الدعاية التلفزيونية تراوح مكانها!

علاء حليحل

منذ السابع من الشهر الجاري، والأحزاب التي تخوض الانتخابات الاسرائيلية تحاول أن تكون خلاّقة ومبدعة في دعايتها الانتخابية التلفزيونية. الجميع يعرف أن الانتخابات في أي مجتمع ديمقراطي إستهلاكي إنتقلت منذ زمن إلى شاشات التلفزيون، تاركةً الشوارع والنواصي فارغةً، وجاعلةً من المهرجانات الانتخابية الكبيرة سببًا وحجةً لكي يحظى مرشحو الحزب وجمهوره بأكثر من ثلاثين ثانية على الهواء. أنت على الهواء، إذًا فأنت موجود. أنت تحت الهواء، فأنت لست موجودًا. حتى لو كنت تفكر!

بعد مرور أسبوع على بث الدعايات الانتخابية التلفزيونية، هذه فرصة مناسبة لفحص مضامين الأفلام الانتخابية، وعمّا تتحدث.

“شاس”: “شاس” مبلبلة بعض الشيء في طرحها السياسي- الأمني. المضامين غير واضحة كفاية، وليس هناك أي تميز لطروحاتها. من الناحية القبلية والطائفية “شاس” واضحة وقاطعة: نحن ضحايا الأشكناز على مرّ التاريخ (هل رأيتم فيلم أمس الأول الانتخابي؟). من الناحية الأخرى تطرح “شاس” كل ثقلها على الجبهة الاجتماعية. الشعار الذي علقته “شاس” على الحافلات منذ شهر يقول: “شاس. ليس للنفس فقط”، مع صورة كبيرة للراب عوفاديا يوسيف. وهذا ما حاولت “شاس” أن تريَه للناس ليلة أمس في الدعاية الانتخابية. ليس للنفس فقط (الروحانيات) وإنما مساعدات فعلية: طعام، تعليم، مسكن. في الدعاية نرى أيلي يشاي، المرشح الأول في القائمة، في بيوت إطعام خيرية مع الجوعانين والغلابة. عوفاديا يوسيف يخطب بجمهور مؤمنيه عن الغلابة، والغلابة في بيت الإطعام الخيري، يمسكون باليمنى رغيف خبز وصحن حساء، وباليسرى يرفعون سباباتهم لدعوة الناس للتصويت لـ “شاس”. الجوع في خدمة السياسة.

“العمل”: حزب “العمل” يحارب على جبهتين: الجبهة الداخلية، أي ضد شارون وأبنائه وقضايا الفساد (شارون “العراب” رجل المافيا وإبناه)؛ وعلى الجبهة الخارجية، أي ضد الوضع الأمني، وتقصير شارون في بناء الجدار الواقي. بالنسبة لميتسناع فإن الجدار الواقي الذي سيبنيه سيكون محكمًا تمامًا كالعازل الواقي. “العمل” افتتح فيلمه الانتخابي الأول ليلة أمس بتذكير مقتل إسرائيلي لية أمس (أمس الأول). “العمل” يقلد اليمين في 1996 في إستغلاله للعمليات الفلسطينية لضرب الخصم (المثير أن “الليكود” يستغل هذه العمليات للتشديد على أهمية بناء الجدار للوقاية من العمليات، الجدار الذي لم يبنِهِ “الليكود”!). “ميتسناع ملتزم بالأمن، شارون ملتزم للمستوطنين”. هذا هو البلاغ وهذا هو الحل للضائقة الاقتصادية.

“الليكود”: الجدار الذي يتحدث عنه ميتسناع هو في الواقع إنسحاب أحادي الجانب، فلا تنغشّوا بما يقوله لكم عمرام. وماذا يعني إنسحابًا أحادي الجانب؟.. يعني صواريخ على المدن الاسرائيلية على طول خط التماس. هذا ما أراد “الليكود” أن يقوله للناس ليلة أمس. ولمن لم يفهم، فقد جهّزوا له رسمًا وخارطة توضح سقوط الصواريخ في خط أحمر فاقع. ثم أن ميتسناع هو مكمل طريق براك (كامب ديفيد) وليس مكمّل طريق رابين. وقد أعذر من أنذر! من جهة أخرى خطا “الليكود” خطوة خطيرة ستشغل الاعلام لا شك: جلبوا أناسًا من الشارع (الشعب يقول، ليس نحن) للتعبير عن غضبهم واستيائهم من قطع المؤتمر الصحفي لشارون قبل ليلتين. أيهود أولمرت قال: “الناس تستنكر الإخراس. لا تسدوا أفواهنا!”. ومن المقصود بهذا النداء؟.. القاضي حيشين. للمرة الأولى يجد الجهاز القضائي نفسه في قفص الاتهام بالتحيز لطرف سياسي. هذا هو الهجوم الثاني على الجهاز القضائي، بعد “حيروت” التي تهجمت على “العليا” التي سمحت لبشارة والطيبي بالتنافس. الجميع تعامل مع هجوم “حيروت” باعتيادية لأنه يأتي من “الهامش”. ولكن، ها هو يأتي من “الليكود”الآن. وقد أعذر من أنذر!

“ميرتس”: في سنة 2003 لن يكون هناك مصدر رزق للكثيرين من الفقراء في إسرائيل. “ميرتس” تفتح بالقضية الاجتماعية، ثم تنتقل إلى علاقة هذا بالمستوطنات: المستوطنات تعني ضائقة إقتصادية، تعني المزيد من العاطلين عن العمل، تعني رسائل فصل، تعني خدمة إحتياط. ران كوهين، مرشح في القائمة، تجند للحديث عن طفولته في أحد أحياء عكا الفقيرة، وعن أهمية قانون “السكن الشعبي” الذي مرّره، له بصفة شخصية. ولماذا الإطالة في الحديث؟ ها هي أيلانيت التي استفادت من القانون تتحدث بنفسها.. جيد أن أيلانيت يهودية شرقية. هذا جدي للدعاية ضد “شينوي” الاشكنازية الاستعلائية. ثم أن “لبيد يدعم شارون و”شينوي” هي يمين”. للتذكير فقط.

“المفدال”: هنا التركيز واضح على الهوية اليهودية. في نظر “المفدال” فإن الهوية اليهودية، بعد 54 سنة على قيام دولة اليهود، ما زالت مهددة بالخطر. جميل. “المفدال” سيعمل على كبح الارهاب ودعم التربية والتعليم الرسميين، وسيدمج بين الدين والصهيونية. لا جديد.

“شينوي”: “الكثيرون ينتقلون إلى “شينوي”. هل تعرفون لماذا؟.. بسبب الفساد في “العمل” و”الليكود”، لأن الناس ملّوا من التسلط الديني، لأن الطبقة الوسطى لا تريد أن تبقى “البقرة الحلوب”، لأن “شينوي” ستوازن بين قمع “الليكود” وبين إنهزامية “العمل””. هذا ما يقوله طومي لبيد للذين ما زالوا مترددين بشأن الانتقال إلى “شينوي”. إنتقلوا الآن، لأن الكثيرين غيركم انتقلوا. كل الأبحاث دلت على أن المجتمع الاسرائيلي يتميز بظاهرة “القطيع”. ما يشبه: الموت بين الناس رحمة. رحمة لبيد.

“يهدوت هتوراة”: الفرق بين مجرد دولة وبين دولة يهودية. هذا الفرق هو ما ستحافظ عليه “يهدوت هتوراة”. لكن، لماذا على المصوت العلماني أو المحافظ أن يصوت لحزب حريدي، وأمامه “المفدال” و”هئيحود هليئومي”؟ هذا ما لم يجيبوا عليه حتى الآن.

“الجبهة”: فيلم “الجبهة” الانتخابي يبدأ جيدًا. بداية جيدة، وتثبيت للمضامين: “الجبهة” هي السد المنيع أمام أصحاب الأموال وأصحاب الاعلام الجماهيري وأصحاب البنوك، ممن يريدون السيطرة على حياتكم. جيد. ولكن تطوير الفكرة لم يكن ناجحًا. المبالغات في النهاية لم تقم بوظيفتها المفترضة، وهي التسخيف وإثارة السخرية. “الساتيرا” لم تعمل. النص كان ضعيفًا في النهاية. على “الجبهة” أن تحسّن من النهاية وأن تتنازل عن “الساتيرا” أو أن تصنعها بشكل صحيح. حاليًا المضمون واضح. وماذا مع الشكل؟

“عام إحاد”: تفاخروا ليلة أمس باتفاق المعوقين الذي كتبه عمير بيرتس بشكل شخصي. لم يقولوا لنا لماذا لم يُنفذ أي شيء من الاتفاق، ولماذا لم يقف بيرتس على قائمتيه الخلفيتين نتيجة ذلك. مثير للشفقة.

