اغتيال قيادات “حماس”،لئلا يتحوّل القطاع إلى لبنان!

علاء حليحل

قد تكون كلمات الصلاة الخاصة التي كتبها حنان بورات، عضو كنيست سابق ومن قياديي “ييشاع”، هي خير دليل على الوضع السيء الذي أخذ يُحيق بمعارضي خطة الفصل التي يبادر لها رئيس الحكومة، أريئيل شارون. فأمام معارضي الخطة، وهم من المستوطنين بالأساس، لم يبقَ غير الصلاة على ما يبدو. هكذا يتوجهون إلى الله: “أبانا الذي في السماء، حصن إسرائيل ومنقذه / بارك أبناءك محبيك القائمين في كل أرجاء بلادك المقدسة / صائني ترابها، من النقب وحتى الجولان ومن الأردن وحتى البحر / ومنهم أبناؤك الأعزاء المتمسكون بإخلاص وثبات- / بأراضي يهودا والسامرة وقطاع غزة.”

إلى هذه الدرجة وصلت الحرب المندلعة بين شارون وبين أبنائه البررة- المستوطنين. فشارون هو أبوهم الفعلي: في توطينهم في مستوطنات قطاع غزة، وفي تدعيم مكوثهم عن طريق “الوحدة 101” سيئة الصيت. وهو الأب الذي سيقتلعهم من هناك. سيقتلعهم لأنه مقتنع بأنّ هذا أفضل الحلول لبني إسرائيل. أفضلها في الوقت الراهن، لبني إسرائيل وله على المستوى الشخصي ومستقبله السياسي. لذلك عمل على ثلاثة مستويات: المستوى السياسي الخارجي مع بوش؛ المستوى السياسي الداخلي مع فكرة الاستفتاء بين منتسبي “الليكود”؛ والمستوى “الأمني” عن طريق اغتيال عبد العزيز الرنتيسي. ما يهمنا في هذه المقالة هو المستوى السياسي الداخلي بعض الشيء والمستوى الأمني بشكل خاص.

هدايا من شارون

في الأسبوع الأخير حمل شارون إلى منتسبي “الليكود” وإلى ثلاثة وزراء “مترددين” هديّتين قيّمتين. مثل بابا نويل الذي يفاجئ أبناءه بهدايا طالما تمنوها: طلبتم ضمانات أمريكية، هاكم تصريحات بوش الأخيرة! طلبتم تصميمًا على محاربة “الارهاب”؟ هاكم رأس الرنتيسي! وأتت الهدايا بثمارها. فوزيران كانا متردديْن في موضوع دعم “خطة الفصل” أعلنا “بمزيد من الألم” عن دعمهما للخطة: بنيامين نتنياهو وليمور لفنات (وكان سبقهما إلى الدعم مئير شطريت). والآن: الوزير الثالث، سيلفان شالوم، الذي اجتمع أمس الاثنين بشارون والنية واضحة نحو قبوله بخطة الفصل، لأنه لا يستطيع أن يُموضع نفسه إلى يمين نتنياهو في المشهد السياسي الاسرائيلي. كما أنّ آراء منتسبي “الليكود”، في الاستطلاعات الأخيرة، تجنح بوضوح نحو القبول بالخطة.

ما دفع نتنياهو إلى تغيير موقفه –بحسب ما أعلنه- هو تلبية مطالبه الثلاثة التي كان وضعها: إعتراف أمريكي بالمناطق الاستيطانية وبالحاجة للتنازل عن حق العودة وبضمان من رئيس الحكومة باستكمال مسار الجدار الفاصل في الضفة قبل الانسحاب من غزة. وتعقيبًا على تنفيذ هذه الشروط عقب نتنياهو قائلا: “ضُمن مستقبل وأمن الغالبية الساحقة من الاسرائيليين في يهودا والسامرة، الذين سيحيون في أمن داخل الجدار المركزي، الذي سيصلهم بسائر أجزاء الدولة”. ومن جهتها اقتنعت ليفنات بعد أن أوضح لها مدير مكتب شارون، دوف فايسغلس، في محادثة شخصية، أن مستوطنة أريئيل ستندرج داخل مسار الجدار. وعن قرارها قالت “إنه قرار صعب.. ولكن يجب رؤية الصورة الشاملة. الشعب يطلب فرصة في التغيير”.

إسرائيل تريد الانسحاب بقوة وعظمة!

لا شك لدى د. ريؤوبين بدهتسور، المحاضر في قسم العلوم السياسية في جامعة تل أبيب، في أنّ اغتيال د. عبد العزيز الرنتيسي، ومن قبله الشيخ أحمد ياسين، هو خطة عمل مشتركة بين المستوى السياسي والمستوى العسكري. المستوى السياسي يتمثل في رئيس الحكومة، أريئيل شارون، والمستوى العسكري يتمثل في وزير “الأمن”، شاؤول موفاز. فقد قال بدهتسور في حديث لـ “المشهد الاسرائيلي”، أمس الاثنين: “الحديث هنا عن دمج بين منظومتين: منظومة شارون ومنظومة الجيش. ما يرغب به الطرفان في هذه المعادلة هو ترك قطاع غزة والتأكد من أنه لن يتحوّل إلى لبنان. فهم يرغبون في ترك القطاع بقوة وبعظمة، وهذا ما يقف من وراء التصفيات التي تجري مؤخرًا ضد قادة حماس”.

إسرائيل معنيّة بأن تسيطر السلطة الفلسطينية على مقاليد الأمور في قطاع غزة بعد انسحابها. بدهتسور: “هناك موافقة بين شارون وبين موفاز على الخروج من منطلق قوة وليس من منطلق ضعف. بمعنى: تحطيم حماس لكي تتمكن السلطة من السيطرة الميدانية”.

– ولكن شارون قال إنه لا شريك للتحدث معه. فلماذا يقوم بذلك؟

بدهتسور: “نعم، قال ذلك، وهذا ما يفعله. ولكنه في الحساب الأخير يفضل أن تكون السلطة في موقع القيادة في القطاع وليس حماس”.

– وهذا يتم عن طريق التصفيات.

بدهتسور: “نعم. أنا شخصيًا ضد كل التصفيات بشكل مبدئي. انا لا أتحدث هنا عن الرنتيسي أو عن غيره، فالسؤال الأهم هو: ما الذي نجنيه من التصفيات؟ فقتل الرنتيسي لا يضمن التخفيف من العمليات “الارهابية”، بل قد تكون النتيجة عكسية هنا- المزيد من “الارهاب”. وأنا أعتقد أيضًا ان التصفيات تضر بالديمقراطية الاسرائيلية”.

في كل الأحوال يرى بدهتسور أنّ عمليات التصفيات ضد القيادات الفلسطينية لن تتوقف. ففي نظره ستستمر هذه التصفيات حتى الخروج من قطاع غزة، لترك انطباع “أننا نخرج بقوة”، ولعدم الوقوع ثانية في فخ الانسحاب من لبنان. ومع أنه يشير إلى التلازم في الرؤيا بين شارون والجيش إلا أنه يجب التذكر أنّ قائد أركان الجيش الاسرائيلي، موشيه يعلون، عارض الانسحاب أحادي الجانب من غزة، أو كما يُعرف اليوم بخطة الفصل. بدهتسور: “هذا صحيح. إلا أنه علينا أن نتذكر أن الجيش وقيادته يمكنهم التعبير عن آرائهم ولكن القرار في النهاية للمستوى السياسي وعلى الجيش أن ينفذ ما يُأمر به، من دون شروط”.

– ولكن هل كانت هناك اشتراطات من جانب الجيش تضمن الأمن الاسرائيلي بعد الانسحاب؟

بدهتسور: “لا توجد أية ضمانات مثل هذه على أرض الواقع. أنا شخصيًا مع الانسحاب من أية مناطق (محتلة)، فالانسحاب سيؤدي في النهاية إلى الهدوء. ولا يمكن لأحد التكهّن بمَ سيحدث بعد الانسحاب. هل ستُطلق صواريخ “القسام” على المدن الاسرائيلية مثلا؟”.

– وفي حالة حدث ذلك؟

بدهتسور: “في هذه الحالة يجب أن يكون الرد عينيًا على مصدر الصواريخ. أما عند الحديث عن العمليات التفجيرية فإن الجدار سيكفل مقاومتها.”

– هذا يعني أنك تدعم بناء الجدار؟

بدهتسور: “الجدار في غزة قائم منذ زمن وأثبت نجاعته في منع خروج عمليات إنتحارية من القطاع. اما الجدار المقام على الخط الأخضر في الضفة الغربية فأنا مع إقامته على الخط الأخضر نفسه ومن دون التعدي على أراضي الفلسطينيين”.

وبالنسبة للمستقبل يظل بدهتسور حذرًا: “في حالة خرجت إسرائيل من القطاع وبدأت السلطة في بناء كيان طبيعي يقوم بمهامه إلى جانب التبرعات الدولية لإعادة البناء فإن الوضع سيتطور في اتجاه أيجابي. ولكن في حالة اندلاع نزاع بين السلطة الفسطينية وبين حماس فإن الوضع سيكون سيئًا على الجميع”.

– لماذا؟ ما المشكلة في أن تسيطر حماس على القطاع؟ فحماس تحظى بتأييد نسبة كبيرة من أبناء الشعب الفلسطيني.

بدهتسور: “السؤال هنا هو حول طبيعة النظام الذي ستؤسسه حماس في القطاع. هل سيرضى قسم كبير من الفلسطينيين بأن يعيشوا تحت نظام حكم إسلامي مثلا؟”

وإلى جانب تقييماته بشأن الخطة الاسرائيلية بتصفية قيادات حماس لئلا تتكرر التجربة اللبنانية، يرى بدهتسور في جمود القيادة الفلسطينية إزاء ما يحدث عاملا آخر ينضاف إلى العوامل التي تسيء للشعب الفلسطيني. فهو يرى في عدم مبادرة عرفات فراغًا يضر بالفلسطينيين نهاية، ولكنه تجاهل أن إسرائيل بنفسها هي التي حطّمت السلطة الفلسطينية وعزلت عرفات في غرفة مظلمة في “المقاطعة”.

وعلى المستوى الداخلي في إسرائيل لا يرى بدهتسور علاقة بين اغتيال الرنتيسي وبين مقتل أحد المواطنين العرب في إسرائيل، ليلة أمس الأول، أثناء إطلاقه الرصاص على دورية لـ “حرس الحدود”، هو وزميل له من كفر مندا. بدهتسور: “هذه الأعمال جرت من قبل، وهي تحدث من مرة إلى أخرى ولا علاقة لها باغتيال الرنتيسي”. وهو لا يرى أيضًا أنّ “حماس” و”حزب الله” سيلجأان بالتأكيد إلى الفلسطينيين في إسرائيل لتجاوز الجدار والمعوقات الأمنية.

(نشرت هذه المادة في ملحق “المشهد الإسرائيلي” عام 2003)

 

تعليقات (0)
اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *