7 ملاحظات على انقلاب السّيسي

يجب ألا ننسى أنّ المعركة في مصر والعالم العربي ليست على الحكم ومقاليده، أساسًا، بل على شكل وبنية الإنسان العربي والمسلم لعقود قادمة

علاء حليحل

1

مهما تحايلنا على المسميات، فإنّ عسكر السيسي في مصر قلبوا النظام ونصّبوا شخصية تكنوقراطية بدلا من الرئيس المنتخب. هذا أمر سيئ، لكنه أقلّ سوءًا من الحرب الأهلية. كل شيء نسبيّ حتى الثورات التي نحبّها. لو لم نحترم هذه النسبية وجعلناها جزءًا من مفرداتنا ووعينا لما نجحت الثورات في بناء إنسان جديد. لم تُوجد في تاريخ البشرية ثورة نظيفة مئة بالمئة. وإذا كنا نرفض تقديس الزعامات والقيادات فعلينا أن نرفض تقديس الجماهير العريضة، حتى لو خرجت عن (نصف) بكرة أبيها.

2

الجيش المصري هو ابن وربيب دكتاتوريين وقامعين منذ ثورة يوليو. قرابة 60 عامًا وهم يأتمرون بأوامر زعماء اضطهدوا وعذبوا وقتلوا وسجنوا الكثيرين من أبناء شعبهم، باسم الثورة أو الدولة أو أمن البلد. الجيش المصري ليس بريئًا ممّا يحدث. كل هذه الرومانسية بأنّ الجيش المصري هو جيش وطني ولذلك فإنّ أيّ أمر يفعله هو “شرعي” و”وطني”، ليست إلا محاولة لعدم الاعتراف بإشكالية ما حدث في مصر، وإشكالية القوات المسلحة المصرية التي تتموّل بدولارات أمريكية.

3

مع هذا، فإنّ 17 مليونًا (أو ثلاثين مليونًا) يخرجون إلى الميادين ليصرخوا في وجه رئيس لا يريدونه هو أمر مدهش لا ثانيَ له. في الثورة الأولى قالوا إنّ المصريين كسروا حاجز الخوف. يبدو أنهم الآن كسروا حاجز الصوت. الصوت لم يعد يخضع لأيّ قانون طبيعة. الصوت سيد الموقف. محاولات التكهّن والتنبؤ وترسيم خارطة ما لطريق ما هي محاولات فاشلة سلفًا. ما يحدث في مصر يجب أن يدفعنا جميعًا لنكون شجعان بما يكفي ولنقول: لا نعرف. الجماهير كائن مستقلّ لا يمكن فهمه مئة بالمئة. كائن يتحرّك بالمشاعر والدسائس والخطابات (الرنانة والرزينة على حدّ سواء). “الجماهير” ليست مجموع عدد الأفراد في الميدان. الجماهير أمزجة ورغبات ونقاط ضعف وقوة وتضارب مصالح وحسابات شخصية. لذلك، لا يمكن التعويل أبدًا على أيّ نصّ يحاول تحليل الجماهير. وهذا بالضبط ما ينقصنا الآن لفهم ما يحدث في مصر.

4

كمناهض شديد لاختلاط الدين بالدولة، سُررتُ لتحجيم السلفيين والمتأسلمين والإخوان في مصر. مكانهم ليس في الحياة العامة (كتنظيم سياسيّ) لسبب بسيط جدًا لا علاقة له بالتفاصيل الجارية: كيف يندمج رهط من القوم يعيشون وفق نصوص مغلقة لا نقاش فيها، وسط معترك سياسي-اجتماعيّ يقوم على النقاش والاختلاف؟ لا يمكن. الصيغة الوحيدة لدمج الدين بالدولة هي إيران وسلطة الكنيسة سابقًا على أوروبا ومسلكيات الإنجيليين المتطرفين في الولايات المتحدة الأمريكية. العَلمانية يمكنها أن تستوعب المتدينين وتحمي حقهم في ممارسة الشعائر والإيمان، لكنّ العكس غير صحيح. العَلمانية يمكنها أن تحتضن كلّ أشكال الاختلاف، أمّا الدين ونصوصه فلا.

5

لكم تمنيتُ أن يستمرّ حكم الأخوان سنة أو اثنتين أخريين، كي يتعرّوا بكامل نفاقهم وكذبهم. منذ تسلّمهم الحكم وهم يهادنون أمريكا وإسرائيل (الشيطانيْن الأكبريْن) وعندما اعتدت إسرائيل قبل أقل من سنة على غزة لم يفعل مرسي أكثر مما فعله المأفون مبارك. تسلموا الحكم ونسوا يأجوج ومأجوج وخرافتهم الدينية التي تريد سحق اليهود والغرب. فجأة، صفنوا أمام معطيات البورصة والاستيراد والتصدير وفائض العملات الأجنبية وتصرفوا مثلما تصرف مبارك. لو بقوا سنة أو سنتين أخريين لكانت فرصهم بالحكم مستقبلا ستصبح صفرًا مطلقًا، لأنّ الناس ستكره عريهم المنافق.

6

وماذا سيحدث في الانتخابات القادمة؟ لا أحد يعرف. هل سيُترجم الغضب إلى أصوات ضد مرشح الأخوان هذه المرة، أم أنّ الإخوان وقطاعات من الشعب ستنتقم من حشود التحرير في الصندوق؟ وإذا تحقق الخيار الثاني، فماذا بعد ذلك؟ بعد ذلك الغوغائية والاعتراض وربما العودة إلى نقطة الصفر. من لن يحترم قرار الناخب هذه المرة يجب نبذه وتعرية نفاقه، حتى لو كانوا حشود التحرير التي نحبّها. حتى الحشود الثائرة (ونحن معها) يجب أن تتعلم العيش كمعارضة في نظام ديمقراطيّ. لا توجد حقيقة مطلقة. الحقيقة المطلقة عكس التغيير، وثقافة الأسئلة هي التي تبني الإنسان الجيد وليست ثقافة الأجوبة. الإخوان يمتهنون الثقافة الثانية، وعلينا نحن أن نمتهن الأولى. وإلا، فما الفرق بين يقينيْن لا يتزحزحان؟

7

لا أعرف ما سيحدث في مصر. لكنني، وبرغم أسئلتي الحزينة، أحبّها كما أحببتها من قبل. ليس في هذه المقالة أيّ تحليل سياسيّ أو رغبة في “تنوير” القارئ(ة). على العكس، أنا أدخل القارئ(ة) في دوامة تساؤلات لا إجابات عليها (حاليًا). تساؤلات تجعل الالتصاق بشاشتي التلفاز والحاسوب أمرًا لا يُحتمل. لا يُحتمل لدرجة أنّك تشاهد “رابعة العدوية” الصوفية المتحرّرة التي تحبّ الله وتتغزل به كعشيق، وهي تتعرّق مذبوحة تحت وطأة جموع لا تحتقر إلا التحرّر و”عورة النساء”. وهذا بحدّ ذاته عورة العورات.

يجب ألا ننسى أنّ المعركة في مصر والعالم العربي ليست على الحكم ومقاليده، أساسًا، بل على شكل وبنية الإنسان العربي والمسلم لعقود قادمة. وبين من يعيشون على فتات الفتاوى وبين من يريدون الخروج من جلباب التديّن الشعبيّ المَقيت، ثمة مكان لشعار متواضع: لبّيْكِ يا رابعة.

 (نشرت هذه المادة في موقع قديتا بتاريخ 7 تموز 2013)

تعليقات (0)
اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *