3 ملاحظات على سورية

بوتين خرج أمس الخميس بتصريحات قاتلة للنظام الأسديّ وهي مخالفة للموقف الإيرانيّ الحاليّ الذي ما زال يتمسّك ببقاء الأسد… هل ستنضم روسيا إلى “المؤامرة الكونية”؟

علاء حليحل

1

لا يمكن التقليل أبدًا من اللقاء الخاصّ الذي منحه نائب الرئيس السوري فاروق الشرع (بالذات) لإبراهيم الأمين من جريدة “الأخبار” (بالذات)، في سياق اقتراب الحسم في الاقتتال الدائر بين النظام الأسدي ومعارضيه الثوار (وبعض المتسلقين). الشرع يستغيث بدبلوماسية: “الأخضر الإبراهيمي يكرّر في تصريحاته أن الأمور تسير من سيئ إلى أسوأ، وأنا لا أستطيع أن أنفي ذلك لأنني، ومنذ سنة وأكثر، أرى الخط البياني للأحداث يأخذك إلى مكان غير مريح تسير فيه الأمور فعلاً من سيئ إلى أسوأ. لكن المشكلة أنّ السيد الإبراهيمي يتحرّك ببطء وروية في حين تتحرك الأمور على الأرض بتسارع وعنف”. أي أنّ الإبراهيمي يعمل ببطء قاتل للنظام. النظام يريد وتيرة مصالحة أسرع وأعلى. من خطاب “الستاند أب” الأحمر الذي ألقاه الأسد قبل سنة في البرلمان السوري، إلى مقابلة “بداية النهاية”، ولكن هذه المرة في مشهد تراجيدي مُهين يقدّمه ممسحة عائلة الأسد منذ 30 عامًا.

2

إبراهيم الأمين، مدير جريدة “الأخبار” اللبنانية ومحرّرها، والمقرب جدًا من حزب الله والسوريين، يسافر إلى دمشق لمقابلة الشرع في “شقة” ما. كأنها حملة سرية من حملات أفلام الآكشن. في سعيه إلى تصوير الدراماتيكية المفتعلة في ترتيب اللقاء أضاف الأمين مزيدًا من البؤس وجوّ الانهيار على نظام لا يحبّ الصحفيين الحقيقيين. الصحافة الحديثة تضع المراسل في قلب الحدث، ولكن المراسل يفعل ذلك عادة لجلب التعاطف والتضامن مع الحدث، وليس دقّ مسمار آخر في نعشه.

نقول هذا في ضوء الصّراعات التي احتدت في جريدة “الأخبار”، حدّ استقالة خالد صاغية نائب رئيس التحرير، قبل عدة شهور، على خلفية موقف الصحيفة من الثورة السورية وما حولها (ولحقه عدد لا بأس به من الصحافيين الشباب في الصحيفة مثل فداء عيتاني وآرنست خوري وثائر غندور وليال حداد. نحن نرى الآن أنّ استقالة صاغية كانت في مكانها، حيث استطاع أن يتنبّأ بتحوّل الأمين إلى مبعوث “صحافيّ” يحاول صياغة نداء استغاثة أسَديّ، بأكثر ما يمكن من الممانعة.

3

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خرج أمس الخميس، في مؤتمر صحفي من إسطنبول عقده مع رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، بتصريحات قاتلة للنظام الأسدي: “نحن لسنا قلقين على نظام بشار الأسد في سورية، بل نحن قلقون بسبب ما يجري هناك حاليا، نحن ندرك بأنّ هذه العائلة توجد في السلطة منذ 40 سنة، ولا ريب أنّ التغييرات لا بدّ منها”. بوتين يعلن رغبته في مصالحة واتفاق قبل ذهاب الأسد (مفهوم طبعًا)، ولكن ما يُفهم من كلّ تصريحات بوتين أمس أمر واضح ساطع: ذهاب الأسد. وهذا مخالف للموقف الإيرانيّ الحاليّ الذي ما زال يتمسّك ببقاء الأسد، حيث اقترح نائب وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، الثلاثاء، تشكيل حكومة انتقالية ينتخبها الشعب، مع استمرار الأسد في تحمّل مسؤولياته كرئيس.

ولكن الموقف الإيراني يظلّ غريبًا بعض الشيء في ظلّ الموافقة على التسويات من الطرفين، كما جاء في المقابلة مع الشرع: “ولكن هل نضجت التسوية التاريخية؟ يأمل فاروق الشرع ذلك، لكنه يستدرك: “إذا تصوّر أو أصرّ كلّ طرف مَعنيّ بهذه التسوية أنه سيحصل على كل ما يتوقعه ويطمح إليه، فإن التطلعات الوطنية المشروعة للشعب السوري ستكون عرضة للضياع، ومصير المنطقة سيدخل في نفق مجهول”.” بمعنى: نحن جاهزون للتّسوية.

التسوية في هذه المرحلة لا علاقة لها بأمريكا أو قطر أو القاعدة؛ إنها تتعلق أكثر شيء بالتسوية بين إيران وروسيا: حكومة انتقالية مع تثبيت الأسد، أم مرحلة انتقالية نحو مرحلة دائمة بدون الأسد؟ مهما كان السؤال فإنّ الأسد تلقى في الأسبوع الأخير ضربات موجعة، بعضها على أرض الميدان (وفي منطقة المطار ودمشق تحديدًا) وبعضها من حلفائه وداعميه. رغم حماقة التنبؤات السياسية التي تذهب بصاحبها إلى إخفاقات شبه حتمية، إلا أنّ الأسبوع الأخير شهد تغيرات جوهرية على المستويين السياسي والإقليمي والعسكري الميداني، قد تؤدي إلى قلب الصورة نهائيًا باتجاه تسوية سريعة لتنحية الأسد والانطلاق نحو مرحلة جديدة من البحث السوري عن وجهة جديدة.

كما يحقّ لنا أن نسأل ببعض الابتسام: هل انضمّت روسيا إلى المؤامرة الكونية؟

 (نشرت هذه المادة في موقع قديتا بتاريخ 21 كانون الأول 2012)

تعليقات (0)
اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *