أن تتضامن أو لا تتضامن- هذه هي المسألة!

وجدت نفسي أفكر في بدء حملة تضامن مع جميع قتلى العراق. ولكن عندها سيظهر بكلّ وضوح أنّ هذه الحملة تأتي كردّ فعل على حملة التضامن مع المسيحيين في العراق، وستُفهم حملتي على أنها تهرب من الحملة الأولى من منطلقات طائفية!

 علاء حليحل

تصلني منذ قرابة الأسبوع رسائل في البريد الكهرَبيّ الشخصيّ وذلك الخاصّ بموقع “قديتا”، تطالب بالدخول إلى الفيسبوك وتسجيل توقيع تضامن (أو الانضمام إلى مجموعة، مش متأكد، أنا لست متمرسًا في الفيسبوك) مع ضحايا مجزرة كنيسة “سيدة النجاة” في العراق، واستنكار هذه الهجمة الدموية.

منذ اللحظة الأولى هزّتني هذه الحادثة، انطلاقًا من تضامني الفوري والبدئيّ مع كل أقلية (دينية، قومية، اجتماعية، جندرية)، وخصوصًا ما يعانيه المسيحيون كأقلية في العالم العربي (مصر كمثال؛ والآن دول طالبان الجديدة التي تهجم على “الصليبيين”)، وعندنا في الداخل الفلسطيني، وأمثلة طرعان والمغار والرامة لا تختزل التهجمات بالأسلحة والحرق والضرب على المسيحيين من طرف الطائفة الدرزية أو الإسلامية.

وهكذا، رغمًا عني، وجدت نفسي أحاول أن أجد تلك الصفحة اللعينة في الفيسبوك، ولكن كلمات مثل “هذه الصفحة غير موجودة” أو ما شابه كانت تتربّص بي وبنواياي كابنٍ غير فخور معدود على الأكثرية المسلمة. ومع الوقت، ازدادت وتيرة الحضّ على التضامن الفيسبوكيّ، وبين إيميل وإيميل وجدتُ نفسي أهدأ قليلا وأسأل بصوت خافت خجول (عَشني مسلم): “طيب ليش أستنكر هاي الحادثة؟.. مَهوي العراق من كم سنة ملعون فاطس إمه وكل يوم بموتوا العشرات؟”

وقد حالفني الحظ حين انكشفت اليوم على تعليقات متوترة بين أصدقاء لصديقة لي على الفيسبوك، جميعهم من المسيحيين أبناء الأقلية الصامدة، وبعضهم يستنكر حملة الاستنكار والبعض الآخر يؤيّديها ويدعمها. المستنكرون للحملة يقولون إنّ هذه الحملة يجب أن تكون ضدّ القتل في العراق من دون علاقة بطائفة معينة، ويسألون السؤال الذي سألته أنا بهمس (عشني مش مسيحي): لماذا استنكار القتل فقط عند قتل المسيحيين؟؟ في المقابل يرغب الداعمون للحملة في التشديد على الجريمة التي حصلت، من دون أن يُلزموا بتقديم التفسيرات بشأن حصر حملة الاستنكار في طائفة معينة، وإبقاء الحملة في خانة الإنسانية العامة.

وهكذا، صار وضعي أصعبَ! هل أستنكر أم لا أستنكر- هذه هي المسألة. وهي ليست هينة لمن يعتقد ذلك. فقد يسأل سائل: لم نرَكْ تتضامن أو توقع على أيّ شيء ضد القتل في العراق ضد جميع الطوائف والأقليات العرقية منذ العام 2003، فما الذي جرى يا ترى؟ وأمام مثل هذا السؤال يبرز معطى آخر: إنها حملة التوقيع الوحيدة التي وصلتني. هل هذا كافٍ؟ لا أعتقد أنّ هذا كافٍ.

وهكذا وجدت نفسي أفكر في بدء حملة تضامن مع جميع قتلى العراق. ولكن عندها سيظهر بكلّ وضوح أنّ هذه الحملة تأتي كردّ فعل على حملة التضامن مع المسيحيين في العراق، وستُفهم حملتي على أنها تهرب من الحملة الأولى من منطلقات طائفية!

إنهم يقتلون المسيحيين أيضًا/ سنان أنطون

إنها ورطة حقيقية. تمامًا مثلما يُحاججك أحدهم بهدوء ولكن بصراحة (لأننا مسلمون): “أكم شهيد مسيحي بتعرف؟” وعندها تحاول أن تقول له إنّ “الشهادة” ليست وحدها المقياس على الانتماء الوطني والاخلاص للقضية، وتطرح سؤالا خبيثًا: “يعني كل المسلمين الذين لم يستشهدوا ليسوا وطنيين؟؟” وفي معمعان الطائفية المختفية بخطاب وطنيّ-استشهاديّ، تجد نفسك (أكثر من مرة) تدافع عن المسيحيين العرب باستماتة، مع أنك لا تحبّ تعريفهم والتحدث عنهم حسب ديانتهم كعلمانيّ جلمود.

تعسًا للعالم! ألا يستطيع المرء أن يوقع على عريضة ضد القتل والاعتداء على كنيسة من دون أن يطرح على نفسه ألف سؤال؟

وخلاصة الأمر؟

خلاصة الأمر أنني لم أوقع للآن، لأسباب بدأت كتقنية وهي سجالية هاجسية الآن. سأنتظر حتى يحسم إخوتي المسيحيون أمرهم وعندها سأقرّر مع الأقلية. سأكون وسطيًا في هذه الحالة، فقد أصير محبوبًا؛ ولكن هل ستثير هذه المقالة المَحبة أم الكراهية؟ لا أعرف. فقياسًا بمقتل 52 قتيلا في الكنيسة ومئات الآلاف في العراق كله- يبدو السؤال ترفًا كتابيًا بغيضًا.

 (نشرت هذه المادة في موقع قديتا بتاريخ 10  تشرين الثاني 2010)

تعليقات (0)
اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *