300 كلمة في اليوم (16): جوني ماذَر فاكِرْ!
تستمرّ فرقة “دام” بريادة تامر نفّار بخطّها النقديّ القويّ، المشاكس، المُتحدّي: للخارج على الصعيد السياسيّ، وللداخل- على المستوى النقديّ الاجتماعيّ. أغنية “جوني ماشي” الأخيرة تتبع للشقّ الثاني، وهي أغنية ممتازة على كلّ الأصعدة: الكلمات، اللحن وإخراج الكليب، الذي أبدعه اسكندر قبطي وفق فكرة استثنائيّة.
بين “عرب الشمينت” و”عرب الفوريكس” وأفكار “الخليفة البغدادي”، يتنقل نفار بين أمراض مجتمعنا الفلسطينيّ في الداخل، عبر الحديث مع “جوني”. وجوني لمن لا يعرف هو جوني ووكر، شركة الويسكي العالميّة التي تنتج ويسكي “رِدْ ليبل”. السكّيرة من أبناء جيلي يذكرون يوم كان “الرِّدْ” صرعة جديدة في قاعات أعراسنا، ثم أصبح اليوم مَسبّة وشتيمة، بعد دخول “بلاك ليبل”. فإذا تجرّأ أحدهم على “تنزيل” ويسكي رِدْ ليبل على الطاولات فإنّه سيصبح ملطّة القوم لسنين طويلة.
“تمّ تصوير هذا الفيديو كليب على يد الجمهور” يبدأ الكليب بشريحة سوداء. ثم تبدأ الشاشة بالتجزؤ والانقسام، بلا توقف، في هرمونيا كبيرة بين المضمون والشكل: عشرات المقاطع التي صوّرها أناس من الجمهور، مقاطع “فرونتال” للفرقة والكثير من السيلفي للمصوّرين ومن خلفهم. التحام ذكيّ وقويّ نشأ عبر توليف (مونتاج) ذي أيقاع سريع ألغى الفاصل بين المنصّة والجمهور، لتنتج عنها مقولة جماليّة فريدة وغير تقليديّة: المقاطع السريعة غير المترابطة للوهلة الأولى (فراغمنتس) التي تنتج كُلًا أكبر من مجموع أجزائه. تمامًا كما الحياة وتفاصيلها الكثيرة.
تامر نفّار فنان أدائيّ (بيرفورمانس) نادر وآسر، حضوره طاغٍ، مخلص لما يفعل ويعطي “كلّ ما يملك” على المنصّة. هذا هو سرّه: يحافظ بإصرار وقوّة على جذوة الغضب التي يجب أن تكمن في صلب الهيب هوب… التمرّد شيء، والتمرّد بإصرار وبلا كلل شيء آخر تمامًا.
أصرّ قبطي على إدراج عشرات الأسماء من جمهور “دام” التي شاركت في تصوير المقاطع، كخاتمة مضمونيّة تلخّص الفكرة الأساسيّة للفعل النقديّ المتأمّل: كلّنا نعرف “جوني”، وكلّنا لدينا ما نقوله عنه. بالصوت والصورة وكاميرا الموبايل التي أضحت عين الأمّة الساهرة (للسلب والإيجاب).
تامر نفّار يطلب من “جوني” أن يأخذه إلى كوكب من دون جاذبيّة. صحّة!
(لتدوينات الـ “300 كلمة” السابقة)