الأخوان كناعنة
مرّ شهران على إعتقال الشقيقين، أبو أسعد (الامين العام لحركة أبناء البلد) وحسام كناعنة (ماجستير علم النفس وعضو لجنة مركزية في الحزب) من عرابة البطوف، وصورهما الآن معلقة في كل زاوية من البلدة، “رموز وطنية” قال أهالي القرية عنهما، ولا يخفي آخرون “قلقاً من الوضع السائد” امتدادا ًللنقاش السياسي. ولكن كلما نزحنا بالإضواء الى قلب الحدث وإقتربنا الى البيت الذي إعتقلا منه، يغيب النقاش السياسي عنوةً وتخلق الأقدار معايير عاطفية. هناك ينتظرون عودتهما الى البيت سالمين ومتأملين الأفضل دائماً، فلا تتحدث العائلة عن شعارات سياسية، ولا حتى عن القضية نفسها عدا بعض الجمل المألوفة هنا وهناك: “المحامون يتحدثون عن القضية لكن أستيطع قول شيء واحد، إن أبو أسعد مستهدفاً” قال إبراهيم كناعنة شقيق الإثنين في لقاء خاص بـ “المشهد الإسرائيلي” وأضاف “البرنامج العائلي المعتاد غاب عن الوجود، قضايا ومحامون، عمل حسام وأصدقاءه، لم يعد شيئاً كما كان” أضاف إبراهيم ودمعته سبقت حديثه. لم تنته الامور عند الإعتقال لا بل سارعت لإستراق حيثيات جديدة، منها “القلق من المستقبل وإنتظار الحكم” وفوق هذا كله تتربع خيبة أمل في نفوس من يهمه الامر..
*ليلة الإعتقال
الساعة تقترب من الرابعة صباحاً، من يوم 2004/2/7 ،موعد صلاة الفجر تقريباً، الشوارع خالية والناس غارقون في النوم في طبيعة الحال، قوات “تقدر بـ 80 الى 120 جندي وشرطي” يقول إبراهيم حاصرت البيت الذي يسكن فيه الأشقاء كلهم. “أيقظني صراخ أطفالي الصغار الذين إستيقظوا من نومهم مفزوعين، نزلت أدراج البيت مسرعاً لمعرفة ماذا يجري فالحالة لا تبدو طبيعية أبدا، وما إقتربت من الدرجة الأخيرة حتى إنقض علي رجال الشرطة من كل شقة، كانت حركاتهم قاسية، فهمت مما أمامي أنهم دخلوا الى بيت أبو أسعد، وبيت أهلي(بيت حسام) فنحن جميعا نسكن العمارة نفسها. طلبت منهم دخول بيت حسام فقط كي أقف الى جانب أمي فهي لا تقوى على الصدمات وبصراحة خفت من أن يعتدوا عليها جسدياً، فلم يسمحوا لي، كان كل شيء محاصراً، مداخل الحي، القوات مصطفة حوالي العمارة كلها، وبعد ساعة ونصف من التفتيش إعتقلوا حسام وأبو أسعد بعدما فتشوا بيتيهما وعاثوا فيهما دماراً وتكسيراً، وأنا لا أبالغ، ففي بيت أبو أسعد كانت الأشياء محطمة، تصوّر، لعبة الأطفال الصغار كانت محطمة، وقد إعتدوا على افراد عائلته وصادروا سيارتهما، والهواتف، لقد كان كابوساً… مرت الليلة وعقدت جلسة في المحكمة في اليوم التالي من الساعة الرابعة بعد الظهر حتى الساعة العاشرة ليلاً، لم نمنع من دخول قاعة المحكمة فقط لا بل منعنا من دخول المبنى، لم نعرف في حينه شيئاً أبداً.. تردد الكثيرون الى البيت بعد الإعتقال، تشكلت لجنة شعبية للدفاع عن المعتقلين وبدأنا عملنا كاللازم في هذا الصدد”
*المحامية عبير بكر: ظروف المعتقل غير قانونية
تقول المحامية عبير بكر من “عدالة”، المركز القانوني لحقوق الاقلية العربية في إسرائيل، عن ملف ظروف الإعتقال لـ “المشهد الإسرائيلي” : “هما موجودان الآن في ظروف معتقل صعبة جداً، لا يسمح لهما بالخروج من الزنزانة علماً بأن القانون يمنع مثل هذه الممارسات فيجب على سلطة السجون ان تتيح االفرصة لساعة ونصف على الأقل يومياً، الاقارب ممنوعون من الزيارة رسائل البريد ممنوعة، والأبشع من هذا كله أنه لم يتوفير الحد الأدنى من الحاجيات الاولية مثل فرشاة أسنان، وسرير طبيعي، وقد منع الإثنان من الإستحمام يومياً، وهذا امر غير قانوني. قدمنا إلتماساً الى المحكمة المركزية في حيفا وطلبنا نقلهما من قسم التحقيق في “الشاباك” الى معتقل عادي، ردت سلطة السجون و”الشاباك” ووافقت على نقل الاخوين، واتاحت المحكمة مدة 14 يوماً لترتيب هذه الامور، كان هذا القرار برهاناً على أن الأخوان قابعين تحت ظروف غير قانونية، وفترة ألـــ 14 يوماتعتبر طويلة جداً للبقاء في نفس الظروف، كان عليهم نقلهم بشكل فوري الى هناك”.
ماذ تدعي النيابة في لائحة الاتهام؟
القضية الآن في المحكمة المركزية في حيفا، يقول المحامي سليم واكيم رئيس طاقم الدفاع عن أبو أسعد والذي يدافع تبرعاً:”أبو أسعد متهم باللقاء مع عميل سري، وهو شخص من الاردن يدعى إبراهيم علوش، تدعي النيابة أنه من تنظيم فتح أبو موسى، ولقاء مع جورج حبش، وأحمد سعدات في سجن اريحا. تهمة أبو أسعد الاولى مرتبطة بشكل مباشر مع تهمة حسام، فالنيابة تتدعي أن ابو اسعد هو من عرّف حسام على إبراهيم علوش الذي طلب منه (حسام) إحضار أجهزة كهربائية من الاردن الى الداخل، هذه الأجهزة عبارة عن أغراض كهربائية إنسانية،جهاز لقياس الضغط، جهاز طبي يستعمل للتدليك، وجهاز لتسخين حليب الأطفال، وحسب لائحة الإتهام وجد داخل هذه الأجهزة أقراص حاسوب تحتوي على برامج ممنوعة، كذلك اتهم حسام بنقل مصاريف تقترب الى 4 الاف دولار وملخص التهم هي مساعدة “للعدو” إثناء الحرب، وعضويتهما في تنظيم معادٍ”.. وفي سؤال عن خط الدفاع اجاب : “أولاً بالنسبة لقضية أبو أسعد وإتهامه بتلك التهم نحن نعتبر هذه اللقاءات سياسية تنظيمية كونه يشغل منصب الامين العام لحركة أبناء البلد وهذا طبيعي جداً، تبادل آراء ومواقف، فهذا حق لا يمكن تجاهله، بالنسبة لقضية حسام فقد تم توكيل المحامي افيجدور فيلدمان للدفاع عنه نهائياً، وهو من يقرر كيف سيكون خط الدفاع، ولكن أعتقد ان خط الدفاع سيكون مركباً لا يمكن البت فيه، ونحن لا نستبعد ايضا ان تكون السلطة قد دست الاجهزة التي لم نشهادها حتى الآن.” وعن الإعتقال قال: “هذا إعتقال سياسي من الدرجة الاولى، الامين العام لحركة أبناء البلد مستهدف من قبل السلطة، كونه يشغل هذا المنصب”
الوضع الآن صعب جداً، الضباب يغطي القضية من كل جوانبها، والمحامون يتأملون خيراً. في هذه الأثناء يدرس المحامي أفيغدور فيلدمان ملف حسام الذي يحتوي على 1400 صفحة، وحتةى الآن القضيتان متعلقتان ببعضهما..
خيبة امل من القيادات
يقول ابراهيم: “أنت لا تعرف من هما أبو أسعد هذا المناضل العنيد الكل يعرفه، وحسام، كل من تحدث معه احبه، إنسان حساس، يطالع الكتب في غالبية وقته، هو أب أولادي التربوي، لو تعرف فقط كما اولادي يحبونه” وعن التأقلم مع القضية والمعنويات قال ابراهيم: “في الثلاثين من آذار سمح لبعض افراد العائلة من زيارة حسام في المعتقل، لم يتحدث حسام عن شيء، لم يتحدث عن الظروف الصعبة، كان كل الوقت مبتسماً”
لا يخفي إبراهيم كناعنة قلقه من الوضع الراهن، فهو يعيش حالة وجودية صعبة في ظل هذه الأزمة، يتعامل مع القضايا من منظور مختلف للغاية: “هناك تصعيد واضح ضد الجماهير العربية، وهذا أمر ليس من المفروض القبول فيه، القيادات تتعامل بشكل غير مقبول مع الموضوع. يجب إتخاذ إجراءات أكثر نجاعة في هذا الصدد. يجب التوجه الى مؤسسات عالمية، ان هناك تصعيد إرهابي، ترانسفير أيضا، وهذا يجري اليوم، السلطة اليوم تأخذ إناساً من حياتهم الطبيعية وتسجنهم داخل أماكن بعيدة عن هذه الطبيعة، فهذا مخطط خطير، من المفروص أن تتوجه الأحزاب الى مؤسسات قضائية دولية أحسن من جامعة الدول العربية التي يودون التوجه لها. ماذا لنا وللجامعة العربية، فلا يقوم ممثلوها بدورهم، لا دور لهم. فإن لم تخدم جماهيرها كيف لها تخدمنا، هذا ما اتحدث عنه. كلهم مقصرون، اللجنةالشعبية إختفت، تمنينا حضوراً أكبر في النضال”. سألنا إبراهيم عما إذا زارهم أعضاء كنيست فقال: “لم يطرق بابنا احد”.