5 ملاحظات على سوريا

الخيار بين السّيء والسّيء يُعيدني إلى الخيار الثالث الأفضل دومًا: حياة الناس وحقّ الأب بأن لا يدفن ابنته الطفلة بيديه الاثنتين. هذه هي بوصلتي الوحيدة

علاء حليحل

1

متى وصل بنا الدرك إلى هذه العنصرية الذاتية-العربية-الخليجية؟ هل تراقبون ما يُكتب ويُقال عن دول الخليج؟ تعميمًا غليظًا وحقيرًا يقترب في بعض نصوصه إلى الفاشية والنازية؟ دول الخليج دول كسائر الدول، لها نظام نفعيّ قبيح يتغذّى على موارد الشعب (النفط)، لكن الناس هناك مثلنا تمامًا: بعضهم فقير، بعضهم ميسور، بعضهم ذكي، بعضهم غبي، بعضهم وطني، بعضهم عميل، بعضهم عروبي، بعضهم إسلامويّ. خطابنا عن “العمائم” و”الإمارات” كريه تمامًا كرائحة النفط الكريهة (ما دامت خارج ملك الشعب).

تُدهشني كمية الكراهية لهذا الجزء من العالم العربي؛ كيف يتحوّل كلّ خليجي إلى عميل أمريكيّ وكيف تُلغى الفوارق والدقائق والملابسات الخاصة بكلّ دولة خليجية. هل سياسات قطر الخارجية شبيهة بسياسات الكويت وعُمان؟ من فحص ذلك؟ من اهتمّ بأنسنة دول الخليج وأهلها وصراعات القوى فيها؟

من يهتمّ بمصير الشعوب والمنطقة سيفتح قلبه لأهل الخليج ويقرأ ويستمع ويتابع وينظر إلى ما وراء الدشداشة. لو أنّ يهوديًا أو مسيحيًا تعامل بهذه الشيطنة مع عرب ومسلمين لذرفنا دموع التماسيح وصرنا نصيح بمهنية الضحية الاحترافية: آخ يمّا، بوجِّع…

2

بعد أكثر من سنة تطوّر معسكر ثالث في الموقف من الثورة السّورية؛ فبعد معسكر المُستميتين على سلامة النظام في وجه المؤامرة الأمريكية ومعسكر المناصرين للثوار وإسقاط النظام (وأنا منهم)، بدأ يبرز خطاب البيْن بيْن: نحن نستنكر مجازر الأسد لكننا نرى أنّ بقاء النظام مع إجراء الإصلاحات هو أمر حيويّ وهو الطريق الوحيدة في الظروف المعطاة.

وهل ستشمل الإصلاحات محاكمة من ارتكب جرائم ضد الإنسانية؟ إذا لم تشمل الإصلاحات ذلك فإنها ستكون حبرًا على ورق لأنّ الشعب سينهض ثانية ولن يسكت. وإذا شملت ذلك فهذا يعني نهاية الأسد وشبيحته. قد يبدو هذا الموقف عقلانيا ووسطيًا و”مُتأنيًا”، لكنه في النهاية تحايل على إحدى النتيجتين الحتميتين: بقاء الدكتاتور أو رحيله.

3

المؤامرة: سوريا دولة فقيرة ستكون عالة على أيّ مستعمر غربي. أوروبا الغربية وأمريكا مفلستان والأزمة الاقتصادية تهدد استقرار دول الاتحاد الأوروبي وأمريكا. سوريا ليست سوقًا جديدة لبضائع الغرب. هذه النظرة الضيقة إلى “الاستعمار الغربي” تفتقر لأيّ علاقة مع الواقع بهذا الصدد. سوريا مغرية للغرب بحكم موقعها الجغرافي وقُربها من إيران وحزب الله. ولذلك فإنّ موقف روسيا (الشقيقة؟) لا يختلف عن هذا الموقف أبدًا. صراع مصالح إستراتيجية في مفترق طرق جغرافي وأمني. المعركة الحقيقية تدور في أروقة الدبلوماسية الدولية وليس في حمص. لو كانت المعركة الحقيقية في حمص لانتهت المسألة حسب النموذج المصري أو الليبي. لكنها حرب “باردة” بجدارة.

لا مفاضلة أبدًا بين موقف أمريكا وروسيا. كلاهما مُنحاز إلى مصالح اقتصادية وسياسية تعتمد اليوم في عصرنا على القوة الناعمة وليس الصّلبة. تحويل روسيا شبه الدكتاتورية إلى نبراس للشعوب ينضح بروائح ستالينية اعتقدنا أنها رحلت بلا رجعة.

بشار يبعث ستالين من جديد. يا عمال العالم مرحى!

4

سأضع روحي في كفي وسأقول بلا تأتأة، رغم المجازفة بإخراجي من تيار الممانعة والمقاومة على اختلاف مشاربه (لا يهمّني بالمرة على فكرة): أنا مع التدخّل العسكري الأجنبي. يجب أن تقصف طائرات الناتو قصر بشار وتجرّه إلى لاهاي عنوة. ستسألون كيف لا تهتزّ مشاعري وعروبتي؟ بلى، إنها تهتزّ منذ سنة وعشرين يومًا. من شدّة اهتزاز مشاعري القومية ونزعاتي العروبية وكرامتي السيادية على بلاد العُرب تهالكتُ تحتها. لكنني غير مهم في هذا الأمر، ما يهم هم مقاتلو الحرية الحقيقيون في أرجاء الشام. لن أشعر بنقص في مستوى فخري بانتمائي إذا أنقذ الناتو أهل الشام. لا يهم، سنة أو اثنتان من القدم الغربية العلنية. فالقدم السّرية كانت موجودة دائمًا من سايكس بيكو على الأقل. هذا هو الثمن الأقصى الذي يمكن أن ندفعه بعد هذا التدخل. حضور علني يؤذي العين والقلب. لكننا نُحاشر اليوم على يوبيل السنة الـ 500 من الاستعمارات والاحتلالات. لا بأس، أجّلوا حمّيتكم لسنة أو لأشهر كما فعلتم مع ليبيا. فأذى القلب النازف على سوريا أكبر بكثير من أذى العاطفة القومية المتجندة.

أنا لا أحبّ إيران بشكل خاصّ. لا أعتقد أنها مُغيثة العرب أو المسلمين. لا أحبّ التحالفات معها كما لا أحبّ التحالفات مع فرنسا أو ألمانيا. ولكنّ الخيار بين السّيئ والسّيئ يُعيدني إلى الخيار الثالث الأفضل دومًا: حياة الناس وحقّ الأب بأن لا يدفن ابنته الطفلة بيديه الاثنتين. هذه هي بوصلتي الوحيدة. ما تبقى من التحليلات السياسية “المناطقية” والدولية لا يثيرني كثيرًا الآن.

أولا حياة الطفلة التي قتلت بقذيفة دبابة بعثية وبعدها تفاصيل “الإسقاطات والتبعات والتحليلات”.

5

مع كلّ هذا أنا غير متفائل كثيرًا بنجاح الثورة السّورية المباركة. فالمؤامرة على الثورة أكبر بكثير من أيّ مؤامرة أخرى على النظام. وأرجو أن يخذلني تشاؤمي هذه المرة.

(نشرت هذه المادة في موقع قديتا بتاريخ 15 شباط 2012)

تعليقات (0)
اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *