الأحزاب العربية: إتهامات داخلية متبادلة في “الجبهة” و”الموحدة”، ورضىً في “التجمع”
علاء حليحل
يبدو الآن أن تحالف “كل الناس”، الذي نشأ بين “الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة”، وبين “الحركة العربية للتغيير”، وعُرف بين الناس بتحالف “الجبهة- الطيبي”، لم يُؤتِ بثماره المرجوّة. فحصول هذا التحالف على ثلاثة مقاعد فقط، هو بمثابة نصر للحزبيين الشيوعيين المتشددين داخل أروقة “الجبهة”، وعلى رأسهم تمار غوجانسكي وعصام مخول وسكرتير الشبيبة الشيوعية، سليم مراد- كما صرح قيادي جبهوي اليوم لـ “المشهد الاسرائيلي”. غوجانسكي قالت هذا الصباح في “هآرتس” إن “الحزب لم يعرف مثل هذا الوضع الصعب سابقًا، وأنا أتوقع أن يستنتج النائب بركة الاستنتاجات الملائمة وأن يتصرف بما يوافق ذلك. شراكتنا مع الطيبي كانت الخطأ الأكبر الذي اقترفته ‘الجبهة‘ في السنوات العشر الأخيرة”.
في النهاية باتت المسألة مسألة أرقام وحسابات. عُودة بشارات، سكرتير “الجبهة”، قال لـ “المشهد الاسرائيلي” إن “حظ ‘الجبهة‘ في إتفاقات فائض الأصوات هو سيء، وهذه ليست المرة الأولى التي يصعد فيها حزب آخر على حساب أصواتنا (في رمز إلى اتفاق فائض الأصوات الذي وُقّع مع ‘الموحدة‘ في انتخابات 1999- ع.ح.)”. سنعود إلى بشارات بعد توضيح مسألة الأرقام: في النتائج النهائية لفرز الأصوات تحددت المعطيات التالية: المعيار لكل مقعد في الكنيست وقف على (25137) صوتًا. “الجبهة” حصلت على (93819) صوتًا، وبالتالي حصلت على ثلاثة مقاعد كاملة، وتبقت لها (18408) أصوات. “التجمع” من جهة أخرى حصل على (75411) صوتًا، ما يعطيه مقعدين كاملين وفائضًا من الأصوات قدره (21025) صوتًا. بحسب إتفاقيات فائض الأصوات المعمول بها في الانتخابات الاسرائيلية، فإن القائمة التي تحصل على فائض أكبر من الناحية العددية للأصوات (من دون علاقة بعدد المقاعد) تأخذ لصالحها كل فائض الأصوات من الحزب الثاني الذي وقّعت معه إتفاق الفائض. وبالتالي، صارت لـ “التجمع” ثلاثة مقاعد مع فائض نهائي وقدره (14296) صوتًا.
قائد جبهوي: “لو لم نتحالف مع الطيبي لكنّا أقل من “التجمع” الآن!
عَودة إلى بشارات. سألتُه عن دعوة غوجانسكي المذكورة أعلاه، وعن إنتقاد مخول للتحالف مع الطيبي. بشارات: “أنا لا أتطرق لهذه المواقف. المكان الوحيد للتحدث عن هذه المواضيع هو مكتب ‘الجبهة‘. لن أتطرق إلى الموضوع قبل إجراء تلخيصات أو نقاشات”.
– ألا تعكس النتائج فشل التحالف في تحقيق أهدافه؟
“لا. التحالف أثبت فعاليته وأصبحنا القوة الأولى في الشارع العربي: حصلنا على (29%) من الأصوات، والقائمة التي تلينا (التجمع- ع.ح.) حصلت على عدد أصوات يقل بـ (22) ألف صوت. مع الأسف، لم تُترجم كمية الأصوات الهائلة للمقاعد المطلوبة.”
– عدم وصول دوف حنين للكنيست سينعكس على الشراكة اليهودية العربية؟
“هذا مؤلم أن حنين لم يصل إلى الكنيست. التعاون اليهودي العربي لن يُضرب، بل على العكس.”
– كم عدد الاصوات التي حصلتم عليها في الوسط اليهودي؟
“لا نعرف بعد.”
– هناك حسابات تُجرى في الأحزاب الأخرى تقول كالتالي: بركة صرح قبل الانتخابات بأن قوة الطيبي هي مقعد كامل. وإذا أضفنا إلى ذلك الأصوات من الوسط اليهودي، ينتج أن “التجمع” هو القوة الأولى. ما تعقيبك؟
“نحن القوة الأولى. التحالف مع الطيبي هو تحالف إستراتيجي بعيد الأمد، ويجب على الجميع أن يتعامل مع هذا الموضوع كوحدة واحدة. ثم أن الخطوة ذاتها أثبتت نفسها في الشارع. في العام 1999 حصلت ‘الموحدة‘ على (30%) من الأصوات وحصّلت بذلك (5) مقاعد. نحن حصلنا على (29%) من الأصوات وحصّلنا (3) مقاعد. هذا ببساطة سوء حظ لنا. وتعالَ لا ننسى نسبة التصويت المتدنية في الشارع العربي والدولة ككل، بسبب إنعدام الأفق السياسي والأوضاع الاقتصادية المتدنية.”
مقابل رفض بشارات التطرق للأزمة التي تمرّ بها “الجبهة” بعد معرفة النتائج النهائية، كان هناك من قياديي “الجبهة” من الصف الأول، من عقّب على ما حدث، دون ذكر إسمه. “في هذه الانتخابات”، يقول القيادي الجبهوي البارز، “برز خطّان داخل ‘الجبهة‘. الخط الجبهوي المؤيد للتحالف، قاده محمد بركة وعودة بشارات، والخط الحزبي (الشيوعي- ع.ح.) المتشدّد الذي قاده بالأساس عصام مخول وتمار غوجانسكي وسليم مراد وجول جمال (سكرتير منطقة حيفا- ع.ح.). هؤلاء حاولوا أن يمنعوا التحالف، وبعد أن فشلوا عملوا عن طريق ‘عدم عملهم‘ للبرهنة على أن التحالف لم يكن مجديًا. هناك العديد من المناطق لم يعملوا فيها إلا في اليومين الأخيرين. طبعًا عن الوسط اليهودي، حدّث ولا حرج”.
القيادي الجبهوي يُقدّر عدد الأصوات اليهودية التي حصلت عليها “الجبهة” بألف صوت، كأكبر تقدير. وفي نظره هذا برهان على رغبة غوجانسكي في إفشال التحالف. ويضيف: “لقد حاول هؤلاء طيلة الوقت إخفاء معالم التحالف وإسم الطيبي، من منطلق الاستعلاء، والشعور بالخجل من وجوده مع ‘الجبهة‘. وقالوا أيضًا إنه برجوازي وهو أصلا يعتمد على جماعات عائلية وحمائلية. هذا ما حدث، وهذا ما أضعف التحالف. هم لا يعرفون أنه لولا التحالف مع الطيبي، لكانت ‘الجبهة‘ فشلت فشلا كبيرًا. حتى أنها كانت ستحصل على عدد أصوات أقل من ‘التجمع‘”!
عدتُ إلى عودة بشارات لأخذ تعقيبه على الأقوال أعلاه، فرفض التعقيب تاركًا الموضوع للنقاش في هيئات “الجبهة”.
غوجانسكي لم تتردد في أن تتحدث بإسمها لـ “المشهد الاسرائيلي”: “ما قاله هذا القيادي هو كذب ووقاحة ومحاولة للهروب من النقد الشرعي. هذه حقيقة أن ‘الجبهة‘ لم تنجح في هذه الانتخابات. من قال لك ما قاله يحاول أن يلقي بالوحل على الرفاق والناس الذين عملوا جاهدين وبذلوا قصارى جهدهم من أجل نجاح القائمة”. وماذا مع الشراكة العربية- اليهودية، سألتها. غوجانسكي: “هذه الشراكة هي حجر الأساس في عمل ‘الجبهة‘ والحزب وسنستمر بها ونطوّرها. المثير أن من استهتر بهذه الشراكة، يحاول الآن أن يتهجم على الملتزمين بها”.
– أنت تتحدثين عن بركة؟
“أنا أتحدث عن.. بركة، نعم، وعن الذي صرح لك بهذه التصريحات. كل إحترام للجبناء الذي يصرّحون بإسم مجهول. لقد جاء الوقت ليتوقفوا عن الاختباء والخروج إلى النور.”
زحالقة: “الجبهة” اتبعت اساليب مرفوضة خفضت نسبة التصويت!
في “التجمع الوطني الديمقراطي” الوضع الداخلي أفضل بكثير بعد “الانجاز الذي حققناه”، كما قال د. جمال زحالقة، المرشح الثاني في القائمة والناطق بإسم “التجمع”. زحالقة: “نحن راضون عن النتائج فيما يخص ‘التجمع‘ ولكن بشكل عام غير راضين عما حدث: إرتفاع في قوة اليمين، إنخفاض في نسبة التصويت عند العرب وتراجع التثميل العربي في البرلمان.
– في حديث لي هذا الصباح مع عودة بشارات، سكرتير “الجبهة”، قال لي إن “التحالف” هو القوة الأولى لأن هذا التحالف هو إستراتيجي وبعيد الأمد..
“نحن دخلنا الانتخابات بمقعد واحد وخرجنا بثلاثة مقاعد. بقية الأحزاب تراجعت في تمثيلها. وإنجاز ‘التجمع‘ يعكس التوسع المستمر ونحن ترجمناه إلى قوة إنتخابية.”
– بشارات قال لي أيضًا إن المسؤول عن النتائج النهائية هو الحظ السيء لـ “الجبهة”..
“تذكر أن فائض الأصوات عندنا كان أكبر منهم بحوالي ثلاثة آلاف صوت. أنا لا أعزو ذلك للحظ. النتيجة كانت أن ‘التجمع‘ حصل على ثلاثة مقاعد، بالأصوات وبالمقاعد.”
– هناك أصوات من “الجبهة” والحزب الشيوعي تدعو الآن لاستقالة بركة. هل هذا سيحصل في رأيك؟
“نحن لا نتدخل في الشؤون الداخلية للأحزاب الأخرى، ونتمنى أن تتجاوز ‘الجبهة‘ مشاكلها. لدينا إنتقادات كثيرة بسبب تصرفاتها ولجوئها إلى أساليب مرفوضة أدّت في النهاية إلى خفض نسبة التصويت وأثارت إشمئزازًا بين الناس.. في بعض الأحيان إنجرّت ‘الجبهة‘ وراء الطيبي في بعض التصرفات والمواقف، وهذا أضرّ بهم.”
بكريّة: دراوشة إنتقم من كنعان على حسابنا!
في “الموحدة” الوضع مثير للشفقة قليلا. د. عدنان بكرية لم يحاول أن يناقشني حين سألته عن أسباب الفشل الذريع. لم تستفزه هذه الصياغة أبدًا. بكرية: “هناك عدة أسباب لما حدث، منها موضوعية ومنها ذاتية. الأسباب الموضوعية تتلخص في أن تشكيلة القائمة لم تكن مقنعة في الشارع العربي. كما أن الانقسامات التي حدثت في ‘الديمقراطي‘ و‘الاسلامية‘ ساهمت في النتائج الحالية، وبشكل خاص أضرّ بـ ‘الموحدة‘ إنسحاب هاشم محاميد من القائمة”.
بالنسبة للأسباب الذاتية، يقول بكرية إنه جرى غدر من قبل “الحزب الديمقراطي العربي” وعبد الوهاب دراوشة شخصيًا، “فقد أرادوا الانتقام من محمد كنعان الذي انشق عنهم، فلم يعملوا أبدًا في المعركة الانتخابية، وحتى أنهم تركوا الصناديق يوم الانتخابات بدون مراقبة”…
وماذا ستعملون بعد الآن، سألتُ بكرية. “باعتقادي يجب إعادة صياغة معالم القائمة، قال، “ويجب فعل ذلك على أسس وحدوية حقيقية. يجب إستخلاص العبر وأن نعيد توسيع القاعدة الشعبية للقائمة، وذلك من خلال ضم أطر أخرى”.
عبد الوهاب دراوشة، رئيس الحزب العربي الديمقراطي، وعضو الكنيست السابق، يوافق د. بركية على قسم واحد من حديثه ويخالفه في قضية كنعان: “الحزب العربي الديمقراطي، كأحد المؤسسين الأساسيين للقائمة الموحدة، عمل بكل إخلاص، من خلال كوادر الحزب، في كل موقع وموقع وبذل كل جهده. ولكن كان من الصعب جدًا بيع تركيبة القائمة كمرشحين، ولم يكن هناك برنامج سياسي وإجتماعي. القائمة ظهرت للناس على أنها قائمة إسلامية. الجمهور العربي لم يُرِد التصويت لهم. في العام 1999 كانت القائمة موحدة فعلاً ومع برنامج ووعي، واقتنعت الناس بالوحدة وصوتت لهم. لكن القائمة أغتصبت من قبل الحركة الاسلامية. والقضية لم تكن قضية محمد كنعان، مع أنني غير راضٍ عنه وعن خيانته للعربي الديمقراطي. الجمهور ليس مَضحكة. الجمهور رفض كل ما جرى. ثم أن معظم المصوتين كانوا من جمهور ‘العربي الديمقراطي‘، لأن جمهور الحركة الاسلامية بمعظمه تجاوب مع نداء الجناح الشمالي في الحركة لمقاطعة الانتخابات. الجمهور العادي لم يجذبه وجود ثلاثة مرشحين من الحركة الاسلامية في أول خمسة مواقع. جمهورنا واعٍ وعقلاني وليس دينيًا وغيبيًا”.
لم يكن بالإمكان التحدث إلى هاشم محاميد، لأخذ تعقيبه على عدم تجاوز “التحالف الوطني” لنسبة الحسم.
(نُشرت هذه المادة في ملحق “المشهد الإسرائيلي” في كانون الثاني 2003)