كُنْ حميمًا ووليًا
علاء حليحل
كأنها أمطرت ليلة الأمس، حين فاضت برائحتها عليّ. لم أبتهل ولم أستسقِ لكنّ رذاذ شهوتها أطلّ خفيفًا من تحت غطائنا الشتويّ الوثير. الدفء مطرٌ وشعرُها مطرٌ ومُلوحتها مطرٌ ورائحة ظهرها المستسلم للخَدَر مطر.
باتت فلسطين ليلة الأمس رطبة في حِضن ليلنا. كان الكرمل يحترقُ، وكنا نحترقُ معه. يا ربّة العشق هَلاّ غسلت شعركِ من فتات العاشقين لتمطرَ فوق الناصرة؟ يا إله الخمر أسكب من دُنِّكَ قليلا لتغتسلَ حيفا تحت ثمالة شوارعها؛ يا ربّ البحر ألا يستحقّ النقب بعضًا من غزارتك؟ أيتها اللات، أيتها العزة، ألا تمطران شعرًا جاهليًا على الجاهلين، فتتفتح مسامّهم على الحياة؟
مطرٌ يئنّ تحت قسوة الشّمس الأوْسطية. شمس وقحة، حارة، بليدة، مُنفّرة، مثل الضّيف عند الوَنَس. شتاءٌ يَعُدّ الوقت بسُبْحةٍ من دبيب النمل اللاهث أبدًا. يا نائلة، يا إساف، أنثرا الحبّ الرّطب كما نثرتماه في الخرافة، فصرتما تمثاليْن شامخيْن يُطلان على بلاغاتِ عكاظ.
أيها المطرُ الحبيسُ في توْق الشّاعريّين إنزلْ. تعالَ، سأطبخُ لك القهوة. في سوق عكا طحنوا بُنها من ثلاثة أصناف: كولومبيا، كوستاريكا وعدن. ثلاثة أصناف تُلين الصّخرَ، أفلا تلينُ؟
تعالَ يا مجموع قطراتِهِ، أنثرْ نفسَكَ علينا، أقتُلْ وحدتكَ الشاملة كي تقتلَ وحدتنا الخريفية.
إبدأ رذاذًا، ثم كُن طَلاً ثم نضحًا ثم رهمًا ثم رشًا ثم هَطْلاً ثم غَيْثًا ثم عُبابًا ثم وابِلاً وصنديدًا وجَوْدًا ثم وَدْقًا ثم حَبَّ غَمَامٍ ثم حميمًا ثم وليًّا.
وكُن ماءً يُرطب الشفاه من دون حاجة يائسة لاستخراج أوصافكَ من معجم “لسان العرب”
(نشرت هذه المادة في موقع قديتا بتاريخ5 كانون الأول 2010)