وافرَنساه!!..

البكاء بين يديّ الكُرة، بعد هزيمة مُرّة

علاء حليحل

فلما كانت الدقيقة الهادرة، بعد الصافرة الغادرة، خرجت فرنسا من المونديال، وبتّ في أي حال. أي طعم للمباريات بعد اليوم، أي جدوى من التبطح أمام الشاشة وسبّ القوم. وبتّ أنشد لي:

فصرتُ إذا أصابتني سهامٌ

                                    تكسّرتِ النصالُ على النصالِ

وكنتُ والمباراةُ في احتدامْ، واهيَ القوى والكلامْ، عديم النفعِ، خائر الدمعِ، وكأني بأحمد أبي الطيب يُنشدني:

على قلقٍ كأنّ الريحَ تحتي

                                    أوجّهها يمينًا أو شَمالا

أرثي فرنسا للعالم القبيحْ، وفي العين دمعٌ والقلب جريحْ. أرثي الكرة الصادقة، والمهارة الفائقة. أرثي النجومَ الكبارْ، والهجوم المستثارْ. أزف إليكم الحظ العاثرْ، والفألَ الخاسرْ. لا أطلب الشفقةَ، ولا أبغي الرحمةَ، وأقول كقول ذي الاصبع العدواني:

لا اسألُ الناس عمّا في ضمائرهمْ

                                      ما في ضميري لهم من ذاك يكفيني

وقد أقسمت والقسم غير منسي، أن المونديال محرم على نفسي، ما دامت فرنسا لا تلعبْ، وما دامت البرازيل تُحسبْ. ولا تطأ من نفسي واطئةٌ، ولا تعبأ بها عابئةٌ. وأقول للشامتين الفرحينْ، الدولاب في الدنيا الى حينْ. والى المتملقين الذينْ، يتظاهرون بالحزن الحزينْ، أقول ما قال عبيد بن الأبرص:

لأعرفنّكَ بعد الموت تندُبُني

                                 وفي حياتي ما زوّدْتَني زادي

وقلبي مع زيدانْ، حامي الحمى والأوطانْ. وفي قدمه الذهبْ، بلا خوفٍ أو خببْ. وعنه قال عنترة العبسي:

يخبركَ من شهدَ الوقيعةَ أنني

                                 أغشى الوغى وأعفّ عند المغنمِ

والغد الذي أرقبُ قريبْ، فيه الشفاء وفيه الطبيبْ. وإن لم يكن ففيه قول النابغة الذبياني:

لا مرحبًا بغدٍ ولا أهلاً به

                                إن كان تفريقُ الأحبةِ في غدِ

وافرنساه! يا ضحية اللؤم والفجورْ، يا عدوة العُهر والشرورْ. لك الفخر ومنك الفخرْ، يا موطن الحرية والنصرْ. يا فريق الافرنجةِ، يا ملقى الأحبةِ. أين الشنزإليزيه منكمْ، أين من الغار ما ملكتمْ، وقيس بن الخطيم يقول:

إذا سقِمتْ نفسي الى ذي عداوةٍ

                                فإني بنصل السيفِ باغٍ دواءَها

ولا تحسبنّ من بقي مخلدًا، ولا هو في الأحياء مُعدّدًا. كقول كعب بن زهير:

كل ابن أنثى وإن طالت سلامتُه

                                يومًا على آلةٍ حدباءَ محمولُ

وليهدأ كل مغرورٍ بالسلامة، وليستعد لدرب الندامة، كقول كعب بن زهير:

فلا يغرنّكَ ما مَنّتْ وما وَعَدَتْ

                                 إن الأماني والأحلامَ تضليلُ

وللحازنين معي، للثاكلين أضلعي، للرافضين التصديقْ، للباحثين عن صديقْ، في زمن الضيقْ، قولوا مع تميم بن مقبل:

ما أطيب العيشَ لو أن الفتى حجرٌ

                               تنبو الحوادثُ عنه وهو ملمومُ

وافرنساه! يا أطيب من الطيبْ، يا أحبّ من الحبيبْ. لك السلام والمحبة، ومنك الوئام والأحبة. لك الاشتياقْ، ودموع الفراقْ، ولك ما قال المجنون في ليلاه:

نهاري نهارُ الناس حتى إذا بدا

                                 ليَ الليلُ هزّتْني اليكِ المضاجعُ

وأنتِ الحبيبةُ ولو أعرضتِ عنّا، ولو أنك غِبتِ عنّا، ولو غازلتْنا الفرق الأخرْ، أو غلبتْ علينا العِبَرْ. ورحم الله المجنون حين قال:

جُننّا بليلى وهي جُنّتْ بغيرنا

                                 وأخرى بنا مجنونةٌ لا نريدُها

قومي من تحت الردمِ. قومي من بين الهمّّ. بعد أربعٍ من السنين، سيكون بنا الحنينْ، الى كأس الكؤوسْ، والى تطيير الرؤوسْ. ورددي وافرنساه معنا، حين يَدُلُكِ الشوق الينا، ما ردده القباني الصريعْ:

برغمِ النزيفِ الذي يعتريه

                                برغم السهامِ الدفينةِ فيه

يظلّ القتيلُ على ما به

                               أجلّ وأكبرَ من قاتليِه

والعزةُ لمن اعتبر!

(نشرت هذه المادة في مجلة “ترفزيون”، تشرين الثاني 2003)

تعليقات (0)
اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *