“أورفوار عكا” لعلاء حليحل: الخروج من مأزق التاريخ بشخصيات تبني مرجعيّاتها بنفسها

.

كتب يوسف الشايب، “الأيام” الفلسطينيّة

اتكأ الروائي الفلسطيني علاء حليحل على حكاية حصار عكا كخلفية لعمله الروائيّ الجديد “أورفوار عكا”، وأطلقه، مؤخراً في مركز خليل السكاكيني الثقافي بمدينة رام الله.

وإعادة النبش في “حصار عكا” أمر في غاية الأهميّة، على حد تعبير د. إيهاب بسيسو، الذي قدم لرواية حليحل، مضيفًا أنّ موضوع الرواية يعكس حالة من حالات الصمود الفلسطيني، رغم أنّ حليحل لم يهتم بالشعارات، ولم تجرفه الدلالات السياسية بقدر ما غاص في العمق الإنساني، ولعلّ هذا ما دفعه ليذكر في بداية العمل بأنّ “أورفوار عكا” ليست رواية تاريخية، وبالتالي أطلق الكثير من خياله في إطار العلاقات المجتمعية والإنسانية وتحولاتها ما بين الحب والغضب والخيانة.

أمّا الروائي أكرم مسلم، ففاجأ الجمهور بالحديث عن شعوره بالندم لقراءة الرواية، قبل أن يوضح مستعينا بمقولة الفيلسوف العراقي خضير ميري: “بعض الأعمال تشعرك بالندم، لأنك تكتشف أن ثمة بين يديك عملا جميلا لم تكتبه أنت بل كتبه غيرك”. وأوضح مسلم أنّ رواية “أورفوار عكا” تندرج في هذا الإطار من الروايات التي تندم أنك لست صاحبها.

وكشف حليحل أنّ الكاتب والأديب حنا أبو حنا أخبره ذات يوم، بأنّ باريس أرسلت خلال حملة نابليون بونابرت لاقتحام عكا سفينة من المومسات لرفع معنويات جنوده، وأنه طلب منه أن يتكئ على هذه الحادثة للخروج برواية تاريخية حول حصار عكا.. “بدأت في البحث بعد عامين من إقامتي في عكا، والتي كنت بدأت أحبها بشغف قبل الدخول في مرحلة التحفظ منها.. عكا مكان جميل للغاية لأغراض السياحة، لكنه مؤلم جداً للسكن، فما يحدث في عكا اليوم هو استنساخ لكارثة يافا، التي تغرق في الإجرام والرعب والفقر.. علاقتي اليوم شائكة مع عكا، ما بين حب قاتل وكراهية كبيرة أحياناً”.

وأشار إلى ما أثاره حول آلية التعامل في الرواية مع ما أسماه بـ “أسطورة حصار عكا”، “ولذلك قرأت مراجع عربية قديمة أبرزها حيدر الشهابي عن الجزار، ومراجع عربية معاصرة، ومراجع إسرائيلية، ومذكرات ستة ضباط رافقوا نابليون في حملته وهي بالإنكليزية مترجمة عن الفرنسية”، لافتاً إلى أنه اكتشف بأن ثمة لا تاريخ واضح المعالم حول حصار عكا، بل ثمة روايات وليس أكثر، وكل يروي روايته بالاتكاء على هذه المراجع، ووفق ما يريد. “ولذا شعرت بالراحة لأنّ روايتي ستكون واحدة من جملة الروايات المحتملة عن الحصار.. ما همّني السرد والحبكة وبناء الشخصيات والمدلولات الاجتماعية السياسية الاقتصادية الثقافية الموجودة، وليس التاريخ ومراجعه بقدسيّته التي أشكّك فيها، خاصة إذا ما كان الحديث عن حصار عكا”.

وكان بسيسو أشار إلى أن الرواية تعكس اهتماماً من كاتبها بالموروث والهوية، عبر نبش الأوراق التاريخية مرة أخرى، ليس لغرض تاريخي هذه المرة بقدر ما هو لغرض إبداعي أدبي، واصفاً “أورفوار عكا” بالرواية الاستثنائية لجهة الموضوع، وأيضاً لجهة تقنية السرد، وهي عموماً تدخل في إطار توجه حليحل في مشروعه الروائيّ خاصة، والإبداعي عامة، إلى المناطق “الإشكالية” أو “المسكوت عنها”. وهو في روايته الأخيرة يكتب عن مرحلة تاريخية تجمع ما بين عكا المدينة، وعكا التاريخ، وعكا الحدث، فالرواية تنطلق من حصار عكا والحملة الفرنسية، وحكاية نابليون الشهيرة والتي رمى فيها قبعته حين فشل في اقتحام المدينة.

من جانبه أشار مسلم إلى أنّ نمط “أورفوار عكا” يقوم على فكرة أنّ المرجعية التاريخية هي حاضرة فقط في الخلفية البعيدة جداً، في حين أن ما يدور على أرضية الرواية، عملياً، إعادة إنتاج للتاريخ، وعملية “تورّط” في الفعل التاريخي نفسه، ومحاولة تعبئة الفراغات المتروكة في السرديات التاريخية التي في العادة ما يكتبها “الأقوى”، لصالح شخصيات تنتمي إلى الحياة. هناك “وقعنة” للأسطوريّ، وأسطرة للعادي، بحيث تضع الرواية شخصًا بحجم بونابرت جنبا إلى جنب مع “الخوزقجي”، وهو الشخص الذي يمتهن وضع الناس على الخوازيق.

ووصف مسلم الرواية بـ “المشوّقة”، لافتاً إلى أنّ حليحل في “أورفوار عكا” لا يغرق ويُغرق القارئ في التنظير لرواية تاريخية دون غيرها، ولا يسرف في محاولة تفكيك رواية عن “حدث عكا” لصالح رواية أخرى، بل ينجح إلى حدّ كبير في أن يتجاوز المرجعية التاريخية، بما يتيح للشخصيات أن تبني بنفسها مرجعياتها من داخل الفعل الروائي نفسه.

وختم مسلم بأنّ الرواية تنحاز في “شيفراتها” إلى القيم الانسانية العليا المتمثلة بالتسامح والتعدد والانفتاح، عبر كشف ما هو بشع وضيّق ومتوحش.

يُذكر أنّ “أورفوار عكا” صدرت في طبعتها الأولى عن دار “الاهلية للنشر والتوزيع” في عمان، تزامنا مع صدورها عن “كتب قديتا” في عكا.

(21 تشرين الأول 2014)

تعليقات (0)
اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *