صُور

 ملف خاص للذكرى السنوية العاشرة لهبة أكتوبر.تحرير: هشام

علاء حليحل

الصور. أذكر سعينا وراء الصور. نبحث عن صور جيدة للنشر في الجريدة، ننتظر مغلفات تبييض الأفلام التي تصل من المراسلين في الميدان ونبدأ بالبحث عن “أفضل” صورة. يدور نقاش حول “أقوى” صورة أو “أجمل” صورة. أذكر أننا كنا نسعى وراء الصور. كانت النصوص تُراق بآلاف الكلمات، إلا أنّ الصور كانت نافذتنا: علينا أن نرابط في الجريدة ليلَ نهارَ كي نكتب ونحرّر وننشر، وفجأة تحوّلت الصور إلى نافذتنا على المواجهات والإصابات والقتلى.

صور لجرحى، صور لشباب يلقون الحجارة، صور لشرطيين يطلقون النار. لم يكن الإنترنت “على قدميه” بعد. كان يتهجّى لغته الرقمية وكُنا نتعطش للمعلومة، للتصويرة (image). كنا عطاشى. نستنشق رائحة الحرب في ورق الكتابة وورق الطباعة.

أذكر أيام الهبة بشكل “فرتواليّ”، مع أنّ المصطلح لم يكن قد وُلد بعد. وحين اندلعت المواجهة (اليتيمة) في وادي النسناس في حيفا، حاول المحرر المناوب أن يمنع شباب الجريدة من الذهاب إلى هناك. قال لنا: إذا أصبتم أو اُعتقلتم فمن سيصدر الجريدة؟ كرهناه لحظتها، لكنه كان على حق: نحن لا نضرب الحجارة ولا نملأ الشوارع؛ الناس تنتظر الجريدة والصورة والخبر. “دورنا في المعركة” إذا شئتم. كيف يمكن أن نترك دورنا في المعركة؟

بعد الثانية صباحًا كنا نلئتم بآلامنا ونشرب البيرة ونلخص اليوم. كانت حيفا تمتدّ أمامنا وكنا نحاول أن نمسك بطرف الخيط: لماذا الآن؟ لماذا تريد إسرائيل ذلك؟ هل قصدوا قتل الشباب أم مجرد الإخافة؟ هل سيربوننا؟ هل سنتربى؟ كانت الأسئلة تتزاحم حتى تهدأ قبل الفجر بقليل.

أذهب للنوم محطمًا، بائسًا، حزينًا. أستعيد شريط الصور التي لم ننشرها: دماغ تنزّ بياضًا، صدر متفجر، رأس مهرّسة. كنا نخاف على مشاعر الناس، فلم ننشر صورًا كهذه.

لكننا كنا نراها ونتأملها. هذا ما أذكره من الهبة أكثر من أيّ شيء: الصور التي لم ننشرها.

 (نشرت هذه المادة في موقع قديتا بتاريخ 1 تشرين الأول 2010)

تعليقات (0)
اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *