عُسرٌ في الهضم، ثورةٌ في الشّكل

DSC_1567

عامر وعلاء حليحل

عن مسرحية “خبر عاجل”- نص الكاتالوج

بين النفاق الاجتماعيّ والسّياسيّ وبين الإحباط والأفق المسدود تدور أحداث هذه المسرحية. هي مراوحة جديدة بين التفاصيل الصغيرة وبين الخطوط العريضة: محاولة لاستكشاف ما يحدث ومن نحن، كي تكون هذه المحاولة وقفة تأمّل وتفكير. قد تكون هذه الوقفة غير مُريحة للبعض ومُستفزّة، وقد تكون للبعض الآخر وقفة جيدة ومحمودة، ولكن ما يهمّ هو التوقف والتفكير.

على الخلاف والتنافر يقوم جانر “الكباريه”، الذي يدمج بين النقد والسّخرية والكوميديا والغناء، بحيث يكون لمسُ مواضع الألم والضغط عليها زادَه وغذاءَه. من هنا ارتباط هذا النصّ بالمكان والزمان، بالتفاصيل واللغة والواقع المُعاش.

“خبر عاجل” هي لائحة اتهام، كما أنها مرثية حزينة، رغم نيّتها في أن تكون كوميديا ضاحكة أيضًا. إنها السخرية التي تصفع، الخروج من دائرة الحدث والانقطاع عن القطيع بغية المراقبة والتأمل. لا يمكن “هضم” هذا العمل للمشاهد المحلي من دون أن يتنازل المشاهد عن أقنعته ودروعه وسعيه للبحث عن الأمان في الأفكار المعهودة وفي المسلكيات المتوارثة. هي عملية صعبة بالتأكيد، ولكنها أهمّ ما نطلبه اليوم في ظلّ غياب النقد والمحاسبة والمساءلة والتقييم والتقويم.

لم يكن بُدٌّ من اللجوء إلى السّخرية كوسيلة أساسية ومتينة لتشريح الواقع بأدوات مسرحية. وكما يليق بالفنّ الدرامي، عمومًا، وبالكتابة الساخرة، خصوصًا، فلا مفرّ من المبالغة بغية التوضيح والإبراز. كما يمكن للمبالغة الدرامية أن تكون ملاذًا ومَوئِلاً قد يلوذ إليهما البعض للاستنكار والإنكار؛ ولكنّ هذا يظلّ مراوحة في خانة الصّعب المُتوجّس: هل أنا واحدٌ مِمّن تسخر منهم هذه المسرحية؟

نحن نحيا اليوم في عالمنا العربيّ ثورةً غير طبيعية، لا يمكن فهم مراحل تطوّرها بسهولة. نحن نحيا “ثورة الشكل”: أستوديوهات قنواتنا تضاهي اليوم بحلتها أستوديوهات أوروبا وأمريكا، ونجومنا يُطلون علينا بأحدث وأبهى صورة.

ما يثير القلق في هذه الثورة أنّ نموّها ليس مفهومًا وهو غير صحيّ بالضرورة؛ فكيف يمكن لثورة شكل أن تحصل من دون أن تكون نتاجًا لثورة مضمون؟ كلّ ثورات العالم بدأت من المضمون، وثورة المضامين أتتْ بالنتيجة بثورة الشكل، كتحصيل حاصل، إلّا في مجتمعاتنا: ثرنا شكليًا وأصبحنا برّاقين “ومنورين”، بينما لا زالت مضاميننا تعيش في عتمة وظلام دامسيْن.

هذه المسرحية هي ثورة على “ثورة الشكل”.

تعليقات (0)
اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *