المترددون ببساطة لا يعرفون!
علاء حليحل
ما الذي يؤثر على المترددين؟.. الدعاية الانتخابية، الأصدقاء، عناوين الأخبار، الولاء للحزب القديم، المرشحون الأفراد، برامج الأحزاب الانتخابية؟.. من المفروغ منه أن الجواب، إذا وُجد بشكل قاطع، فإنه سيحوي عددًا لا بأس به من المركبات أعلاه. كل معاهد الاستطلاعات ومكاتب الاعلان التي تعمل في خدمة الأحزاب، والأبحاث الأكاديمية الموسمية والمثابرة، كلها تحاول أن تحل لغز المصوت المتردد. ولكن في عصر العناوين السريعة والتغيرات اللانهائية، يبدو أن عنصر البرامج الانتخابية عند الأحزاب يلعب دورًا يكاد يكون هامشيًا، أو غير مركزي في أفضل الأحوال
هذا الأمر ينبع من عدة عوامل، أهمها أنّ المصوّت يريد أن يسمع كل شيء في نصف ساعة (هل أنتم مع أو ضد؟)، وأنّ تعامل المواطن في الانتخابات الديمقراطية في الأنظمة الرأسمالية الغربية هو تعامل مع “صور” (images) وليس مع أي شيء آخر: صورة الحزب، صورة المرشح، صورة الدولة، صورة الوضع.
على الرغم من ذلك، فيما يلي إستعراض أخير لما تقوله الأحزاب الاسرائيلية الصهيونية، غير المحصورة في جمهور هدف معين (مهاجرون، عرب، متدينون)، في أهم المواضيع التي يود المتردد أن يعرف عنها، فيما لو قرر الخروج للتصويت. الأحزاب العربي وحزب “عام إحاد” و”يهدون هتوراة” يتمتعون بجمهور غير متردد على الأغلب:
المجال السياسي الأمني: حزب “الليكود” مستعد لفحص إمكانية إعادة الانتشار في المناطق المحتلة في ضوء إتفاقيات مرحلية تشتمل على تسويات؛ “العمل” يؤيد إخلاء مستوطنات نائية وضم كتل إستيطانية في إطار إتفاق سلام، فصل أحادي الجانب وجدار فاصل في حالة فشل المفاوضات، اتفاق الحل النهائي: دولتان لشعبين؛ “شينوي” يقول إن عرفات ليس شريكًا للسلام، ويشترط وقف “الارهاب” لتجدد المفاوضات، واتفاق السلام بالنسبة له يعني إخلاء المستوطنات النائية وإقامة جدار فاصل؛ “ميرتس” يدعو لإعادة بناء العلاقات بين إسرائيل والدول العربية الموقعة على إتفاقيات سلام معها، إدارة مفاوضات تؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية وإدارة مفاوضات سلام مع سوريا ولبنان؛ “هئيحود هليئومي” يطلب حسمًا عسكريًا قبل الحل السياسي، يرفض إقامة كيان فلسطيني بين البحر والنهر، إلغاء اتفاقيات أوسلو، تفكيك السلطة الفلسطينية من خلال القضاء على البنى التحتية لـ “الارهاب”؛ “حيروت” تنتهج سياسة “ولا خطوة” وهي معارضة إعادة مناطق وإقامة دولة فلسطينية، وإلغاء اتفاقيات أوسلو واتفاقيات الخليل و”واي” والحكم على عرفات وباقي قيادة المنظمات “الارهابية” بالاعدام؛ “المفدال” يؤمن بفكرة أرض إسرائيل الكبرى، معارضة اتفاقيات أوسلو والدولة الفلسطينية، يدعم الفصل مع حدود تمر شرقي الخط الأخضر؛ “عليه يروك” يقول إن النزاعات لا تُحل بالقوة، إجراء استفتاء شعبي حول الحل الذي يريده الشعب.
الاقتصاد: “الليكود” سيحارب البطالة والفقر وسيحسّن من وضع المواطنين في ضائقة، تقليل مصاريف الحكومة وتقليص العجز في الميزانية؛ “العمل”: زيادة النمو، تقليص البطالة والفوارق الاجتماعية، تحسين رفاهية العمال من خلال “سلة للمواطن العامل” تشمل محفزات ودفاعات؛ “شينوي”: تقليل الضرائب وإطلاق أموال للاستثمار، زيادة الخصخصة، الاندماج في الاقتصاد الغربي؛ “ميرتس” تدعو لتقوية سياسة الرفاه، نقل الموارد من المستوطنات إلى الاستثمار في البنى التحتية ومعالجة الطبقات الفقيرة، الاستثمار في البنى التحتية وفي العامل البشري؛ “هئيحود هليئومي” يرغب في تقليص القطاع الحكومي والعام، خصخصة شركات متزايدة، دفع مشاريع قومية بإمكانها جذب التمويل الخاص؛ “حيروت” يعارض التشريع الخاص الذي يهدف لزيادة الضرائب على القطاع الخاص، معارضة التشريع الذي يؤدي إلى زيادة عدد العاطلين عن العمل؛ “المفدال” يدعو لتقليص عدد العاملين في الخدمات الجماهيرية وتوجيههم إلى القطاع الاقتصادي والانتاجي، كبح التضخم، العمل من أجل إخراج العمال الأجانب غير الشرعيين من البلاد؛ “عليه يروك” يدعو لتوزيعة عادلة في الحمل، تغيير درجات الضريبة للتخفيف عن أصحاب المداخيل المتدنية وزيادة الحمل على المداخيل من الرأسمال.
الدين والدولة: “الليكود” يدعو لتأسيس ميثاق بين المتدينين والعلمانيين، ضمان الاحتياجات الدينية لكل الطوائف والأديان، الحفاظ على الوضع القائم في أمور الدين والدولة؛ “العمل” يدعو لفصل الدين عن السياسة، الحرية الدينية للمواطنين، الخدمة الاجبارية في الجيش للجميع، إلغاء وزارة الأديان والمجالس الدينية وضمان سلة خدمات دينية؛ “شينوي” سيعمل من أجل تمرير أموال أقل للدين، أكثر للصحة، للتربية وللعلوم والثقافة، إلغاء الصلاحيات الزائدة من يدي المحاكم الدينية، خلق مساواة بين التيارات اليهودية ودعم الزواج المدني؛ “ميرتس” يدعو لسن قانون أساس: حرية الدين، الاعتراف بالتهويد الذي يجريه الاصلاحيون والمحافظون، فصل الدين عن الدولة وعن السياسة؛ “هئيحود هليئومي”: لا يمكن لحزب أن يتنافس في الانتخابات ما لم يقرر في برنامجه الانتخابي أن إسرائيل هي دولة الشعب اليهودي، الخدمة العسكرية أو القومية لكل المواطنين؛ “حيروت”: تشريع أساس يبلور طابع الدولة اليهودي، ضمان الدخول إلى “الحرم الشريف” وللأماكن المقدسة عند اليهود؛ “المفدال” يدعو للحفاظ على الوضع القائم في موضوع الدين والدولة ومعارضة المواصلات والاتجار في السبت، ليس هناك موقف موحد فيما يخص تجنيد طلاب “اليشيفوت”؛ “عليه يروك” يطالب بفصل الدين عن الدولة، تفكيك وزارة الأديان ونقل الخدمات الدينية إلى السلطات المحلية، يدعم المواصلات العامة في السبت.
فيما يخص موضوع حقوق الانسان فإن أحزاب “الليكود”، “العمل”، “ميرتس”، “عليه يروك” و”شينوي” تدعو بشكل عام للحافظ على حقوق الانسان وتقويتها، بينما ترى الأحزاب “هئيحود هليئومي”، “حيروت” و”المفدال” حاجة لنظام قضائي جديد ودستور يضمنان يهودية الدولة وطابعها، على حساب الحقوق الأساسية للفرد والمجموعة
القراءة السريعة في هذا الاستعراض تبرز الفوارق الجوهرية بين الأحزاب، خاصةً “الليكود” و”العمل” من جهة وبين كتلة “اليسار- المركز” وكتلة “اليمين- اليمين المتطرف” من جهة أخرى. هناك إختلافات جوهرية وهي بارزة للعيان في المقارنتين. من هنا فإن القول إن “العمل” و”الليكود” سيان، هو مقولة مخطوءة في أساسها. هذا يعود إلى تسطيح الاعلام للمضامين الحزبية من جهة، وإلى رغبة الأحزاب في إخفاء طروحاتها أو إبراز طروحات على حساب طروحات أخرى، بحسب المنفعة الآنية لكل موقف.
كما أن تذويب الفوارق في المجتمع الاسرائيلي إلى درجة القول إن كل اليهود في الدولة مع الأمر الفلاني أو ضده، هو تسطيح مسيء يلغي كل إمكانيات التعامل مع المجتمع الاسرائيلي من خلال نظرة ثاقبة وموضوعية. المجتمع الاسرائيلي منقسم وهذا واضح. هذا الانقسام هو السبب في نسبة المترددين العالية (14% بحسب إستطلاع “هآرتس اليوم”)، الذين لا يعرفون بعد ما هي حدود هذا الانقسام ومع من سيكونون. الجنوح لليمين يتجلى اليوم في حوالي (64) مقعدا في حالة إقامة حكومة يمين ضيقة، وهذا ليس بالكثير. ليس الهدف تصوير صورة وردية أكثر من اللازم، ولكن لو سعى كل حزب في الكنيست القادمة، وبحسب التقسيمة الموجودة حاليًا في الاستطلاعات، إلى إبراز منهجه وطروحاته، سيكون من السهل على المترددين في الانتخابات القادمة أن يحسموا أمرهم بسهولة.
الضبابية التي تسود الفروقات بين الأحزاب هي ليست حقيقة واقعة. الضبابية هي من صنع الاعلام والتسطيح ومن صنع الأحزاب نفسها. إبراز الفوارق والمضامين سيكون في مصلح “اليسار- المركز” بالذات في الانتخابات القادمة. لأن المترددين لن يترددوا عندها بين حزبين، احلاهما مُرّ. سيكون الحلو وسيكون المّر، والاثنان سيكونان واضحين جدًا. وقد تبدو فكرة “اليوسييْن” -يوسي بيلين ويوسي سريد- لاقامة حزب يساري كبير، حزب إشتراكي تقدمي، حلمًا غير بعيد في الانتخابات القادمة. وانطلاقًا من التفاؤل الحذر، يمكن القول إن “اليسار- المركز” قد يعود إلى الصورة مستقبلا، على خلفية إعادة التنظم ووقف التأتأة، وعلى خلفية فشل شارون في حل الأزمات المستفحلة التي تعاني منها الدولة. مع بعض الابتسام يمكن القول إن يوسي بيلين، عرّاب إتفاقات أوسلو، قد ينتصر في النهاية!
(نُشرت هذه المادة في ملحق “المشهد الإسرائيلي” في كانون الثاني 2003)