تتحوّل رقة الحبّ والشوق إلى سوقية إسرائيلية شعبوية يُراق حلو الكلام على مذبحها التجاريّ اللعين. ولكنّ الأهم يظلّ: من هو العربيّ الخائن الذي قال هذه الكلمة أول مرة أمام واحد(ة) من أبناء عمومتنا؟ من بدأ هذا الوباء؟.. أيّ عربيّ يقول “أحلى” إذا سأله أحدهم: “كيف حالك”؟ من هو العميل-الداسوس-المأجور الذي قال لصديقه اليهودي في تل أبيب أو طبرية: “على كيفك؟” كيف اخترقَنا عسسُ الدولة اليهودية في غفلة منا، وكيف يمكنني أن أقول لخليلتي “هاتي بوسه” وأنا أعلم أنّ تل أبيبيي الوطن يلقون بكلمة “بُوسَه” على اليمين والشمال، وكأنها مجرد كلمة ذبيحة مثل “أخلى باخلا”؟؟

وعليه، وبعد اجتماع سريع لمركز قيادة الثورة في مكتبي الصغير، قررتُ أنا ونفسي أن نعلن حملة شعبية أوثنتيكية من أجل استرجاع كلماتنا الغرّاء من براثن الشعبوية الإسرائيلية.

فيما يلي بنود الخطة:

1. وضع إحصاء شامل وكبير لجميع الكلمات السليبة وإحصاء التغييرات والتشويهات التي دخلت عليها بفعل ألسن أبناء وبنات عمومتنا المستغربة (من غرب). المخزون الأولي: أخلى، سبابا، على كيفك، بوسَه، جيب الهوية، أهلااان، إينشاللاه، الخامدوليللاه، كول كالب بيجي يومو، فـُوتـْناه، ساباخ الخيغ، يا ساخبي…

2. نطلب من كل فلسطيني(ة) صامد(ة) في هذه الديار أن يتحول إلى مناضل ثوري في هذه الخطة، وأن يردد على الفور الكلمة العربية الصحيحة (والجامدة) إذا سمع وريثتها غير الشرعية تُراق في أروقة المكاتب أو معابر القطار أو على الهاتف. كونوا أشدّاء وشديدات؛ فإذا قال أحدهم “سبابا”، قولوا له على الفور بنبرة جدية وعابسة” صَبابَةٌ”. شدّدوا على الصّاد كثيرًا، وفخّموا الباء ثم اطربوا لتنوين الضمّ على التاء المربوطة. قولوها بعنف (مُسالم)، بحيث تبدأ كلمة “سَبابا” الدخيلة بالارتجاف خوفًا، فتنغلق على ذاتها، ثم تركض إلى مستنقع اليركون وتلقي بنفسها فيه بلا رجعة.

لا تتردّدوا للحظة في العبوس إذا قال أحدهم “أخلى باخلا”.. عليكم أن تنصِبوا هاماتكم، وأن تجمعوا بأسكم كآساد الشّرى، وأن تقولوا بلا وجل: “ما أحلاهُ”! شدّدوا على الحاء العربية غير الذليلة بتحوّلها إلى خاء شرق-مركز أوروبية. خلوا الهاء في نهاية الكلمة مِطواعة، مديدة، عميقة، جَذلة بنفسها، دعوها تخرج من قراحيف الخصيتين (أو المبيضين). زيّنوها بقناعة قومية-وطنية مناضلة. قولوا له(ها): ما أحلاهُُُ. سيصفن، ستعيدون قولها، سيخجل. ستعيدونها للمرة الثالثة. سيقوم على الفور بإخراج جواز سفره البولندي والركض باتجاه مطار “ابن المراغة غير المأسوف على شعره المُضحك”.

3. علينا أن نعيد الكرامة إلى لغتنا السليبة فورًا. يجب تجنيد أكبر من قدر من الشبيبة والشباب لهذه المهمة. انتشروا في أصقاع الوطن السّليب وتسلّحوا بالضّاد والحاء والهاء. قولوا راءً مُجلجِلة حين تسمعونهم يقولون “غابّاك” (ربك بالعربي- شتيمة مستوردة من شعبنا الصامد، فنان الشتائم الأول في العالم). لا تجعلوهم يتحايلون على الرّاء الضخمة، الرّنانة، القحطانية.

4. الخطوة الرابعة والأخيرة في هذه الخطة أن نبدأ بالبحث عن عرب لا يلدغون ويرطنون بكلّ هذه الكلمات مثل اليهود وأكثر. بالنجاح.

(نشرت هذه المادة في موقع قديتا بتاريخ 4 حزيران 2011)

تعليقات (0)
اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *