باقة الغربيّة: هجمة ظلاميّة على معلّم لتدريسه رواية “أورفوار عكّا”!

جزء من البيان التحريضي الذي نشر أمس الاثنين

جزء من البيان التحريضي الذي نشر أمس الاثنين

تقدم عناصر ظلاميّة سلفيّة في مدينة باقة الغربيّة، منذ أيام عديدة، على مهاجمة معلّم للّغة العربيّة وآدابها في إحدى المدارس الثّانويّة في المدينة، ومن مثقّفيها البارزين، إثر قراره تدريس رواية “أورفوار عكّا” للأديب علاء حليحل، في إطار القراءات الّتي يختارها المعلّم لطلّابه للتّوسّع المعرفيّ والمطالعة. وتعمل هذه العناصر الظّلاميّة، منذ أيّام، على مهاجمة معلم الثّانويّة والتّحريض ضدّه وتهديده في وسائل التّواصل الاجتماعيّ ومجموعات الـ “واتس أب” ومنابر إعلاميّة سلفيّة، بشكل مبطّن وصريح، والسّعي لإلقاء خطب تحريضيّة في عدد من المساجد خلال صلوات الجمعة، ما أدّى إلى إثارة الموضوع بحدّة وتحويله إلى رأي عام، ونشوء موجة تضامن كبيرة مع المعلّم، محلّيًّا وقطريًّا.

وقد وصلت حملة التحريض أوجها، أمس الاثنين، في بيان صادر عن مجموعة تسمي نفسها “أنصار الحق”، طالب بإقصاء المعلم بحجة أنه “يساوم على ديننا وتربية أبنائنا”، ولذلك “ليس لك مكان بيننا”.

يتساءلون: ما الجديد والغريب في هذه الرّواية؟!

وتتّخذ هذه العناصر من بعض المقاطع في الرّواية، والّتي تتناول مواقف “تخدش الحياء” حسب تعبيرهم، ذريعة للتّهجّم على المعلّم والنّيل منه، علمًا أنّ هذه المقاطع، وكما قال المعلّم وعدد من المختصّين في النّقد الأدبيّ والجنسانيّة، لا تختلف، بل وربّما أكثر محافظة، من مقاطع أخرى ذات دلالات وإيحاءات جنسيّة موجودة في نصوص في المناهج. وتساءل الكثيرون إزاء هذه الضّجّة المفتعلة وسكوت هذه العناصر على تسريب الخدمة الوطنيّة الإسرائيليّة إلى مدارسنا، ومناهج تدريس التّاريخ والمدنيّات، وتشبّثهم ببعض الجمل المقتطعة من الرّواية بشكل فظّ وديماجوجيّ؛ وتساءلوا أيضًا عن المختلف في مشاهد هذه الرّواية وألفاظها عمّاهو موجود في كتب الفقه والتّفسير والحديث، والأدب العربيّ والعالميّ، وكتب العلوم، ومناهج العلوم البيولوجيّا والدّين وغيرها.

بروفسور محمود غنايم: كفّوا أيديكم عن الأدب!

وتطرّق إلى هذه المسألة بروفسور محمود غنايم، ابن باقة الغربيّة، ورئيس مجمع اللغة العربيّة ورئيس قسم الدّراسات العربيّة والإسلاميّة في جامعة تل أبيب سابقًا، إذ كتب في حسابه الشخصيّ في شبكة “فيسبوك” نصًّا قصيرًا بعنوان “كفّوا أيديكم عن الأدب!”، احتوى ما يلي: “الضجة الإعلامية التي أثيرت حول تدريس رواية (أورفوار عكا) لعلاء حليحل في إحدى المدارس الثانوية لا دافع وراءها إلا الجهل برسالة الأدب وطبيعته. كما أنّ الروايات التي يتندر بها البعض كرواية (أيام معه) لكوليت خوري موجودة في مناهج التعليم في البلاد، وكذلك في مناهج البلدان العربية منذ أكثر من أربعين عامًا. فماذا عدا مما بدا؟”.

