الحركة اليهودية للتغيير

 حزب “شينوي” (التغيير) بقيادة طومي لبيد يتحول تدريجيًا إلى قوة ثالثة رئيسية في الدولة، ستفرض وجودها وحضورها بعد الانتخابات. من هو حزب “شينوي”، ولماذا يتقوّى الآن بالذات؟

علاء حليحل

في الاستطلاع الأخير الذي أجرته جريدة “هآرتس”، يوم أمس الخميس، ورد أن حزب “شينوي” سيحصل في الانتخابات القريبة على (15) مقعدًا، حيث كان حصل في الاستطلاع السابق (قبل أسبوع) على (13) مقعدًا. في خلال أسبوع واحد ترتفع قوة هذا الحزب بمقعدين كاملين. لماذا؟ من سيصوت لـ “شينوي” ولماذا؟

فيما يلي استعراض سريع لأهم ما ورد في برنامج “شينوي” الانتخابي:

دولة علمانية: “شينوي” تسعى من أجل دولة علمانية، ووضع حد لابتزاز ميزانية الدولة لأغراض دينية؛ “شينوي” ستعمل من أجل إعادة توزيع موارد الدولة وتحويل تلك الذاهبة إلى الدين إلى مجالات أخرى علمانية وتطويرية؛

عملية السلام: “شينوي” تدعم عملية السلام، عرفات ليس شريكًا، ويجب إجراء مفاوضات مع أوساط فلسطينية معتدلة. وقف “الارهاب” هو شرط أساسي لاستئناف المفاوضات. يجب إخلاء “المُستمسَكات” غير القانونية فورًا، في اتفاق الحل النهائي ستضطر اسرائيل لاخلاء المستوطنات أيضًا، مع إقامة الجدار الفاصل، مع أيجاد تسوية في القدس وإقامة الدولة الفلسطينية مربوط بالتخلي عن حق العودة؛

الاقتصاد الحر: “شينوي” تمثل الطبقات الوسطى التي تشكل العمود الفقري للمجتمع الاسرائيلي، العمل على تخفيض الضرائب المفروضة على هذه الطبقات، “شينوي” ترى نفسها ممثلة للمستقلين وأصحاب المهن الحرة: أصحاب المصالح، المديرين والموظفين، موظفي الهاي-تك، رجال الجيش في الخدمة الدائمة، المزارعين، بروفيسورات ومعلمين، متقاعدين وطلاب جامعيين- الطبقة المنتجة والمبدعة والمثقفة في المجتمع الاسرائيلي. يجب تسريع عملية الخصخصة والاندماج في الاقتصاد الغربي ضمن العولمة؛

الخدمة في الجيش: “شينوي” ترى في “قانون طال” الذي يمكّن الحريديم من التهرب من الجيش، تراجيديا قومية؛

التربية والتعليم: على الدولة أن توفر التعليم المجاني من الروضات وحتى الجامعات، وأن يعمل جهاز التربية على بث القيم الانسانية، الديمقراطية، الليبيرالية والتعددية؛

الهجرة والاستيعاب: “شينوي” ترى في قانون “العودة” حجرًا أساسًا في دولة إسرائيل، وتدعو إلى الاستثمار في إستيعاب المهاجرين الجدد وتشجيع الهجرة، يجب وقف مطاردة العائلات “المختلطة” (أحد الوالدين غير يهودي) من قبل المؤسسة الدينية؛

وثيقة الاستقلال: “شينوي” تؤمن بما جاء في وثيقة الاستقلال، وبالقيم الأساس لدولة إسرائيل كدولة صهيونية ويهودية، مفتوحة أمام كل يهودي، وتحظى فيها الأقليات بالحقوق بروح وثيقة الاستقلال.

هناك بنود أخرى طبعًا، ولكننا سنتركز في أهمها، المذكورة أعلاه. “شينوي” تعمل وستعمل من أجل بث مضمون واحد أساسي ومقدس بالنسبة لها: التخفيف عن الطبقة الوسطى. الاغراءات كثيرة لتسمية هذه الطبقة بالبرجوازية، ولكن هذه التسمية لن تكون دقيقة، لأن التطور المجتمعي والتاريخي في إسرائيل لم يمكّن من نشوء طبقة برجوازية بمفهومها الغربي، مما أنشأ ما يُسمى بـ “الطبقة الوسطى” وهي الطبقة التي تحوي كل المذكورين والمُفصّلين في البند الثالث من البنود أعلاه. هؤلاء هم مصوتو “شينوي” وهم الذين تغازلهم قيادة “شينوي”

إذا ابتغينا محاولة حصر هذه الطبقة من الناحية العددية في الدولة، فإنه بامكاننا القول بحذر إن هذه الطبقة تراوح من ناحية الدخل بين خانة “متوسط الأجور” في الدولة وبين خانة “أعلى من متوسط الأجور بدرجة” في الدولة، وهذه نسبة قد تصل إلى أربعين في المئة أو أكثر. مِن هؤلاء يحاول يوسف (طومي) لبيد، رئيس “شينوي”، أن يغرف الأصوات. حتى الآن، هو يقوم بمهمته على أتم وجه!

طومي الشرير!

كلنا نعرفه من برنامج “بوبوليتيكا” حين كان عضوًا في الثلاثي الصحفي في طاقم البرنامج، إلى جانب أمنون دانكنر والراب يسرائيل آيخلر. في ذلك البرنامج اكتسب صورة محددة وفظة: رجل المركز- اليمين، الحاد، كاره المتدينين والصهيوني الشبع المتخم. من أحبه، أحبه حتى النهاية، ومن كرهه- كرهه حتى النهاية. مع أن لبيد يقود حزب مركز، إلا أنه متعصب جدًا لأفكاره، وأبعد ما يكون عن التسويات. خاصةً في موضوع الحريديم وعلمانية الدولة. في لقاء معه لملحق صحيفة “هآرتس”، الجمعة الماضية، بدا واضحًا أن لبيد يشتاق إلى أوروبا. يشتاق إلى المناظر والناس والحضارة والثقافة. كابوسه الأكبر أن ينتصر الشرق في إسرائيل على الغرب. من هنا أيضًا كراهيته الكبيرة لـ “شاس”، حزب الشرقيين المتدينين. “شاس” تجمع شقي المعادلة التي يحاربها لبيد: متدينون وشرقيون. صداماته الكلامية العنيفة مع نواب “شاس” منذ دخوله إلى الكنيست عصية على الحصر. لكنه لا يرى نفسه عنصريًا. بالمرة. أحد أعضاء “شينوي” قال عنه في يوم الانتخابات الداخلية في فندق الشيراتون في تل أبيب: “لا شك في أن طومي لا يحب الشرقيين. لا يحب العرب ولا يحب الشرقيين. كل موضوع الشرق غريب عنه وينفر منه. لكنه يستعلي على الشرقيين بدون نية سيئة وبدون وعي ذاتي. هو عنصري من دون قصد”.

لبيد هو ناجٍ من الهولوكوست. ذكرياته من تلك الأيام هي التي تسيّره اليوم. والده الذي قتله النازيون قال له جملة أخيرة قبل أن يأخذوه: “لا تدعهم”. لا تدعهم يفعلون بك أو لك أي شيء. من وقتها وهو لا يسمح لأحد بأن يفعل ضده أي شيء. من هنا تمسكه بأوروبيته أمام الشرق، بعلمانيته أمام الحريديم، بصهيونيته أمام الديمقراطية الحقّة (الأوروبية، ويا للمفارقة). ومن هنا تميز حزب “شينوي” عند من يريد التصويت له. إبن الطبقة الوسطى في إسرائيل ملّ من أن يذهب إلى خدمة الاحتياط، فيما يتهرب غيره، من أن يدفع الضرائب الكثيرة، فيما يدفع غيره القليل، من أن يهضموا حقوقه ويستهزئوا بآرائه، من أن يتعامل معه الحزبان الكبيران، “الليكود” و”العمل”، وكأنه في جيبهم. من أن يصوّت لشخص “يدعهم” يفعلون. إبن الطبقة الوسطى قرر أن يضع ثقته في طومي الحاد والواضح، مقابل تأتأة الأحزاب الأخرى. للحق يُقال إن حزب “شينوي” لا يتأتئ فيما يقوله: إذا كان ضد فهو ضد حتى النهاية، وإذا كان مع فهو مع حتى النهاية. يمكن لمعارضيه أن يجادلوه في كل شيء، إلا في ذلك. وفي معمعان ما يحدث اليوم على الخارطة السياسية وداخل الأحزاب، فإن مواقف “شينوي” الواضحة والحادة هي أكبر كنز. إسألوا الاستطلاعات.

