شاهدتُ الزواج الملكيّ- لم أشاهد الزواج الملكيّ/ علاء حليحل

شاهدتُ هذا الحدث المميّز والخاصّ لأنني أحبّ أن أكون جزءًا من العالم الذي تُعدّه لنا العولمة بقيادة يوتيوب وفيسبوك ■ لم أشاهد هذا الحدث الكريه والمُخدِّر لأنني لن أستسلم لرداءة العالم الذي تُعدّه لنا العولمة بقيادة يوتيوب وفيسبوك

علاء حليحل

1

شاهدت الزواج الملكي

كان عليّ أن أكون في حيفا ظهر أمس الجمعة، لكنني اعتذرتُ لأنني “مشغول مع البنت وحدي”، ثم شغلت اللابتوب واليوتيوب والفيسبوك والتلفزيون، كي أكون مُحيطًا قدر الإمكان بكل التفاصيل المخططة والمعروفة سلفًا بسير يوم زفاف الأمير ويليام على الأميرة كاثرين. إنه حدث إعلامي كبير، غلوبال، غير مسبوق، ويجب أن أكون جزءًا منه، أنا سليل الواي فاي والبلاكبيري والآيبد الجديد الذي “على وصول”.

لا أفهم المعارضين أبدًا؛ يدعونك كي تعتكف في بيئتك الكونية الجديدة وكأنك ترتكب إثمًا حين تقرّر أن تكون جزءًا من هذا اليوم الترفيهيّ. خططتُ لشراء قنينتي بيرة وبزورات وقلت للبائع تحت العمارة إنني سأشاهد عرس الأمير وأميرته، فانطلق في مونولوج غريب عجيب، بدأ بسبّه لتفاهة هذا الحدث وانتهى بسرد تفاصيل (مُملة جدًا) عن متابعته هو وابنته ليلة أمس للتفاصيل الواردة في الإنترنت عن الحدث المخطط، ولم يستطع أن يخفي انعجاقه، فانعجقت معه وقررت شراء قنينة بيرة ثالثة.

لا مانع أن يبحث المرء عن الترفيه في هذه الدنيا الصعبة. ماذا سيحدث لو استسلم العالم ليوم واحد فقط للحديث عن فستان الأميرة وأمير الأميرة وعربة الأميرة وأم الأميرة، ثم أخت الأميرة الشقفة، التي شقفت لنفسها قطعة كبيرة من كعكة الاهتمام الكونيّ، فدخلت مؤخرة التاريخ ومقدمته من أوسع كاميراته. إنه عزاء الفقراء، عزاء المَعوزين والرماديين وأطنان الموظفين والعمال وربات البيوت والسكرتيرات والطبيبات، يبحثون عن ترفيه جيد، جميل، حالم، مليء بالإثارة والحبّ والرومانسية. هل سنستكثر هذا على الجماهير الغارقة في عذاباتها التي لا تنتهي؟

يوم واحد يا رفاق لن يقتل العالم؛ يوم واحد نتحوّل جميعنا فيه إلى سندريلا، نرقص في ساحات البلد (لندن) ونروي لأبنائنا وبناتنا عن الأمير الذي تزوّج أميرة أجمل من أمّه الأميرة، بعد أن قتلوا أمه الأميرة. سنحيا هذا الحلم للحظة، رغم الشائعات العنيدة التي سمعتها ليلة الخميس بأنّ الأمير مثليّ أصلاً!

لقد شاهدتُ هذا الحدث المميّز والخاصّ لأنني أحبّ أن أكون جزءًا من العالم، الذي تُعدّه لنا العولمة بقيادة يوتيوب وفيسبوك.

2

لم أشاهد الزواج الملكيّ

لا تتوقف ماكينة العولمة القبيحة عن إنتاج نفسها مرّة بعد مرة. ماذا يعنيني أنّ تافهًا في منتصف العشرينات وُلد مع ملعقة ذهبية في مؤخرته، سيتزوج اليوم؟ أية فائدة ستعود عليّ من هذا المهرجان الرأسمالي الذي يفوح إمبريالية عاهرة سئمناها منذ سنين طويلة؟

المعلقون أكدوا أنّ هذا الطقس أعاد بريطانيا إلى الحضن المُحافظ الدافئ، وأنّ رئيس الحكومة الجديد المحافظ (كاميرون) تلقف هذه الهدية من السماء كي يُرسي حكم المحافظين لسنوات طويلة ستأتي. عربة ملوكية، فستان بطول الدنيا وعرضها، جماهير غفيرة خرجت إلى الشوارع كي تعيش حلمًا واهيًا، بدلاً من أن تخرج إلى الشوارع لمحاربة التقليصات الحادة التي ستقضي على معظم مقوّمات الرفاه الاجتماعي في المملكة العظمى.

أكثر من ملياري إنسان تخدّروا طيلة اليوم وهم يراقبون طقسًا دينيًا وثنيًا يجري في كنيسة أنشأها ملك ممحون غضب لأنّ البابا في روما لم يسمح له بالزواج والطلاق على كيفه. هذه العولمة السطحية، التجارية، غير المجدية. الجماهير التي تناضل من أجل رغيف الخبز لا تملك الحق في الاستسلام لمثل هذا الخدر. الإعلام هو أفيون الشعوب الجديد، والقصر البريطاني فنان في صنع القصص التي تُغذي هذه الماكينة من فترة لأخرى.

يجب أن نقول لهذه الكونية الداهمة: نحبك حين تكونين مسرحًا للثورات واسترداد كرامة الشعوب، لكننا نكرهك حين تتحولين إلى مسرح لأداء مسرحية سخيفة على حسابنا وحساب ذكائنا وما تبقى من اهتمامنا بما يجري من حولنا ويستحق الاهتمام حقًا.

لم أشاهد هذا الحدث الكريه والمُخدِّر لأنني لن أستسلم لرداءة العالم الذي تُعدّه لنا العولمة بقيادة يوتيوب وفيسبوك.

(نشرت هذه المادة في موقع قديتا بتاريخ 30 نيسان 2011)

تعليقات (0)
اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *