السجادة (مقطع)
حبيبتي؛
هذه هي الرسالة الأولى التي أبعث بها اليك بعد أكثر من نصف سنة. ولا تحسبي أنني أخرق بذلك الاتفاق الذي وضعناه –أو وضعته أنا وفرضته عليك- وهو قطع كل صلة بيننا، ليبدأ كلٌ منا مشواره الجديد لوحده. لا زلت أومن بأن هذا الاتفاق هو أفضل ما يمكن فعله أمام التلكؤ والميوعة اللذيْن رافقا انفصالنا عن بعضنا البعض، وما سبّبه ذلك من ألمٍ كبيرٍ لي.
وأنا أبعث اليك بهذه الرسالة، لا لأطلعك على أموري، من باب الطمأنة والاطمئنان، وإنما لأقول لك فقط إنني بعتُ السجادة الملونة التي اشتريتِها لي قبل أكثر من أربع سنوات. شعرتُ بحاجةٍ كبيرةٍ لأشركك بهذا الأمر، لأنني رأيتُ أنه من حقك أن تكوني على درايةٍ بما فعلته بالسجادة التي أهديتِني إياها قبل زمن. والآن، أنا أتذكر أن هذه السجادة هي الهدية الأولى التي تلقيتُها منك. أنت تذكرين ذلك بالطبع- فأنت كنتِ دائمًا أفضل مني في كل ما يخص التذكر..
وأنا أعتقد أن من حقك أن تعلمي لماذا أقدمت على بيع السجادة. لا من باب رفع العتب، ولكن من منطلق أنك شريكة فيها بالقدر الذي يجعلك جديرةً بأن تكوني على بيّنةٍ من مآلها. فأنا بعتها عن ضائقةٍ وعن عوز. قبل يومين اكتشفتُ أنني جائعٌ وليس لديّ النقود لأشتري شيئًا آكله. أي شيء. فركتُ أسناني وطبختُ آخر ملعقتين من البن في الغلاية الآيلة للصدأ وجلستُ على الشرفة أرقب البحر الصافي. دخنتُ من سجائري الرخيصة وشربتُ قهوتي. قرصتني معدتي التي لم يدخلها داخل من ظهيرة الأمس، فقمتُ الى الثلاجة. عندما فتحتها تذكرتُ أنني أتيتُ على آخر ما فيها صباح الأمس. في فضاء الثلاجة كانت حبة بصل واحدة ترتكن الى هدوء البرد. رفضتُ مبدئيًا فكرة أن أفطر على بصلة. فإذا سمحت لي كرامتي بذلك، فإن معدتي لن تسمح.
لشراء النسخة الإلكترونية لأجهزة التابلت والمحمول، يُرجى زيارة هذا الرابط.