 لا لـ “ميرتس”

من جهة أخرى، كل التطورات السياسية والحزبية اليوم تلعب في صالح “شينوي”. “الليكود” يبدو اليوم، وفي كل يوم جديد، حزبًا فاسدًا استولت عليه عناصر إجرامية منظمة. إبن الطبقة الوسطى لا يريد حزبًا كهذا، يعرف أنه سينساه بعد الانتخابات لأن من يحكمه بالفعل ويُسيّره هم أعضاء “المركز” الذين يهتمون أكثر ما يهتمون بمصالحهم الضيقة. من جهة ثانية، لا يبدو أن حزب “العمل” برئاسة ميتسناع في طريقه نحو إحداث أي انقلاب. وفي الظروف الحالية يرى إبن الطبقة الوسطى أن هذه الانتخابات لن تجلب الحكم لـ “العمل”، بل هدفها الآن هو تقوية مكانة ميتسناع الداخلية، تهيؤًا ليوم “ما بعد الانتخابات”، والصراعات الداخلية. ومع إنعدام الفوارق الجوهرية بين ما يطرحه شارون ومن حوله من مؤيدي “الليكود” وبين ما يريده قسم كبير من حزب “العمل”، لا يجد إبن الطبقة الوسطى أي سبب في أن يبقى مخلصُا لهذا أو ذاك. بالنسبة له الآن، ما يمكن أن يشكل القشة المصيرية هو مصالحه الشخصية او الطبقية.

حزب “شينوي” واضح جدًا في بلاغه لابن الطبقة الوسطى: نحن معك ولك. صوّت لنا وسترى. هذا البلاغ يكتسب بُعدًا إضافيًا فيما لو أخذنا بعين الاعتبار عدم نجاح “ميرتس”، منافسة “شينوي” اللدودة، في التأثير طيلة السنوات الأخيرة، منذ انسحاب يوسي سريد من الائتلاف مع أيهود براك في العام 2000. وبالتالي فإن هبوط “ميرتس” في الاستطلاعات الأخيرة إلى (8) مقاعد فقط (10 مقاعد في الكنيست الخارجة و(11) مقعدًا في الاستطلاعات قبل ثلاثة أسابيع)، يشير بوضوح إلى رغبة قسم غير قليل من الطبقة الوسطى في تفضيل الطرح “العلماني- المركزي” على الطرح “اليساري- العلماني”، الآن على الأقل. وعلى الرغم من أن الصراع الفلسطيني- الاسرائيلي هو مركز ما يدور في الدولة، إلا أن الكثير من الاسرائيليين يفضلون التركز في الحياة الداخلية في الدولة، والاعتقاد بأنّ الصراع يدور في مكان آخر!

* * *

اليوم، هناك حوالي (20%) من المصوتين يعتبرون من المترددين. لا أحد يؤمن حقًا بأن نصفهم أو أكثر سيصوتون لـ “شينوي”. ولكن قسمًا منهم سيصوت. وهذا قد يرفع “شينوي” بمقعد أو اثنين. في المحصلة قد تتحول “شينوي” إلى القوة الثالثة في الكنيست بعد “الليكود” (35 مقعدًا بحسب آخر الاستطلاعات) و”العمل” (22 مقعدًا). إذا حصلت “شينوي” على (17) مقعدًا في النهاية (نفس عدد المقاعد التي كانت لـ “شاس” في الكنيست الخارجة) فإن الائتلاف بين هذه الأحزاب الثلاثة سيرتكن إلى (74) مقعدًا، وهو إئتلاف قوي جدًا. فيما لو تم مثل هذا الائتلاف الذي يدعو إليه لبيد كل يوم، فإن إسرائيل ستتحول نهائيًا إلى دولة مركز قومية. ودولة مركز يمكنها أن تجنح لليمين تارةً ولليسار تارةً، بحسب الظروف والمعطيات. هل حكومة مع “شينوي” هي في صالح الفلسطينيين؟.. لا نعلم بعد. ولكن ما هو مؤكد أن طومي لبيد سينضم إلى شارون ضد ميتسناع في رفض إدارة أية مفاوضات مع عرفات.

(نُشرت هذه المادة في ملحق “المشهد الإسرائيلي” في كانون الأول 2002)

 

تعليقات (0)
اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *