إسرائيل “مستعدة” للحرب!؟
قال رئيس الحكومة الإسرائيلي، أريئيل شارون، أمس الأحد، خلال جولة للجدار الفاصل، إن “إسرائيل لن تتضرر خلال الحرب مع العراق، لكن ستعرف كيف ترد في حالة تعرضها لهجوم”. وأضاف: “أعتقد أنه ليس هناك أي دولة أخرى في العالم الغربي استعدت وتزودت واستثمرت جهودها كما فعلنا نحن… الأمريكيون بذلوا قصارى جهدهم لمنع استهدافنا، لكن إذا هوجمت إسرائيل، فسوف تعرف كيف تدافع عن نفسها”.
يأتي هذا التصريح من شارون، في هذه الأيام، ليغلق دائرة كبيرة من الاستعدادات الاسرائيلية والتصريحات التي رافقت التجهيزات العسكرية الأمريكية للحرب، في ضوء تواتر المعلومات والأنباء عن إندلاع الحرب في العراق خلال اليومين أو الثلاثة القادمين.
فيما يلي إستعراض لأهم الاستعدادات الاسرائيلية للحرب في العراق، في أهم المجالات وأبرزها:
تعليمات للمدنيين
أصدرت قيادة الجبهة الداخلية (المؤخرة) كراسة مفصلة بسبع لغات (العبرية، العربية، الانجليزية، الفرنسية، الاسبانية، الروسية، الاثيوبية)، ضمنتها تعليمات مفصلة وتوضيحات للمواطنين والسكان في الدولة، حول كيفية التصرف وقت الخطر، وكيفية تعامل المواطنين مع مختلف الحالات المحتملة. وعلى ما يبدو، فإن الجبهة الداخلية تعتقد أن إحتمالات الهجوم الصاروخي على إسرائيل، أثناء الحرب، هي منخفضة جدًا. وقد أجلت القيادة الداخلية إعطاء تعليمات عينية للمواطنين، حول تهيئة الغرف المأطومة أم الملاجئ. وحتى ظهيرة اليوم (الاثنين) لم تحسم قيادة الجبهة الداخلية في هذا الأمر. وتحدثت الأنباء عن أن حسم ماهية التعليمات التي ستصدر للمواطنين، بشأن الحرب المتوقعة، سيتم الليلة أو غدًا صباحًا.
وتتولى قيادة الجبهة الداخلية في إسرائيل مهمات عديدة، في الكجهود الحربي الاسرائيلي، أبرزها: صياغة التصرفات لمواجهة التهديدات التقليدية وغير التقليدية؛ تهيئة وتدريب قوات الانقاذ، الاطفائية، القوات الطبية، الأمان والوحدات الخاصة لمقاومة التهديدات غير الاعتيادية؛ إقامة جهاز صافرات قطري وصيانته؛ تحديد التعليمات الدفاعية؛ توزيع الطقم الدفاعي على السكان وإعادة تأهيلها وقت الحاجة؛ تدريبات مشتركة مع أجهزة الطوارئ والسلطات المحلية؛ توجيه السكان ونشر توجيهات تصرف في أوقات الطوارئ. وفي هذا السياق يجدر ذكر أن هناك عمد إكتراث واسع بين الجمهور الاسرائيلي بشـأن الهجوم الصاروخي العراقي، وأكثر من نصف المواطنين لم يبدلوا طقم الوقاية الخاص (الكمامة، الحقن المضادة وغيرها).
ومما يزيد من إطمئنان الجبهة الداخلية لضعف إحتمالات الهجوم الصاروخي على إٍسرائيل، هو قيام الطائرات الأمريكية، أمس الأول، بقصف مكثف في غربي العراق، لأهداف يُشك في أنها بنية تحتية لصواريخ “سكاد” العراقية. ويرجح المراقبون أن غربي العراق خالٍ الآن من أية بنى كهذه، وعملية نقل مثل هذه البنى خلال الحرب، إلى هناك، تكاد تكون مستحيلة، نتيجة لنظام المراقبة بالغ التطور الذي بته الولايات المتحدة في هذه الحرب.
ويستدل من معطيات جمعتها الجبهة الداخلية في الأيام الأخيرة على أن 30% من المواطنين في إسرائيل قاموا بتجهيز غرف محكمة الإغلاق، على الرغم من عدم صدور تعليمات رسمية بذلك. وقام الكثيرون بشراء اللوازم الأخرى المطلوبة لتجهيز الغرف، مثل النايلون والأشرطة اللاصقة. كما عقدت الجبهة الداخلية للجيش الإسرائيلي، أمس (الأحد)، جلسة لتقييم الأوضاع على ضوء التصريحات المنبثقة عن القمة التي استضافتها جزر الآزور وشارك فيها الرئيس الأمريكي، جورج بوش، ورئيس الوزراء البريطاني، توني بلير، ونظيره الإسباني، خوسيه ماري أثنار. وستجري الجبهة الداخلية، اليوم، جلسة إضافية سيقرر في سياقها موعد إصدار تعليمات للمواطنين بإجراء آخر الاستعدادات، على الرغم من الإيضاحات التي كررتها أجهزة الأمن الإسرائيلية من أن احتمالات الهجوم على إسرائيل ضئيلة جدًا. وسيتقرر هذا الأسبوع أيضًا، تعزيز قوات الاحتياط في سلاح الجو الإسرائيلي والجبهة الداخلية كجزء من التجهيزات الجارية استعدادًا للحرب المرتقبة.
الاحتياطات الأمنية: “السماء المغلقة”
التوقعات في الجيش الاسرائيلي بشأن الهجوم الصاروخي على إسرائيل تتمحور في أن يكون الحديث عن وضع طوارئ يدوم لأيام معدودة فقط، تنجح الولايات المتحدة من بعدها في إزالة خطر الصواريخ في غرب العراق. خلال هذه الفترة ستُطلق صواريخ (باتجاه إسرائيل- المحرر) قليلة نسبية، بحسب التقديرات. وعلى الرغم من ذلك، فإن الجهاز الأمني يستثمر في الفترة الأخيرة في الاستعداد لكل شيء.
من أجل ذلك تزودت إسرائيل بشبكة حماية صاروخية، من المفروض أن تحميها من الهجوم العراقي الصاروخي، فيما لو وقع. فالبعد بين مواقع الاطلاق المفترضة وبين مركز إسرائيل هو بين 600 إلى 700 كم؛ يستغرق صاروخ “سكاد” من ست إلى سبع دقائق لقطع هذه المسافة. الأمريكيون يؤكدون على أن أقمارهم الصناعية ستغطي مجال الاطلاق لمدة 24 ساعة يوميًا، عشية بدء الهجوم. ومن المفترض أن تنتقل المعلومات عن إكتشاف إطلاق صاروخ فورًا إلى القيادة العامة في تل أبيب، مما يعني توفر إنذار إسرائيلي عن صاروخ قبل أربع دقائق ونصف الدقيقة من وقوع الصاروخ.
قبل حوالي أربع دقائق من سقوط الصاروخ، من المتوقع أن يتم تشخيصه رادار الـ “حيتس” أيضًا. وإلى جانب المعلومات الآتية من القمر الصناعي، من الممكن أن يكون بوسع الرادار في هذه المرحلة المبكرة نسبيًا، أن يتعرف على المنطقة المفترضة لسقوط الصاروخ. عندها يكون بوسع قائد الجبهة الداخلية أن يقرر مسبقًا لأية مناطق من المناطق العشر التي قُسّمت لها إسرائيل، ستصدر توجيهات حماية. وبموازاة التشخيص يبدأ “مجهود دفاعي فعّال”- وهو محاولة إطلاق صواريخ “حيتس” و”باتريوت” إلى الصاروخ العراقي. اليوم، هناك بطاريتا “حيتس” منصوبتان في “بلماحيم” و”عين شيمر”. ويتوقعون في الجيش الاسرائيلي نسبة نجاح تصل إلى 90%، لصاروخي “حيتس”، يُطلقان من بطاريتين، لإسقاط الـ “سكاد”.
“الباتريوت” يشكل دعمًا لصاروخ الـ “حيتس” وسيُوجه بالأساس إلى الصواريخ الداخلة وهي في مسار منخفض نسبيًا. ومن المفترض أيضًا أن يعمل “الباتريوت”، إلى جانب أنظمة أخرى من صواريخ ضد الطائرات كصاروخ الـ “هوك”، على منع دخول طائرات مهاجمة. وتم نشر بطاريات صواريخ الـ “باتريوت” التابعة للجيش الأمريكي، في إسرائيل، في ثلاثة مواقع في منطقة “دان”، ومن بينها منطقة شمال تل أبيب ومنطقة يافا. ونُصبت بطاريات “باتريوت” إسرائيلية، وإلى جانبها البطاريتين اللتين حصلت عليهما إسرائيل من ألمانيا، في مناطق أخرى في البلاد- خاصةً من أجل الدفاع عن منطقة حيفا والكريوت وأيضًا عن منطقة النقب، وبالأساس عن المفاعل النووي في ديمونا. وقد أصدر الجيش الاسرائيلي أوامر تجنيد غير عادية لعدة عشرات من جنود الاحتياط من نظام “ضد الطائرات”.
وتزيد الولايات المتحدة من التعاون مع إسرائيل، بحيث اقامت الاثنتان مقر قيادة مشتركًا، ملاصق للسفارة الأمريكية في تل أبيب، بحيث يكون بمقدور قيادة الجيش الاسرائيلي أن يتعقبوا حركة الطائرات في العراق خلال الحرب. كذلك، نُقلت إلى إسرائيل، خلال الأسابيع الأخيرة، وحدة إنذار مسبق متصلة مباشرةً بالأقمار الصناعية الأمريكية فوق العراق، بحيث تحصل إسرائيل على المعلومات عن إطلاق صواريخ الـ “سكاد” باتجاهها، مباشرةً، من دون أي تأجيل. كما ستكون إسرائيل الدولة الوحيدة خارج الولايات المتحدة المتصلة بنظام الاتصال الخاص بقطاع القيادة المركزية الأمريكية (سنتكوم)، المسؤول عن إدارة الحرب في العراق. خطوة أخرى اتخذتها الولايات المتحدة في الأسابيع الأخيرة هي تطوير نظام الردع المسبق قبل إطلاق الصواريخ، وتقصير المدة اللازمة للحصول على المعلومات، إلى صفر.
التجهيزات الاعلامية:
المخطط الذي وضعته الدولة لسيطرتها على الاعلام الالكتروني، هو مخطط سيطرة متكامل. فبعد وقوع الصاروخ ستظهر على كل الشاشات في كل القنوات شريحة مكتوب عليها “إنذار” وفورًا بعد ذلك سيُبث شريط أعده الناطق العسكري مسبقًا، يمرر توجيهات للمشاهدين بخمس لغات. مدة هذا الشريط خمس دقائق. بعد ذلك، ينتقل البث إلى الاستوديو الخاص بالناطق العسكري في “الكرياه” في تل أبيب. وستقوم الناطقة العسكرية روت يارون بنقل آخر التعديلات عن مجر الأمور للمشاهدين. ما مهو مفترض أن يحد ثبعد ذلك مطروح للنقاش (الحاد أحيانًا) بين الناطق العسكري وبين التلفزيونات الاسرائيلية. فالقناتان الثانية والعاشرة على الأقل ترفضان أن يتحول البث بعد هذه النقطة إلى أستوديو القيادة الداخلية في الرملة. القناتان لا تمانعان بالبث من هناك بين الفينة والأخرى، ولكنهما ترفضان “سرقة” البث المطلقة، وتريدان الاحتفاظ لنفسيهما بحث البث الخاص والصحفي والنقدي. ففي الأستوديو في الرملة لن يسأل أحد مثلا، لماذا لم يُصب الـ “باتريوت” صاروخ الـ “سكاد”. هذه المسألة لم تُحسم حتى الآن، خاصة أن القيمين على القناة “10” اكتشفوا في لقاء مع وزير “الأمن”، شاؤول موفاز، أنه لا يعلم عن كل هذا الموضوع شيئًا.
هذه الاشكالية تعكس الصراع شبه الدائم بين الاعلام في إسرائيل وبين المؤسسة العسكرية.
(نُشرت هذه المادة في ملحق “المشهد الإسرائيلي” في آذار 2003)