300 كلمة في اليوم (3): أوسكار الطُبّيلة!
يغشغش محمود الدحدوح ضحكًا ونحن نشاهد معًا حلقات مسلسل التحريك (أنيميشن) “واحة أوسكار”. أوسكار هو حردون طُبّيلة كما نسمّيه عندنا في البيت. دحدوح يتعامل مع أوسكار على أنّه حردون عاثر الحظ دومًا، يقع في المتاعب والمشاكل، التي تنبع في غالب المرّات من الثلاثيّ المشاكس و”الشرير”: بوبي الثعلب؛ باك النسر؛ وهارتشي الخنزير. كلهم يعيشون في الصحراء، يعانون العطش والجوع، ويسعون لتحصيل مآربهم في حروبات صراع بقاء وهيمنة لا تنتهي.
دحدوح يهتمّ بشأن أوسكار كثيرًا، رُغم أنّه “طُبيلة”، وربما لأنّه كذلك بالذات. تراه يتبطّح على الكنبة الكبيرة في الصالة ويسأل من مرة لأخرى: “بابا ثَح أوثكار طبيلة؟.. بابا ليث النثر هيك عمل؟”.. وهكذا. يضحك بقوة عندما تنتهي مساعي أوسكار بمطبّ كبير مؤلم. ولأنّ الألم في الكوميديا يثير الضحك لا التضامن والبكاء (لهذا حديث آخر)، يتحوّل أوسكار إلى صديق شخصيّ للدحدوح، أشبه بأولئك الأصدقاء الذين تتذكّرهم من المدرسة: تحبّهم، لكنك تحبّ إذلالهم أو الضحك عليهم (سيأتي يوم وأعتذر من هذا الصديق الذي كنت أنكّل به في المدرسة الثانويّة!).
ومنذ أشهر طويلة وقع دحدوح ضحيّة لنهج الإعلام الترفيهيّ والإنتاج الدراميّ الغربيّ لعقود: عليك أن تعرف من هو الخيّر ومن هو الشرير كي تستطيع مشاهدة فيلم أو مسلسل ما. يجب أن تترتّب هذه المعطيات “الأخلاقيّة” أولًا قبل أن تستسلم للوهم المتخيّل الذي يأخذك العمل إليه، فيضحكك أو يبكيك. لذلك يُصرّ دحدوح على أنّ الثلاثيّ “الثعلب والنسر والخنزير” هم الأشرار، وأوسكار هو ضحيتهم؛ حردون تعيس يحاول أن يلعق شربة ماء من قنينة زجاجية مرميّة في الصحراء، أو أن ينجح بسرقة بيضة من القنّ من دون أن تشبعه الدجاجات نقرًا ونتفًا. لكنّ دحدوح يحبّ العقوبات التي يتلقاها أوسكار من الدجاجات، ويفرح لعذاباته، فيقهقه عاليًا لذلك. هل يكون دحدوح بذرة ساديّ مستقبليّ؟ أم أنّ معادلة الخير والشرّ في هذا البرنامج ليست واضحة تمامًا؟…
في كل الأحوال، تتحول مشاهدة مغامرات “أوسكار الطبيلة” في أوقات الفراغ إلى تجربة مثيرة ومضحكة ومحفّزة، لي (لأسبابي الخاصة) ولدحدوح ودشدوشة (كلٌ، لأسبابه الخاصة أيضًا)…
(لتدوينات الـ “300 كلمة” السابقة)