300 كلمة في اليوم (9): ريفلين والبطّيخ
بدأت أمس (الاثنين) الدورة الشتوية للكنيست، وأثار خطابا رئيس الدولة، ريئوفين ريفلين، ورئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، أصداء وردودًا برز من بينها ردّ مُركز عمل الائتلاف في الكنيست، دافيد بيطان: “ريفلين ليس منّا”. في اللقاء الذي أجرته معه القناة العاشرة ليلة أمس حاولت مقدمة النشرة تمار إيش شالوم أن تفهم منه من يكون هؤلاء “النحن” الذين لم يعد ريفلين منهم، وهو الليكوديّ العريق، لكنّه لم يُعطِها إجابة حاسمة.
هكذا، نكأ ريفلين الجرح الذي بدأ يتقيّح ويتّسخ في السياسة الإسرائيليّة، التي بدأت تنزع للفاشية المُمَأسَسة، ليثير أسئلة صعبة أمام اليهود الإسرائيليّين، تنسحب علينا نحن أيضًا، كفلسطينيّين مواطني الدولة. فمن جهة نسمع ونقرأ تصريحات وكتابات لفلسطينييّن من الداخل يعتبرون ما يحدث من صراع سياسيّ بين اليهود في إسرائيل أمرًا لا يعنينا، من مبدأ “بطيخ يكسّر بعضه”، ولأسباب صحيحة تاريخيًا ولا نقاش عليها: دولة إسرائيل مشروع دينيّ- مسيحانيّ تغلّف بممارسات كولونياليّة قام على حسابنا وحساب فلسطيننا، ولذلك فإنّ الصراع على هوية الدولة وطابعها ودفة حكمها ومستقبلها يظلّ أمرًا لا يعنينا، وهو شأن إسرائيليّ داخليّ. وبالفعل: ما هي إسرائيل التي يحنّ إليها ريفلين ويتوق للحفاظ عليها؟ احتلال وتهجير وعنصرية مغلفة بقوانين “دستورية” ومحكمة عليا ومؤسّسات حقوق إنسان وصحافة “حرّة”. ويقول الكثيرون: لذلك، ما يحدث الآن من تطرف وفاشية زاحفة هو أفضل لنا كفلسطينيّين لأنه ينزع الأقنعة عن هذه الدولة.
بالمقابل، وعلى النقيض، هناك من يزال يصرخ هلعًا وخوفًا على “الديمقراطيّة الإسرائيليّة”، ويرى في إسرائيل التي يستميت ريفلين للحفاظ عليها توليفة يمكن العيش معها والنضال من داخلها وفق الأدوات المدنيّة والقانونيّة المتاحة.
المشكلة ليست بالاختلافات في الرأي، بل في تجاهل أنّ ما يحدث مصيريّ لنا، وفق المنظومتيْن اللتيْن أشرت إليهما على حدّ سواء. لكن القيادات السياسية لا تردّ إلّا بتصريحات ممجوجة وأوتوماتيكيّة، من طرفيّ المنظومتيْن. الانشغال بما يحدث إسرائيليًّا الآن ليس ترفًا ولا تأسرلًا ولا احتضانًا لإسرائيل ريفلين القديمة؛ على القيادات أن تضع برنامج عمل مدروسًا للسنوات القادمة من منطلق بسيط: البطيخ الذي يكسّر بعضه الآن، سيتكسّر على رؤوسنا أولًا وأخيرًا.
(لتدوينات الـ “300 كلمة” السابقة)