وقال غنايم أيضًا: “في الرسالة التي يقدّمها في النهاية وليس في المشاهد أو الشخصيات. ولا أرى أية غضاضة في تدريس رواية (أورفوار عكّا) في المدرسة الثانوية، فعلاء حليحل كاتب هام ورمز من رموز الثقافة ويحمل رسالة ثقافيّة ووطنيّة واعية. حبذا لو اهتممتم يا أولي الألباب بأمور أخرى يمكنكم أن تقدّموا لنا الفائدة من خلالها لا بالضجة الإعلامية التي تجرّنا إلى الوراء. أقول هذا دفاعًا عن موقف أؤمن به، إذ قضيت خمسة وأربعين عامًا في تدريس الأدب في كلّ المراحل، وأشرفت على العديد من مناهج الأدب واللغة في التعليم العربي منذ بداية التسعينات وحتى يومنا هذا. وتخرّج على يدي عشرات الطلاب من حملة الماجستير في الأدب ومجموعة كبيرة من طلبة الدكتوراه. ليس لي مصلحة لا عند فلان ولا عند علان. وأشهد الله أنّ مصلحة أبنائي وأحفادي هي التي تدفعني إلى قول هذا الكلام. فكفّوا…”

علاء حليحل: أزمة مفتعلة هدفها ضرب النّشاط الشّبابيّ المثقّف

وحول هذه المسألة قال الأديب علاء حليحل: “هذه أزمة مفتعلة تعتمد على الغوغائيّة والكذب والمبالغة. أغلب الظنّ أنّ من أطلقها يهدف لضرب النشاط الشبابيّ والواعي والمثقف في باقة الغربيّة، الذين أتابع عملهم وأتابع حبّهم وإخلاصهم لبلدهم. من المؤسف أنّ المحرّضين يستخدمون رواية “أورفوار عكا” لهذا الهدف وللنيل من معلم اللغة العربيّة، الذي أعرفه جيّدًا وشخصيًّا وأعرف أنه أكثر دراية وثقافة واطلاعًا منهم على الدّين الإسلاميّ وفقهه وتاريخه.”

وأضاف حليحل: “من السّهل جدًّا اليوم تكفير النّاس أو ملاحقتهم باسم الدّين أو “الحياء العام”، مع أنّ الدّين الإسلاميّ لم يخجل يومًا من الجنس أو الجنسانيّة، والفقه طافح بتفاصيل وأحكام تتعلّق بالمعاشرة والجنس وإمتاع الزّوجة والزّوج والتّربية الجنسيّة للأطفال والمراهقين. زدْ على ذلك أنّ الرواية تطرق مواضيع الجسد لا من باب الشّهوة أو المتعة، وهذا شرعيّ بحدّ ذاته، بل من باب الحديث عن القمع والعنف والاغتصاب وإبراز مثالب المجتمع الذّكريّ، ولكن يبدو أنّ من يُحرّض على رواية لم يقرأها بهدف النّيل من معلّم ما لما يحمله من أفكار وقيم حضاريّة، لا يمكنه أن يعي مثل هذه التّفاصيل البديهيّة.”

“سيبقى لنورِ الأمّةِ سدَنَتُه وحفظَتُه رغمَ الظّلام”

وفي حسابه على “فيسبوك” كتب المعلّم الّذي يتعرّض لهذه الهجمة: “سيبقى الأدبُ ملجأَ أحرارِ العقلِ والنّفس، ومتنفّسَ المغرّدينَ خارجَ سربِ التّرهيبِ والتّجهيلِ والتّكفير! وسيبقى لنورِ الأمّةِ سدَنَتُه وحفظَتُه رغمَ الظّلام.”

وأضاف: “اندثرَ حرقةُ الكتبِ والمعرفةِ، وبقيَ ذكرُ ابن حزمٍ وابن رشد خالدًا. حظروا ألف ليلة وليلة ألف عامٍ ثمّ تغلّبت عليهم وصارت مصدر الإشعاع الأدبيّ الأوّل في العالم ومولّدةَ الفخر! نخاطبُ الجاهلين الغوغاء بالسّلامِ وحسبُنا!”

تعليقات (0)
اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *