300 كلمة في اليوم(4): “نتفليكس” ما استطعنا إليها سبيلا…
لا بدّ أن يأتي باحث يومًا ما ويثبت الفرضيّة التي أفكّر بها مؤخرًا: كلما تطوّر العلم وزاد عمر الإنسان سنينًا، خفّت حماسته ورغبته بالعيش بالطول والعرض.
في السّابق كان معدّل عمر الإنسان أقصرَ بكثير: 25-30 في العصور الوسطى، 30-40 مطلع القرن العشرين، وليرتفع في أيامنا إلى 66 عامًا كمعدّل عالميّ، فيما يبلغ معدل الأعمار في الغرب 77 عامًا. تصوّروا إذًا الفتور وعدم التعجّل اللذيْن بدأا يسيطران على نهج الحياة: إذا كنتَ تعيش 40 عامًا في السابق فعليك أن تحقّق ما استطعت من المُتع والإنجازات والواجبات قبل أن تموت سريعًا.
أمّا الآن، معظمنا يعرف أنّه سيعيش في المعدّل 75-80 عامًا ولذلك فلا حاجة للعجلة: يمكن للمرء أن يتزوّج في سنّ متأخرة، وأن يصبح أبًا لأول مرة في منتصف سنوات الثلاثين، وأن يدرس ببطء ولأكثر من لقب من أجل “إثراء الذات”. هل كان والد جدّي في قديتا يفكر في الذهاب للجامعة لإثراء ذاته وهو في الثلاثين من عمره، مع عشرة أولاد وعشر سنين أخرى للعيش؟
الابتعاد عن النهاية يجعل الطريق أطول وأكثر اختلافًا. اليقينُ بأنّك ستعيش ما يكفي من السنوات ومن دون استعجال بدأ يجعل منّا كائنات حيّة غريبة تستطيع أن “تُبحِّط” أمام الشاشة لعشر ساعات في مشاهدة “بينج” لمسلسل على النتفليكس. هل كنّا نجرؤ على مجرّد التفكير بذلك لولا أنّنا نعرف أنّ العمر طويل بإذن الله وعلاجات “الكِيمُو”؟
كيف على المرء أن يعيش، إذًا، في الأوقات المتقطّعة بين مسلسلات نتفليكس؟.. “عِشْ كمُنتصر، عِشْ ما استطعتَ، فالموت السرمديّ بانتظارك دومًا”، كتب تيتوس لوكريتيوس كاروس قبل أكثر من 2000 عام، حين كان معدّل الأعمار 30 سنة (هو نفسه عاش 44 عامًا، ومات طاعنًا في السنّ!). هل ينطبق هذا علينا اليوم؟ هذه الدعوة الرّعناء، المُحرّضة، الماجنة في قلّة رصانتها وانضباطها؟ كيف يعيش “كمُنتصر” من يحيا عبدًا لقرض الإسكان الشهريّ وأقساط السيارة والأثاث ودورات الأولاد؟
هل يكون الانتصار الحقيقيّ في هذا العمر الطويل المنهك الذي يعدوننا به، أن نُبحّط أمام نتفليكس “ما استطعنا” إليها سبيلًا؟
(لتدوينات الـ “300 كلمة” السابقة)