300 كلمة في اليوم (5): من سيُآبي الهَسْبَراه؟
الضجة التي تشغل القاصي والداني هذه الأيام، حول نجمة “شاؤوا وأباؤوا”، ذكّرتني بما سمعته من أحد النشطاء الفلسطينييّن ونحن في جولتنا بالضفة المحتلة بخصوص كتاب “مملكة الزيتون والرماد” الذي صدر لذكرى خمسين عامًا على احتلال 67. حدّثنا هذا الناشط حول تجربته مع “الهَسْبَراه” الإسرائيليّة في الجامعات الأمريكيّة ونجاحه بالانخراط في هذه الحملة كـ “طابور خامس”.
فبعد أن نجح بالانخراط في الاجتماع الأوّل لمجموعة طلاب جامعيّين في هارفرد داعمين لإسرائيل، انكشف على بعض التقنيات والأحابيل التي قام بتمريرها للمجموعة مُمثل عن وزارة الخارجيّة الإسرائيليّة. الأمر بسيط للغاية، وهذه التعليمات الأساسيّة للطالب الجامعيّ المؤيّد لإسرائيل في معركته الضعيفة أمام غالبية الجامعيين الأمريكيين المناهضين لإسرائيل وسياساتها:
“نحن لن نحاول إقناعك بأنّ إسرائيل على حقّ، ولا بأنّ الفلسطينيّين أشرار. نحن نريد منك أن تنتبه إلى حقيقة بسيطة وواضحة: أنتَ لا تفهم بالسياسة. هذه أمور معقّدة، لا تملك بشأنها المعلومات الوافية التي تحتاجها لتكوين رأي حول المسألة. عُدْ إلى دراستك واهتمّ بها ودعِ السياسية لنا.”
“الهسبراه” الإسرائيليّة تعرف أنّ صورة طفل أمام جنديّ مسلح ستهزم أيّ دعاية أو بروباغندا، ولذلك فهي تهتمّ بإقناع الناس بترك الانشغال بمسألة “معقّدة” لن يفهمها المواطن العاديّ. وهذا يذكّر طبعًا بالتحريض على القيادات الفلسطينيّة في الداخل بأنّ النواب العرب في الكنيست “يتحدّثون في السياسة”. هل رأيتم مرةً نائبًا في البرلمان، سياسيّ بوجوده وعمله وكيانه، يُتّهم بأنّه يتحدّث في السياسة؟
هذه الصبيّة هي العارض وليست المرض. المرض دمج معقد وغريب بين دولة تحريضيّة وعدائيّة بمشروعها الاحتلاليّ-المسيحانيّ، وبين انهيار المشروع الوطنيّ الفلسطينيّ وتشرذم القيادات، وفشل الطرح الذي يسعى للمواءَمة بين العمل الوطنيّ والحقوق المدنيّة داخل الدولة، وبين خوف يتملّك الناس ممّا يحدث من حولنا وتغلغل مقولة “منيح اللي إحنا في إسرائيل”. هكذا تجد هذه الصبيّة نفسها في هذا الموقف، تحاول أن تصبح “شخصًا ما” في دولة إسرائيل، محاطة بآلاف مثلها يؤدّون الخدمة المدنيّة الإسرائيليّة ويحلمون بالهايتك الإسرائيليّ.
والعمل؟.. العمل يبدأ بالاعتراف بفشل العمل السياسيّ الذي عرفناه للآن والتفكير بالهسبَراه خاصتنا من جديد.
(لتدوينات الـ “300 كلمة” السابقة)