مسرحية وفيلمان ولجنة للمتابعة
الدور المطلق ومولد نجمة!
شاهدت قبل ثلاثة أيام مسرحية “انتيغونا” التي أنتجها مسرح “الخيمة” في هرتسليا. المسرحية ممتازة. ولكن يوسف ابو وردة، الذي لعب دور “كريون”، كان عملاقًا. الدور الذي أداه أبو وردة في هذه المسرحية هو من نوع الأدوار التي يمكن أن تتوج مسيرة فنان مسرحي بجدارة. أبو وردة لم يكن يمثل. كان يحاول أن يجعل من شخصية “كريون” طيعةً في عيون المشاهدين كما كانت طيعةً ومستسلمةً في يديه. رأيت أبا وردة في أعمال سابقة، ولكنها المرة الأولى التي أرى فيها أبا وردة ممثلاً مطلقًا يؤدي دورًا مطلقًا. بحثت طيلة الوقت في ذاكرتي عن ملاحظات قد تكون سلبية ولكنني لم أجد، فمعذرةً من محبي النقد. أرجو أن يتمكن الجمهور العربي من مشاهدة هذه المسرحية يومًا، أو أن يعود أبو وردة الى المسرح العربي. لا أعرف أية أمنية هي الأصعب!
وكلارا خوري. كلارا أدت في المسرحية دور “أنتيغونا”، وسحبت على ظهرها الناحل مسرحية من ساعة ونصف، دون أن تهفو أو أن تتعب أو تكل. كلارا أبرزت في المسرحية الجادة الأولى التي تقوم بها، وفي الدور الرئيسي الأول لها في هذا المستوى، أنها ممثلة من نوع خاص وأنها نجمة مسرحية بكل المعايير: طلقة، مثيرة، جذابة (مسرحيًا)، سريعة البديهة، ذات حضور طاغٍ، محبة لدورها، واثقة بنفسها ولا تخشى التجريب والمراوحة في الدور بين حالات تكاد تكون متناقضة في الدور نفسه. كلارا حصلت قبل أيام على جائزة أفضل ممثلة في مهرجان الأفلام الأخير في المغرب. نحن بانتظار جائزة أفضل ممثلة هنا. هايدي كلارا!
“حرير أحمر”: فيلم جيد مع نهاية رائعة…
ضمن فعاليات وعروض مهرجان الأفلام الدولي في حيفا، الذي افتتح السبت الماضي وسيختتم غدًا السبت، عرض فيلم “حرير أحمر” للمخرجة التونسية رجاء العماري. وهذا هو الفيلم الأول للعماري، التي درست الفن السينمائي في فرنسا وكتبت سيناريو هذا الفيلم وأخرجته، حيث حصل على جائزة “باكورة الأفلام” في مهرجان سياتل 2002. يروي الفيلم قصة ليليا، أرملة في منتصف العمر، تربي ابنتها وتشاهد المسلسلات المكسيكية طيلة اليوم. حتى ابنتها سلمى كبرت وصارت لها حياتها الخاصة. ليليا تشك في أن ابنتها تقيم قصة غرامية مع شكري الطبال، الذي يلعب الايقاع في دروس الرقص الشرقي، التي تذهب اليها سلمى البنت. ليليا تذهب الى مدرسة تعليم الرقص وتلحق بشكري الى كباريه “حرير أحمر” الذي يعمل فيه في الليل. في أحدى الليالي تتصل سلمى بأمها وتقول إنها ستنام عند صديقتها في عيد ميلادها. ليليا تسمع الغناء في الهاتف فتتوجه الى الكباريه. هناك تكتشف أن سلمى غير موجودة ولكن عالمًا جديدًا ومثيرًا من الرقص والرجال والكحول ينفتح أمامها. مع الوقت تقع ليليا في حب هذا العالم وتتحول بنفسها الى راقصة محترفة ومُلهبة للجماهير. شكري يغريها ويضاجعها، إلا أنه يطلب منها قطع علاقتهما، لأنه يحب ابنتها سلمى ويرغب في الزواج منها. في نهاية الفيلم يأتي شكري مع سلمى البنت للتعرف الى الوالدة. اللقاء مثير للضحك في غالبه ولكن ليليا لا تفجر الموضوع، بل تفضل أن تستمر هي في حياتها وأن تبدأ ابنتها حياتها مع حبيبها. المشهد الأخير من الفيلم هو عرس شكري وسلمى وليليا ترقص أمامهما بفرح وتحدٍ لكل العالم…
المثير في هذا الفيلم هو نهايته والمقولة من وراء ذلك. فالكثير من المخرجات صنعن أفلامًا عن نساء يخرجن عن مسار الحياة التقليدية في تحدٍ للبيئة والمجتمع. ولكن النهاية عادةً ما تكون مأساوية أو أنها مبنية على تسوية مؤلمة. رجاء العماري فرضت في نهاية الفيلم تعاملا جديدًا مع قضية المرأة: يمكن للمرأة أن تخرج من جلباب المجتمع، وأن تحافظ مع ذلك على نفسها، بل أن تنتقل الى حياة جديدة، مليئة بالفرح والسعادة، دون أن تكون بحاجة الى ضرب رأسها بالحائط ألف مرة ومرة. ما معناه، قد يكون التسلسل الطبيعي للأمور أحيانًا أقوى من التوقعات بالنسبة للأعمال التي نقوم بها، خاصةً النساء. بمعنى آخر: قُمنَ وانطلقنَ. فالنهاية ليست مأساوية بالضرورة.
من الناحية الفنية بدا واضحًا أن السيناريو مكتوب بحسب “القوانين” المعمول بها غربيًا اليوم في العالم، وأن العماري استطاعت أن تكتب فيلمًا بالعربية، لا يضطر لأن يكون مبتذلا لكي يبكي، ولا سخيفًا لكي يُضحك. وتيرة الفيلم جيدة والأيقاع الداخلي للمشاهد مبني على معايير درامية صحيحة. كما أن الفيلم ينجح نجاحًا كبيرًا في استغلال البيئة المحيطة والأجواء السائدة، لتسخيرها لدفع الحبكة وخلق المشاهد المضحكة والمؤثرة في آن واحد. كما أن التركيز الكبير على الشخصية الرئيسية، دون خلق حالات من الملل أو “البطن الرخوة” في الفيلم، أتاح للممثلة الممتازة هيام عباس لعب دور متميز ومحكم ولا شك في أنه سيُدرج في أرشيف الأفلام العربية كدور يحتذى به. كما أن الجرأة في التعامل مع أحاسيس البطلة (الأرملة) وعدم الالتزام بالقوالب الجاهزة لتبرير كل شيء تقوم به المرأة “المؤدبة”، خدما الفيلم الى درجة كبيرة. فمقطع ممارسة الحب بين ليليا وشكري كان رائعًا في بساطته وكثافته وجرأته. كما أن المخرجة لم تتورع عن اختيار مهنة الراقصة التي تعتمد على الاغراء الجسدي، لتكون مخرج البطلة من روتينها القاتل. هذا اختيار جريء جدًا ويكسر التحجر والتزمت النسوي اللذين يميزان الواقعات في فخ الجدية الزائدة من “الليبيراليات”. الأيروتيكا التي بثها هذا المقطع توجت شخصية ليليا كإنسانة حرة وشهوانية وذات أحاسيس، وبالتالي ركلت كل المفاهيم العربية حول المرأة الجيدة المفترضة. المرأة الجيدة في فيلم “حرير أحمر” يمكن أن تكون راقصة في كباريه وأن تمارس الحب وأن ترقص في عرس ابنتها أمام العريس والعروس. يا ليتنا كذلك!!
فيلم
تعمل جمعية “السوار” على عرض أفلام ذات مدلولات نسوية واجتماعية، كل يوم سبت، في سينما “كبت” الجديد في الناصرة، الذي تشغله جمعية “نشاز”- الناصرة، في البلدة القديمة بالقرب من السرايا. فيلم الغد (السبت): “عرق البلح”. الساعة الثامنة مساءً. تعالوا…
المتابعة
منذ سبعة وعشرين ألف سنة ضوئية، قررت لجنة المتابعة أن تعيد تركيبتها وطرق عملها للأفضل. تشكلت لجان وكتبت تقارير، والمتابعة لا زالت لا تتابع شيئًا. ماذا على المتابعة أن تتابعه ولا تفعل؟ الكثير. عينة أولية خارج العناوين: نسبة التسرب الكبيرة من المدارس في الوسط العربي؛ ظاهرة قتل النساء على خلفية شرف العائلة؛ تبني العمل الأهلي كاستراتيجية وتكتيك، وعدم ترك الساحة أمام الجمعيات المختلفة، مدعومة صندوق “فورد” والاتحاد الاوروبي وليبيراليي رأس الأفعى- أمريكا؛ اقامة لجنة توجيه إعلامي مهنية تعمل أمام الاعلام الاسرائيلي والعالمي؛ إقامة لجان مختصة لدفع البحث العلمي والأكاديمي. هذه عينة فقط خارج العناوين الملتهبة. ستقولون: فش مصاري. سنقول: حركوا مؤخراتكم واعملوا، أو فافسحوا المجال أمام غيركم ليعمل.
ردود
الى كل الذين اتصلوا الى مكاتب المجلة للاحتجاج على ما كتبته في هذه الزاوية في العدد السابق (“أيه حكاية الألع اللي ماشيه في البلد اليومين دول؟”): أشكر لكم اهتمامكم بالزاوية الى درجة الاتصال والصراخ في الهاتف. ولكن عليكم في المرات القادمة أن تتجنبوا التناقض الكبير الذي وقعتم فيه. فليس من اللائق أن تحتجوا على “البذاءات” كما ادعيتم، ببذاءات أخرى أشد منها. مش حلوي… عَشانكو…
(نشرت هذه المادة في ضمن زاوية “ع الهدا” في مجلة “الناس”، 2002)