الوجهة: برلين (1)
أعود إلى برلين للمرّة الثالثة. هذه ستكون المشاركة الثانية في مهرجان الأدب الدوليّ فيها (الأولى كانت عام 2009)، والزيارة الثالثة كانت في احتفاليّة المسرح الفلسطينيّ بمسرح “شاوبينه”. يبدو أنّ هذا السبب من وراء ارتباط هذه المدينة الساحرة لديّ بالأدب والثقافة، رُغم أنّها مركز كبير للنوادي الليليّة والتسوّق والترفيه والصياعة على مختلف مستوياتها. أكتب هذا وأتذكّر الطرفة عن الشخصيْن اللذيْن التقيا في الطائرة المتوجّهة إلى اسطنبول. بعد أسبوع التقيا في الطائرة العائدة منها، فقال الأول: أيّ مدينة هذه! طافحة بالمساجد ودور العبادة والزوايا الصوفيّة. فقال الثاني: أيّ مدينة هذه! طافحة بالحانات والنوادي وحياة الليل والسهر والسُكر. هكذا هي المدن الكبرى الفاتنة، تجد فيها كلّ ما تبحث عنه، ويجد فيها غيرك كلّ ما يبحث عنه أيضًا.
وكنتُ فيما مضى قد كتبتُ عن التجربة المضنية التي مررتُ بها أثناء زيارتي الثانية لبرلين (عبير تقول دومًا إنّ كلّ النهفات الغريبة وقت السفر تحدث معيّ أنا فقط!)، وآمل ألاّ أتعرّض هذه الزيارة لنهفات زائدة. فالمهمة الأولى والأساسيّة لهذه السفرة التبضّع بمخزون ملابس شتويّة لشذا ومحمود. أمّا الأدب ومسائله فهي في المرتبة الثانية، وفي الثالثة تحلّ غاليريهات الفن التشكيليّ المعاصر، ثمّ شراء معطفيْن شتوييْن لي من دكاكين الملابس المستعملة والفينتاج. أمّا شرب الإسبريسو والأمريكانو والنبيذ الأبيض المُطعّم بالماء الغازيّ والجعة الألمانيّة فهي محطّات إجباريّة ودائمة؛ فمن أكبر المُتع في المدن الكبرى التوقف كلّ نصف ساعة لاحتساء شيء ما في مقهى مثير للنظر أو للروائح، على الواقف، لدقائق معدودة، والمضيّ قدمًا في فتح المستور.
الساعة الآن الرابعة وخمس دقائق صباحًا. وصلت مطار اللد قبل موعد الطائرة بأربع ساعات ونصف، بسبب تعسّر المواصلات ليلة الجمعة في دولة اليهود والاضطرار لامتطاء تاكسي السرفيس للمطار في الساعات التي يقرّرونها هم لا أنتَ. أنتظر قائمة مشتريات الديوتي فري من عبير بمختلف الكريمات والمستحضرات، ويبدو أنّني سأعود لقراءة رواية “حلم السلطي” لصديقي يوسّا لأنّ التشيك إن للطائرة لن يبدأ قبل الخامسة.
أنا لا أحبّ السفر كثيرًا. أعرف أنّ هذه الجملة تغيظ الكثيرين، خصوصًا إذا علمتم أنّ كلّ سفراتي في السنوات الأخيرة “على حساب الشعوب”. دلال ما بعده دلال. لكنّني لا أعرف أن أكون سائحًا. قبل سنوات كنتُ في باريس واكتشفت أنّني لم أخرج من الفندق ليوميْن كامليْن، ومن شدّة الحرج الذي سبّبه لي هذا الاكتشاف لم أخبر أحدًا بذلك من وقتها. يُعطي الأقراط لمن لا أذنيْن له!
الرابعة و47 دقيقة. سأتحرّك إلى التشيك إن كي أقتل ساعتين أخرييْن في منطقة ديوتي فري. #احذر_مصروفات_أمامك