“الغريب” الأليف: ألبير كامو متألّقًا
كنت قد قرأت رواية “الغريب” لألبير كامو وأنا غِرٌّ في سنتي الجامعية الثانية (1993)، وبالعبريّة، وقرأتها بكثير من الغباء الذي ميّز قراءاتي وقتها: قراءة سريعة ملتهمة كي أستطيع قراءة روايتين أو ثلاثا في الأسبوع، كأنّني “صيّاد جماجم” يودّ تعليق غنائمه على الجدار وتدخين الغليون قبالتها. هذه الحماقة ميّزت قراءاتي لسنين غير قليلة، إلى أن بدأت أتيقّن من أنّ القراءة المتأنيّة البطيئة (قراءة نوعيّة) أفضل ألف مرة من القراءة السريعة الالتهاميّة (القراءة الكمّيّة)، مع أنّ هذا يُقلّل جدًا من عدد الكتب التي تقرأها. وفي معرض عمان الدولي للكتاب عثرت على رواية “الغريب” مرة أخرى، هذه المرة بالعربيّة وبترجمة محمد آيت حنّا، والصادرة عن دار الجمل. اقتنيتها وقرأتها بهدوء لأفرغ منها الآن.
لا أذكر أنني أُعجبتُ بنهاية رواية قدر ما أُعجبت بنهاية “الغريب”. المقطع “5” من الفصل الثاني قمة أدبيّة هائلة، نشوة ما بعدها نشوة. عصارة الأسى والسعادة مجتمعيْن. كلّ هذه التناقضات والاختلاجات في نفسية البطل الذي ينتظر حتفه في زنزانة مع قسّ. مهارة أدبيّة وحرفيّة خالصة، تجدها دائمًا في كتابات صاحب “الطاعون”، تشدّك إلى ما وراء النص، إلى الصنعة الأدبيّة وأفكار الكاتب وهو يصيغ كلّ كلمة بكلمة.
مفتتح الرواية لا يقلّ جمالية ودقّة. تفاصيل البرود الذي يطغى والذي يتحوّل إلى السعادة بعينها في النهاية؛ التقلبات في مفاهيم وجوديّة بشريّة مثل الحزن والأسى والسعادة والوحدة واللذة والدين والله والموت. كلّ هذه المفاهيم التي تدور حولها الرواية، وهي تدور حول الرواية، تؤلّف نصًّا متماسكًا، رشيقًا وميتنًا أيّما متانة. ولولا بساطة اللغة وانسيابها لكانت القراءة ستكون مشقة حقيقيّة، إذ أنّ دمج البُعد الفلسفي في إطار لغويّ وعر يجعل من القراءة أشبه بالجلوس على خازوق.
الترجمة رشيقة في الغالب وجيّدة وغير متكلّفة وتستطيع أن تتكهّن بالنص الفرنسي الجاثم تحتها، وهي استطاعت أن تبرز أسلوبًا ما في الكتابة، أرجّح أنه أسلوب كامو بلغته الأصليّة، وفي هذا إنجاز حقيقيّ للمترجم.
.
شكراً علاء // شاركنا بما تقرأ
تعبير جميل جدا جدا لعبثية كامو في الغريب، احببت ايضا بداية الراوية ووصفه العبثي لموت والدته، قرأتها بالعربية والفرنسية وقرأت الصيغة المبسطة التي كتبت للفتيان لدار النشر دار اسامة، وفي هذه الايام اعاني من “الطاعون” في العبرية 🙂