ما يدور في البال عن مباريات المونديال

علاء حليحل

أنتينا

اكتشفنا، أخي وأنا، أن شركة “متاف” عملت فينا (وبكل مشتركيها) مقلبًا دنيئًا. فبما أن قناة “5+” اشترت حقوق بث مباريات المونديال بشكل حصري في دولة اليهود، قررت إدارة “متاف” وبضغط من “5+” كما يبدو إنزال قناة art الرياضية عن البث، الى حين انتهاء المونديال. بعد محادثة قصيرة بين أخي وبين الصوت النسائي الآتي من غياهب الأسلاك، طلب أخي من الموظفة وقف الاشتراك في الكوابل، في خطوة مقاطعة وطنية، فحييت مقاطعته وسعدت بها، ورفعت علم بلجيكا الأبية على الفاراندا.

ولأن الحاجة أم الاختراع، فقد استهدينا على طريقة لمشاهدة كل ألعاب المونديال ببلاش. لمن لا يملك صحنًا لاقطًا وغير مشترك في الكوابل أو لم يدفع لقاء “5+” هاكم الحل: اشتروا أنتينا صغيرة، التي تشبه شجرة الأرز في شكلها، وعلقوها على السطح، ثم أنزلوا الكابل منها وادحشوه في مؤخرة التلفاز الى أن تأتي الصورة غصب عنه. وبعد أن توجهوا الأنتينا الى جهة لبنان، ستلتقطون في جهازكم ما يقارب ثماني محطات لبنانية. اثنتان منها تبثان المونديال كله، مع تعليق مذيعين مصريين بهلّك ضحك. القناتان هما: تلفزيون لبنان والإل بي سي الأرضية. ببلاش، وْوَلا جميلة الكوابل.

وفيما يخص التعليق على المباريات، فان تعليق مدحت شلبي، المذيع الذي استأجر تلفزيون لبنان خدماته الترفيهية، مضحك ومسلٍ جدًا ويُنصح به لمن يعاني من البواصير. نبذة من التعليقات: للتدليل على الاعجاب بلاعب جيد يقول: “يا واد يا لعّيب أهو كده اللعب”؛ العرقلة هي: “شنكلة”؛ إذا أخطأ لاعب المرمى: “مش كده يا واد.. الله!”؛ دعوة المدرب لادخال لاعب جديد: “هوا المدرب لو يخلي الواد اللعيب ده يخش ربع ساعة.. ربع ساعة بس نتفرج”؛ تلعيب الكرة بالقدم أمام الخصم هي: “ترقيصة”، وهكذا دواليك. في مباراة اليابان مع بلجيكا هذا الثلاثاء تغزل شلبي في اللاعب الياباني سوزوكي حتى النشوة، وتعامل معه كأنه سيارة جديدة ما زالت في النايلون، مثل: “سوزوكي يدوس بنزين زيادة، ويا واد يا لعيب يا سوزوكي”. باختصار: المباريات معه ممتعة.

مين؟

في بحر الأسماء الأعجمية منها والعربية، التي أسمعها خلال المباريات، أعجب كل العجب من المذيعين والمعلقين الذي يحفظون كل الأسماء، فردًا فردًا، وحمولةً حمولةً. وأبعث لهم باعجابي الشديد على ضلوعهم ودرايتهم منقطعي النظير في لفظ أسماء مكونة من 3796345 حرفًا، ودون أن يتأتأوا للحظة. لو يقبل حدا من هالمعلقين ويغير المُتأتئ الأزلي، سلمان الطويل.

فِيَفاه شَعاه أحاتْ كودِم.

المونديال والرجال

اكتشفت بعد الأيام الأولى للمونديال أنني لا أحب كرة القدم، في الواقع. لم أحبها يومًا. ولكنني أتابع المباريات مع ذلك. وأعتقد أنني اكتشفت الأسباب أيضًا. السبب الأول والرئيسي هو أنني قاعد في البيت، وعلى رأي المثل: “كاعد كاعد، عشّب”. السبب الثاني هو اللمّة والجَمعة والهيصة والزمبليطة التي تحدث وقت المباريات. ليس أنني من مشجعي هذه الجمعات الذكورية المدججة بالهرمونات ورائحة العرق وحكّ ما بين الساقين طيلة المباراة. أنا أحب هذه الجمعات لأنني أنتقم فيها من جيراني الذين تحت، والذين يجتمعون كل سبت، خلال الدوري الاسرائيلي، ويقرقعون سما اللي فطسني. وإجاك يا رفيفو مين يعرفك.

السبب الثالث الذي أرجّح أنني أشاهد المونديال لأجله هو الحاجة لأن أثبت بعضًا من رجولتي: “يعني زلمي وبحضرش غول؟ هاي أكيد الولد هومو”، ربما هذا ما كانت ستتداوله النساء مع أمي، التي كانت ستدافع بلا هوادة عن إحكام إغلاق مؤخرة إبنها بالشمع الأحمر- وربما باستشراس أمومي شرقي. لا أعرف لماذا، ولكنني ما زلت واقعًا في فخ أن كرة القدم هي طقس رجولي إلزامي. حتى أنني أعرف الكثيرين من الهومو العرب الذين يشاهدون المباريات ويقصقصون البزر ويتضرعون مثل البهايم ليبعدوا عنهم الشبهات. السبب الذي قد يكون الأخير لمتابعتي لمباريات المونديال، هو أنني في النهاية إنسان يساري أممي حتى النخاع، وبالتالي فان رؤية كل شعوب الأرض متّحدة على أمر واحد (الحكم إبن زانية) هو قمة قمم بداية تحقيق الثورة الأممية في العالم. ما ينقص حتى هذه اللحظة هو: الثورة، الأممية، العالم، وأسامة بن لادن. لماذا أسامة بن لادن في هذا الوقت بالذات؟ لا لشيء. فقط لأنني بدأت أملّ من المباريات!

الحقيقة المُرة!

هل شاهدتم مباراة البرازيل ضد تركيا؟ أستحلفكم بالله العلي العظيم أن تنظروا الى المرآة بكل صدق، وأن تسألوا أنفسكم بكل صراحة وإخلاص لضميركم: ألا تبدو البرازيل مثل شلة ختايرة لا يفقهون في اللعب الجماعي شيئًا؟ ألم يحن الوقت لنقولها صراحة وعالمكشوف: برازيلي ما بدنا نشوف؟ لماذا هذا العداء تسألون؟ (الذين دوّروا سياراتهم وهم في طريقهم الى حرقي وحرق السما تبعي، يستنوا شوي. أنا بالحمام الآن). أولاً هذا ليس عداءً. ثانيًا، أنا لست معجبًا كبيرًا بالبرازيل، وهذا يمكنني من رؤية لعبهم بنقدية أكبر. وما قدموه يوم الاثنين من هذا الأسبوع أمام تركيا هو معيب ومخجل ويبعث على الاستهزاء. هل هكذا يلعب من يود أن يكون بطلاً للعالم؟ إذا حصلت البرازيل هذه السنة على الكأس، فلا تخبروني رجاءً. سأكون في الحمام (أتقيأ)!!!

وحقيقة مرة أخرى: فوز السنغال على فرنسا، صاحبة الكأس، هو أكثر الأمور التي سببت لي السعادة منذ أن فازت سريت حداد بالمكان الأبصر قديش في الأوريفيزيون. لماذا؟ لأن على كل من يمارس هذه اللعبة المتخلفة، أن يعرف أن الدنيا دولاب، وأن العنجهية هي أفضل ضمان للبهدلة والتشفي. مع أنني أحب فرنسا وأتمنى أن تأخذ الكأس، إلا أنني لم أستطع منع نفسي من القهقهة عاليًا بعد خسارتها. وما بتكبر غير المزابل، كما قالت في وقت سابق الحشورة، رضي الله عنها.

دعاء المونديال

فيما يلي دعاء لا يخر المياه، أعددته من وحي الصراخ وسيل الشتائم الذي كان يغمر أذنيّ في كل لعبة. وبدلاً من السبّ والشتم، لزامٌ عليكم أن تتوجهوا الى الخالق الباري، إذا لم يكن يشاهد المباريات وإذا كان لم يستقل بعد من مهمة إدارة العالم الكريهة. توجهوا اليه ما دمتم قادرين وقولوا:

“اللهم يا حنّان يا منّان، يا فارش العشب الأخضرْ، وباعث الضوء الأكبرْ، يا ملبي الدعواتِ، ويا رادّ البلواتِ، تقبل منا دعاءنا الصادقْ، ضد العدو المارقْ، إنك أنت يا وهابْ، محقق الأهداف في الألعابْ.

اللهم ولا تعتب على من ينسى الدعاءْ، وقوّه يا قوي بحسن الأداءْ. واجعل من أقدام لاعبينا طائراتٍ كطائرات بن لادنْ، ولا تحرجنا أمام العدو الآسنْ. ولا تنس يا ودودْ، أن عدونا اللدودْ، بشرٌ الى الدودْ، في أجلٍ معهودْ، فقوّنا عليه يا لطيفْ، ومكنّا من نجمه الخفيفْ، يا منّان.

اللهم شتت شملهم، وافصل أمرهم، واحرق بلائزهم، واخزق أحذيتهم، يا حفيظ. اللهم دعِ العشب نارًا تحت أرجلهم، وصيّر المرمى حائطًا في أعينهم، يا وهّابْ. اللهم لا تغضب علينا إذا أخطأنا أو ضيّعنا الطابة، ولا تؤاخذنا إن نسينا الربابة، يا واهب المهابة.

اللهم إعمِ أبصارهم، واثكل امهاتهم، وطوّل الملعب في روحاتهم وجيئاتهم.

اللهم إقطع نسل أهدافهم (المجموعة: آمين)،

اللهم إقطع دابر دفاعاتهم (المجموعة: آمين)،

اللهم أفشلْ خطط هجوماتهم (المجموعة: آمين)،

اللهم خلّ الحَكمَ معنا (المجموعة: آمين)،

اللهم خلّ الحَكمَ معنا (المجموعة: آمين)،

اللهم خلّ الحَكمَ معنا (المجموعة: آمين، بصوت حماسي)،

اللهم استر عرضنا وسمعتنا (المجموعة: آمين)،

اللهم لا تُشمّت الأعاجم فينا (المجموعة: آمين)،

اللهم لا تجعل عالينا سافلنا (المجموعة: آمين)،

اللهم لا تجعل عالينا سافلنا (المجموعة: آمين)،

اللهم لا تجعل عالينا سافلنا (المجموعة: آمين، مع القليل من الدموع الصادقة)،

اللهم أرشدنا الى منطقة الجزاءْ. وخلّ الطابة تهز الأشباكْ. اللهم إنا لك صاغرون، ساجدون محقّرون. دعنا نسجل هدفًا، ونفرح نُتفًا. اللهم طلْسِمْ حارسهم، وعَكْنن على مدربهم، وشلّ ظهيرهم الأيمنَ، والأيسرَ، والوسطَ. اللهم لا تؤاخذنا بما فعل الأعداء بنا. اللهم لا تؤاخذنا في ضعفنا، وفي هزائمنا، وأحبّنا يا رب في انتصاراتنا، إذا أنت حققتها لنا، يا منّانُ.

اللهم إننا لك ندعو، ولك نتوجه، ومنك ننتظر. اللهم المذلة لك. اللهم المذلة لك. اللهم المذلة لك (وللبرازيل). فادخل أهدافنا، وقوّنا على من عادانا، واغفر لنا سيئات تصويباتنا. اللهم أنت السلام ولك السلام واليك يعود السلام. أللهم أعنّا على الحرب وعلى السجال. وعلى الكر وعلى الفر. وعلى مشقات العَدْوِ، ولياقة العدوّ. إنك أنت المجيب.

وتقبل اللهم وتقبل. ويسّر اللهم البندل. وتقبل اللهم وتقبّل.”

إذا لم يُجدِ هذا الدعاء فبامكانكم العودة الى الدعاء الأصلي الذي تعرفونه: “الحكم إبن زانية”- ولا عتب عليكم ولا أنتم تُحرجون!

(نشرت هذه المادة في مجلة “ترفزيون”)

تعليقات (0)
اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *