عباءة القذافي ورداءة قيادتنا

لم أسمع قائدًا واحدًا من قياداتنا خرج على الملأ وقال: أخطأنا. أين حساب النفس، أين التقييم ورد الفعل والسجال والمساءلة؟ كيف تذهبون إلى مجرم بهذه السهولة؟ هل هي تفاهة ثقافتنا السياسية المهيمنة اليوم من منطلق “وأنا بدي!”

علاء حليحل

هكذا إذًا هو لون الإحراج وصوت “يا أرض انشقي وابلعيني”؛ رأيناه وسمعناه في تصريحات قيادات عرب الداخل وهم يتأتئون ويتشردقون بلعاب حناجرهم عند الحديث عن ثورة ليبيا والعقيد المختل معمر القذافي. هل يمكن للجنة المتابعة العليا لقضايا الجماهير العربية أن تبرر اليوم بياناتها أو مواقفها من ثورة الشعب الليبي، وهي لم تستطع أن تبرر تلك الزيارة الحقيرة الغريبة العجيبة التي خرج إليها قطيع قادتنا من الجليل إلى النقب كي يلعقوا ثوب المُعمّر الملطخ بدماء شعبه؟

أية مهانة يمكن أن تلحق بنا أكبر من تلك التي ألحقتنا بها لجنة المتابعة وقتها، وتلك التي ألحقتنا بها اليوم في ترددها وتلعثمها وبطء رد فعلها على ثورة ليبيا العملاقة؟

والحقيقة أنّ التأريخ لتلك الزيارة والكتابة عنها وتحليلها يجب أن يثير بعض طلاب الدكتوراة في علم النفس الجماهيري، ولا بد أن يُوجد هذا الفلسطيني الشجاع الذي سيكتب رسالة الدكتوراة خاصته تحت عنوان: “العار الحافي في ضيافة القذافي”. وأصدقكم الآن وهنا أنني قصّرت وقتها في النقد وإكالته على رؤوس من ذهبوا إلى القذافي وقتها، وقد تكون المفاجأة عقدت لساني، إلا أنني أعتقد أنّ يأسي من غباء لجنة المتابعة ومن مستوى ذكاء من يُسمّون أنفسهم قادتنا، هو الذي جعلني أعتصم عن الكتابة عن تلك الزيارة الفاحشة.

لم يجد محمد زيدان، رئيس لجنة المتابعة، الشجاعة للتضامن مع الشعب الليبي إلا بعد أن تأكد أنّ الملايين الستة من اليوروهات التي وعد بها القذافي عباده الطيبين في أرض فلسطين، قد ذهبت أدراج الرصاص والقتل، حين صرفها على مرتزقته الإفريقيين. لم أسمع قائدًا واحدًا من قياداتنا خرج على الملأ وقال: أخطأنا. أين حساب النفس، أين التقييم ورد الفعل والسجال والمساءلة؟ كيف تذهبون إلى مجرم (كان مجرما في 2010، من دون حاجة إلى هذه الثورة) بهذه السهولة؟ هل هي تفاهة ثقافتنا السياسية المهيمنة اليوم من منطلق “وأنا بدي! وأنا بدي!”؟

وعلى سبيل المداعبة سنتساءل: إذا كان أعضاء التجمع في الوفد يبررون امتطاءهم لركب القافلة باسم القومية و”التواصل مع العالم العربي” (مع أنهم تواصلوا مع دكتاتور متعفن)، فبأيّ مبدأ قفزت قيادة الجبهة على الرحال؟ باسم الأممية التروستوكية في الجماهيرية الليبية الاشتراكية؟ وقيادات الحركة الإسلامية، هل ذهبوا لزيارة أضرحة بعض الأولياء الصالحين؟ والطيبي وغيره من “الصاعدين”، هل ذهبوا للبحث عن شركات مع أسهم سمينة للاستثمار بها؟ ما هذه الدونية السياسية وقبح المسلك والريادة؟ ما فعلتموه وقتها ليس إلا لعقًا للمؤخرات وفقدانًا للبوصلة.

نستخف بكم اليوم في أسوأ لحظاتكم وفي أبهى لحظات الشعب الليبي. خُرّوا على ركبكم واطلبوا المعذرة من شعب ليبيا الذين لا يرسلون الصور والإس إم إسات على “هآرتس” و”واي نت” و”معريف” بالبلاكبيري والآيفون، قبل مغادرة مطار ليبيا إلى أرض فلسطين التاريخية!

(نشرت هذه المادة في موقع قديتا بتاريخ 24 شباط 2011)

تعليقات (0)
اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *