300 كلمة في اليوم (27): فخّمَ يُفخّم تفخيمًا
حسنًا، بعد 26 تدوينة في حملة “300 كلمة في اليوم”، جاءت اللحظة الحتميّة: ماذا سأكتب اليوم؟
حين تحين هذه اللحظة فاعلموا، أثابكم الله، أنّ الكاتب نضبت جداوله ونشفت غُدران أمواهُه، وبات حائرًا ساهرًا لا يني ولا يرومُ. لكنّ السؤال حول الكتابة، بغضّ النظر عن الأزمة الحاليّة العابرة، ما يزال حاضرًا قويًا، خصوصًا في عصر الميديا الاجتماعيّة الذي نحياه اليوم: فكلّ ستاتوجيٍّ منفلوطيٌّ، وكلُّ ليّيكةٍ نوالُ (السعداوي). فما الجدوى إذًا من الإصرار على الكتابة، نصًا من 300 كلمة، وهل التدوين الذي نعرفه بات قاب ترامبيْن أو أدنى؟
الردود التي تصلني على تدوينة “300 كلمة في اليوم” كثيرة بشكل مفاجئ وصادم، وكلّها مشجّعة ومرحّبة، حتى في “الإنستا”، شبكة الصور والفيديوهات بلا منازع. وهناك، في “الإنستا”، أشعر أكثر من أيّ مكان بأنّي غازٍ محتلّ، أطأ أرضًا ليست لي، غُربة باردة تُلحّ عليّ كأنّي بقول المتنبّي: “ولكنّ الفتى “الكاتب” فيها/ غريبُ اليد والوجه واللسانِ”. مع ذلك، يُصرّ روّاد “الإنستا” على أنّ نشر التدوينة في هذه الشبكة مفرح ومنعش ويختلف عن باقي المواد، فأدعو لهم بالخير وبطول العمر وبالماء المسكوب.
ومع ذلك، يظلّ سؤال السبب عن الكتابة والنشر ماثلًا، حتى في سياقاته المضحكة الطريفة. فالأضحوكة تحكي عن الكاتب الشهير جورج برنارد شو، لا أوقعكم الله بلسانه، حين قال له كاتب حقود لا يحبّه: “أنا أفضل منك، فإنك تكتب بحثا عن المال، وأنا أكتب بحثًا عن الشرف.” فردّ عليه برنارد شو: “صدقت؛ كلّ منا يبحث عمّا ينقصه”! فالحاجة لالتقاء الدافعين لا فكاك منها ولا نجاة: دافع الكتابة ودافع القراءة. الأول يطلع من ثنايا حبّ التأثير والبروز والمَلاحة، والثاني يأتي من حبّ الاستفادة والإفادة (من يقرأ، يقرأ على أقرانه).
(أرأيتم؟.. كيف لجأت إلى الصياغات الشعرية، التفخيميّة، الإيقاعيّة، الزركشيّة، كي أغطّي على غياب المضمون الحقيقيّ؟.. حسنًا، الحقيقة أنّ هذه هي الغاية الحقيقيّة من هذه التدوينة، وليس ما تقدّم. حين تحلّ اللغة محلّ الأفكار، حين يحلّ الانتحال محلَّ البلاغة. واشفع لنا يا شفيعُ من التفخيميّين وغلاة التشبيهيّين والاستعاريّين بين ظهرانينا!)
(لتدوينات الـ “300 كلمة” السابقة)