“القائمة الموحدة”: ركزوا على أن الوحدة هي الجواب أمام هدم البيوت وسرقة أراضي العرب. طلب الصانع قال: “هناك يبنون وهنا يهدمون. يجب أن نكون موحدين”. كلام جميل. ولكن أليست “الموحدة” اليوم هي آخر من يجب أن يحكي عن الوحدة، بعد تشرذم القائمة في الكنيست الماضية إلى عشرين قطعة؟..

“التحالف الوطني”: هو حزب هاشم محاميد لمن لا يعرف. مرة أخرى “تحالف”. أي: وحدة. محاميد: “بيوتنا مفتوحة للجميع. ليست معنا تلفونات سرية. الناس تعرف ذلك”. يعني: نحن أصحاب النخوة العربية. نحن العرب الأصليين والنخوجيين. تفضل عالقهوة أبو إياد!!

“تسومت”: موشيه غرين، مشرح القائمة الأول رأى جنديًا إسرائيليًا ينام في الشارع لأنه لا يجد أين ينام. سأله غرين: لماذا تنام على الشارع؟.. قال له الجندي: لأنني لا أجد أين أنام. ماذا حدث بعد ذلك.. غرين لم يقل لنا. هل ساعده، هل آواه، هل بحث له عن بيت دافئ؟.. إكذب علينا يا أخي إذا لم تكن فعلت كل ذلك. ترك الأمر مفتوح هو غباء إستراتيجي من الدرجة الأولى..

“زاعام”: حزب إجتماعي مبتدئ. على خلفية العلم الاسرائيلي الذي بدا ناصعًا وبراقًا غنوا أغنية جذابة ومسلية وقد تتحول إلى أغنية مرددة في الشارع. العلم الاسرائيلي يبدأ بالتساقط وفقدان اللون إلى أن يتحول إلى بقايا علم. فيما يلي كلمات الأغنية: “حريق يا أخوة حريق/ بلداتنا مشتعلة كلها/ ستهب رياح سوداء فيها/ اللهب مشتعل فيها/ وآثارها ستختفي/ ها هي تحترق/ وأنتم تشبكون أيديكم/ من دون معين/ من دون إطفاء اللهب/ نار البلدة”.

“أهفات يسرائيل”: حزب شرقي جديد، للمنشقّين عن “شاس” والذي يمثله الراب كدوري، الأسطورة بذاتها. جلبوا مصوتي “شاس” قدامى ليشهدوا على إنتقالهم للحزب الجديد، من باب “الشغلة مش عيب يا رفاق”. ثم ظهر الراب كدوري وتمتم بعض الأدعية لم تكن لتُفهم لولا كتابتها في أسفل الشاشة. نسخة ثانية عن “شاس”.

“عليه يروك”: الحزب الذي يسعى لشرعنة الماريحوانا. لديهم فيلم واحد يبثونه منذ البداية. البلاغ الأساسي: لن يتغير شيء بعد الانتخابات، فلا تخافوا من إعطائنا صوتكم. الاستطلاعات مؤخرًا تتنبأ لهم بعبور نسبة الحسم. من المثير رؤية أعضاء الكنيست منهم وهم يدخلون مبنى الكنيست مع “سنغلة” كخطوة تظاهرية.

بشكل تلخيصي يمكن القول إن الأفلام الانتخابية تراوح مكانها، من ناحية المضامين والشكل. ملل. أنا أحسد من لا يضطر لمشاهدتها كل يوم بحكم عمله، مثلي…

(نُشرت هذه المادة في ملحق “المشهد الإسرائيلي” في كانون الثاني 2003)

تعليقات (0)
اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *