رامون لم يعُدْ إلى قواعدِه سالمًا!!

 كانت زوجة إيلان رامون وأولاده الأربعة، أمس السبت، ينتظرون هبوط مكوك الفضاء “كولومبيا” في قاعدة وكالة الفضاء الأمريكية “ناسا” في فلوريدا، إلا أنهم اقتيدوا الى غرفة جانبية مع بقية عائلات رواد الفضاء السبعة وتم إبلاغهم بالكارثة الكبرى: إنفجار “كولومبيا”. هذا ما حدث هنا في إسرائيل: كل الاسرائيليين الذي عزّوا أنفسهم بغزو الفضاء، بدلا من غزو السلام والأمن والاقتصاد، وجدوا أنفسهم عصر أمس في غرفة جانبية مظلمة، تضيئها فقط الشعلة الطويلة البيضاء التي كانت الشاهد الأخير على أول رحلة فضاء يشارك فيها رائد إسرائيلي، أيلان رامون.

في الساعة 15:08 من بعد ظهر يوم أمس (السبت)، صدر البلاغ الرسمي الأول عن أن مكوك الفضاء “كولومبيا” خرج عن مساره، بينما كان يفترض به أن يهبط في الساعة 16:16، إلا أن الاتصال معه انقطع في الساعة 16:00.  وشوهد المكوك لآخر مرة في سماء تكساس في الساعة 16:08 وذيول دخان تتصاعد منه، بعد انفجاره. وأفاد شهود عيان في تكساس أنهم سمعوا دوي انفجار شديد. وقد حلق المكوك بسرعة 12,500 ميل في الساعة على ارتفاع 70 كيلومتراً من تكساس، وتشير التقديرات إلى أن المكوك وصل الغلاف الأرضي بسرعة تتجاوز السرعة المطلولة بست مرات. وكان “كولومبيا” غادر الكرة الأرضية قبل (16) يومًا وعلى متنه رائد الفضاء الاسرائيلي أيلان رامون.

وتلقت الجهات الأمنية في تكساس قبل قليل إفادات من مواطنين أمريكيين بالعثور على أشلاء جثث في احدى المزارع في بلدة هامفيل في تكساس، لكن مصادر رسمية لم تؤكد بعد هذه الأنباء.

وكان رامون أمضى حياته المهنية في سلاح الجو الإسرائيلي، حيث وصل إلى رتبة كولونيل. وقد اختارته وكالة الفضاء الأمريكية عام 1997 للانضمام إلى رواد الفضاء، وهو يتدرب منذ عام 1998 في مركز جونسون الفضائي بهيوستن حيث يقيم مع زوجته وأولاده الأربعة.

ولد رامون في تل أبيب عام 1954، ونفذ أكثر من أربعة آلاف ساعة من التحليق أثناء عمله طيارا حربيا، وشارك في حرب أكتوبر 1973 وقصف مفاعل “تموز” النووي العراقي عام 1981 والاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982. وكان مسؤولو وكالة “ناسا” أشادوا قبل الرحلة برامون والدور المهم الذي سيقوم به أثناء المهمة. وإلى جانب مشاركة رامون في تجارب المكوك العلمية في إطار التعاون العلمي بين إسرائيل والولايات المتحدة كان قد تدرب على عمليات إنقاذ زملائه إذا وقع حادث أو فقد الاتصال بالمكوك. ولأن رامون كان أول رائد فضاء إسرائيلي، فإن وجوده أدى لتشديد الإجراءات الأمنية المفروضة على الطاقم قبيل بدء المهمة، وأعدت وكالة “ناسا” إجراءات مماثلة للرواد انتظارا لهبوطهم الذي لم يتم.

وقال رامون في إتصال من المكوك: “لقد شعرت بالتأثر مرتين، الأولى عندما حلقنا فوق القدس. لقد كانت لحظة رائعة، شاهدت خلالها إسرائيل من الفضاء، صغيرة وجميلة جداً. الهدوء الذي يسود هنا في الجو زاد من قوة التأثر، وآمل أن ينتقل الهدوء الذي يسود هنا إلى دولتي. أما اللحظة الثانية المؤثرة، فهي هذه اللحظة التي تجري خلالها هذا اللقاء معي، أنا أول رائد فضاء إسرائيلي أحلق في الفضاء، ومن ورائي علم دولتي”.

قائد سلاح الجو: مستمرون في برنامج الفضاء…

وكان قائد سلاح الجو الإسرائيلي، العميد دان حلوتس، عقد أمس السبت، مؤتمرًا صحفيًا، في أعقاب كارثة انفجار مكوك الفضاء “كولومبيا”، ودعا إلى الاستمرار في برنامج الفضاء الإسرائيلي، الذي انطلق أول رائد فضاء إسرائيلي، إيلان رامون، إلى الفضاء في إطاره. وقال حلوتس: “أنا شخصيًا لا أستبعد على الإطلاق انطلاق رائد فضاء إسرائيلي آخر إلى الفضاء، وعلى خلفية الظرف الراهن، أنظر إلى الأمر بجدية أكثر”. ذلك على الرغم من أن “هآرتس” نشرت هذا الصباح أنه ليست هناك أية خطة إسرائيلية مستقبلية لارسال رواد فضاء إسرائيليين آخرين.

وأضاف قائد سلاح الجو الإسرائيلي: “أصدقاؤنا الأمريكيون سيستمرون في التحقيق في ملابسات الحادث وبموازاة ذلك، سيواصلون التقدم في برنامجهم الفضائي الناجح جداً. لقد حملت الرحلة “TST-107″ الرقم 107 كعدد الرحلات الفضائية التي أطلقتها الولايات المتحدة إلى الفضاء. تحدثنا مع قائد سلاح الجو الأمريكي عن الكارثة، وكان يؤازر أحدنا الآخر، ولم نتطرق حتى الآن إلى ملابسات الحادث التي سيتم فحصها… وأنا أرى من الواجب أن نستمر ونندمج في برنامج الفضاء”.

وتحدثت زوجة رائد الفضاء الإسرائيلي، رونا رامون، مع رئيس الحكومة، أريئيل شارون، الذي حاول مؤازرتها في مصابها الأليم. وقالت رامون لرئيس الحكومة الإسرائيلي إن “إيلان حظي بتحقيق حلمه عبر بحثه وتقدمه نحو عالم أفضل”. أما والد إيلان رامون، فقد تلقى الخبر في أثناء تواجده في أستوديوهات القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي ثم عاد الى بيته بالقرب من مدينة بئر السبع.

التعقيبات الاسرائيلية

واتصل كل من رئيس الدولة، موشيه كاتساف، ورئيس الحكومة، أريئيل شارون، بوالد إيلان لتقديم التعازي، وتحدث رئيس الدولة أيضاً مع زوجة إيلان، رونا، وأبلغها أنه قادم الى الولايات المتحدة. وأجرى وزير الخارجية، بنيامين نتاناهو، اتصالاً مع نظيره الأمريكي، كولين باول الذي قال له: “إننا نتصل أحدنا بالآخر لتقديم التعازي في يوم حزين للأمتين الإسرائيلية والأمريكية”.

وأجرى رئيس الولايات المتحدة، جورج بوش، مكالمة هاتفية مع رئيس الحكومة الإسرائيلية، أريئيل شارون، في أعقاب تحطم المكوك الفضائي “كولومبيا”. وقال الرئيس بوش لشارون: “إنه يوم تراجيدي لعائلات رواد الفضاء ويوم تراجيدي أيضًا للعلم”. وطلب الرئيس بوش من رئيس الحكومة أن ينقل تعازيه الى عائلة رائد الفضاء الإسرائيلي الأول، إيلان رامون. وبدوره، أعرب شارون عن تعازيه للشعب الأمريكي ولعائلات رواد الفضاء الذين لقوا حتفهم مشيرًا: “في لحظات كهذه تنبض قلوب الشعبين الإسرائيلي والأمريكي بوتيرة واحدة”.

وأعرب رئيس حزب العمل، عمرام متسناع، عن حزنه الشديد على موت أفراد طاقم المكوك الفضائي “كولومبيا”. وجاء في البيان الذي نشره متسناع: “إنني وحزب العمل نشارك عائلة رامون حزنها: “لقد كان العقيد إيلان رامون مصدرًا للفخر ورمزًا للاصرار بدفعه إسرائيل الى المستقبل. وتقف اليوم دولة إسرائيل إجلالاً لذكراه. سنواصل من النقطة التي توقف فيها رامون وسنستمر في الانخراط في الرحلات الفضائية لدراسة الفضاء”.

وكتب إيتان عاميت، صحفي “يديعوت أحرونوت” حول أسباب إنفجار “كولومبيا”،  “إن المصادر  في “ناسا” ترجح بأن الانفجار هو حادث وليس عملاً ارهابياً. وعلى الرغم من أن الأمريكيين أعربوا عن مخاوفهم من أن وجود رائد الفضاء الإسرائيلي الأول، إيلان رامون، على متن المكوك يجعله هدفاً مغرياً لعملية ارهابية قد يقوم بها تنظيم القاعدة الا أن مصادر رفيعة المستوى في الولايات المتحدة استبعدت أن تكون عوامل خارجية استهدفت المكوك. وأكد خبراء أمريكيون أنه لا يمكن ضرب المكوك بصاروخ عندما يكون على ارتفاع 62 كيلومتراً وبسرعة ستة أضعاف سرعة الصوت”.

“وبالنسبة لوضع عبوة ناسفة في المكوك نفسه”، أضاف عاميت، “فإن ذلك احتمال بعيد أيضًا نظرًا للحراسة المشددة التي تحيط قاعدة الاطلاق. وقال مصدر أمريكي رفيع المستوى: ‘إن الاحتمال أن يكون الحادث ناجم عن عملية ارهابية هو ضئيل جدًا‘. وإذا كانت الفرضية أن سبب الانفجار هو حادث يجب أن نذكر أن المكوك “كولومبيا” هو أقدم مكوك في الأسطول الجوي الأمريكي واطلق لأول مرة في سنة 1981. وأجريت عشية اطلاق “كولومبيا” الأخير في مهمته الـ28 أعمال ترميم وصيانة شاملة استغرقت 17 شهراً. وقال المسؤولون في “ناسا” للصحافيين أن الرحلة التي شارك فيها رامون كانت من المفروض أن تكون إحدى الرحلات الأخيرة للمكوك “كولومبيا” قبل خروجه الى التقاعد”.

“وكانت أجريت تصليحات كثيرة قبل الاطلاق”، كتب عاميت، “إلا أن خللاً آخر حدث بعد الاقلاع: جسم فاصل فلت من حاوية الوقود الخارجية وضرب الجناح الأيسر من المكوك. وتضرر الجناح قليلاً الا أن مهندسي “ناسا” فحصوا صورًا للجناح وقرروا أن الضرر هو ثانوي ولن يعرقل الرحلة. ولم يتضح بعد ما اذا كان لذلك علاقة بانفجار المكوك أم لا”.

وكتب أمنون دانكنر، رئيس تحرير صحيفة “معريف”، اليوم: “… لقد كان رمزيًا جدًا أن يحدث هذا الموت المشترك للاسرائيلي والأمريكيين، في الوقت الذي يعكف فيه الأمريكيون على تجهيز أنفسهم للحرب ضد العراق لمحو تهديد، هو على إسرائيل أيضًا، هذه الحرب التي يمكن نحن أيضًا أن تلقى بها ضربة من العراقيين. الاحساس هو، أننا في الوقت الذي نقف فيه يدًا بيد وقلبًا بقلب مع أمريكا، فإننا سنقف معهم هكذا، وهم معنا، في الأسابيع والأشهر القادمة”.

يهونتان غيفن، في “معريف” أيضًا، كتب: “… رائد فضاء يهودي، يرمز بدون أية سخرية أو تهكم، لنهضة اليهودية في بلادها، أخذ معه إلى الفضاء اللانهائي رسمة لطفل قتل في أوشفيتس. رائد إسرائيلي بطل وقع من السماء مع رسمة من الهولوكوست اليهودية، وقضى هو أيضًا في دقيقة الصمت الغامضة في الغلاف الجوي القاسي فوق تكساس… قبل يوم من الانطلاق سألوا الكولونيل رامون، ما غذا سيقدّس السبت في الفضاء، كأول رائد يهودي. أيلان قال إنه وعلى الرغم من أنه ليس متدينًا، فإنه يعتقد بأن عِظَم الموقف والمكان سيجعلانه يفعل ذلك… ونعم، أنا أومن بأن أيلان قدّس السبت، ولكن يبدو أن السبت لم تحمِهِ وتحمِ أصدقاءه”.

أري شفيط، كتب في “هآرتس” هذا الصباح: “أيلان رامون كان واحدًا منّا. لم يكن يوري غنارين، لم يكن نيل أرمسترونغ، ولكنه كان واحدًا منا. مجبولاً بالمواد الأساسية من “بليخ” (مدرسة ثانوية شهيرة ترمز لتركيبة المجتمع الاسرائيلي- المحرر)، من بئر السبع ومن دورة الطيران. كان مجبولاً بالقدر الأساسي الواقع بين الهولوكوست والمفاعل العراقي… كتاب توراة لناجٍ من الهولوكوست أخذه إلى الفضاء. ورسمة للكرة الأرضية رسمها طفل قضى في أوشفيتس أخذته إلى الفضاء…”.

في هذه الكلمات، مع بعض الزيادة والنقصان، يمكن تلخيص الشعور الاسرائيلي العام. ما يشبه بصقة القدر في وجه أملٍ آخر (وربما آخر أمل) في دولة اليهود. بصقة موجعة جدًا..

(نُشرت هذه المادة في ملحق “المشهد الإسرائيلي” في شباط 2003)

تعليقات (0)
اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *