بين الحزب والجبهة
علاء حليحل
لم تبدأ القضية هذا الأسبوع. فما يُطرح الآن على صفحات يومية “الاتحاد” على أنه نقاش “فكري وأيديولوجي”، بين قيادة “الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة” وبين “الحزب الشيوعي الاسرائيلي”، ليس في معظمه أو بعضه إلا تبعيات وتضخمات لجدلية لم تتوقف للحظة منذ تأسيس “الجبهة”، وسيطرة “الحزب الشيوعي” عليها حتى اليوم، حول “من هو صاحب البيت”. فالفكرة الأساس التي قامت عليها “الجبهة” في أعقاب يوم الأرض الأول هي جمع ما أمكن من القوى الوطنية، خاصة ممن ليسوا من التيار الشيوعي العلماني اليساري. ومن هذا المنطلق حرص “الحزب الشيوعي” طيلة الوقت على تأسيس معادلة واضحة ومدروسة من “الحرية النسبية” لمن هم جبهويون وليسوا حزبيين.
ومع أنّ هذا النقاش، بما يحويه من اجتهادات فكرية حقيقية ومنافع حزبية وجماهيرية بحتة، لم يحافظ على وتيرة واحدة في اشتداده وارتخائه، إلا أنّ الملاحَظ والبائن أنه لم يخبُ أبدًا منذ الانتخابات البرلمانية الأخيرة وما أفرزته. وأهم هذه الافرازات في سياقنا أمران: عدم نجاح المرشح الرابع، في خانة اليهودي الأزلية، دوف حِنين، في دخول الكنيست، واحتلال النائب أحمد طيبي مكانه، في المقعد الثالث؛ الأمر الثاني والذي لا يقل أهمية، هو انتخاب النائبين محمد بركة وعصام مخول في المكانين الأول والثاني على التوالي- وسنوضح هذين الأمرين في سياق حديثنا الآتي.
الانتخابات الأخيرة قصمت ظهر البعير
في الثامن والعشرين من كانون الأول للعام 2003 وقع أمرٌ جللٌ في “الحزب الشيوعي الاسرائيلي”: للمرة الأولى في تأسيسه لم ينجح المرشح اليهودي في قائمته للكنيست (تحت إسم “الجبهة”- “حداش”) في دخول البرلمان الاسرائيلي، وبالتالي انحصرت عضوية النواب فيه على العرب: مخول، بركة وطيبي. منذ البداية كان هناك إجماعٌ عند الحزبيين على رفض التحالف مع طيبي. بعضهم عارض لأسباب حزبية ضيقة، بعضهم عارض خشيةً من عدم نجاح الحزب في تجنيد الأصوات اللازمة لإنجاح المرشح الرابع (حِنين) وبعضهم عارض لأسباب أيديولوجية محضة- مثل النائبة السابقة تمار غوجانسكي. فغوجانسكي رأت في طيبي سياسيًا مقربًا من السلطة وبرجوازيًا يعاشر أصحاب رؤوس الأموال وتصريحاته السياسية تميل للقومجية.
أحد القياديين الجبهويين البارزين صرّح في لقاء أجريتُه معه لـ “المشهد الاسرائيلي” في الواحد والثلاثين من كانون الثاني 2003، بأنّ انتقاد غوجانسكي ليس في مكانه: “ففي هذه الانتخابات برز خطّان داخل ‘الجبهة‘. الخط الجبهوي المؤيد للتحالف، قاده محمد بركة وعودة بشارات، والخط الحزبي (الشيوعي) المتشدّد الذي قاده بالأساس عصام مخول وتمار غوجانسكي وسليم مراد وجول جمال (سكرتير منطقة حيفا). هؤلاء حاولوا أن يمنعوا التحالف، وبعد أن فشلوا عملوا عن طريق ‘عدم عملهم‘ للبرهنة على أن التحالف لم يكن مجديًا. هناك العديد من المناطق لم يعملوا فيها إلا في اليومين الأخيرين. طبعًا عن الوسط اليهودي، حدّث ولا حرج (…) لقد حاول هؤلاء طيلة الوقت إخفاء معالم التحالف وإسم الطيبي، من منطلق الاستعلاء، والشعور بالخجل من وجوده مع ‘الجبهة‘. وقالوا أيضًا إنه برجوازي وهو أصلا يعتمد على جماعات عائلية وحمائلية. هذا ما حدث، وهذا ما أضعف التحالف. هم لا يعرفون أنه لولا التحالف مع الطيبي، لكانت ‘الجبهة‘ فشلت فشلا كبيرًا. حتى أنها كانت ستحصل على عدد أصوات أقل من ‘التجمع‘”!
مقابل التشكيك في جدوى الأصوات القادمة من الوسط اليهودي قالت غوجانسكي لـ “المشهد الاسرائيلي” وقتها، وفي نفس التقرير: “ما قاله هذا القيادي هو كذب ووقاحة ومحاولة للهروب من النقد الشرعي. هذه حقيقة أن ‘الجبهة‘ لم تنجح في هذه الانتخابات. من قال لك ما قاله يحاول أن يلقي بالوحل على الرفاق والناس الذين عملوا جاهدين وبذلوا قصارى جهدهم من أجل نجاح القائمة”. وماذا مع الشراكة العربية – اليهودية، سألتها (وقتَها). غوجانسكي: “هذه الشراكة هي حجر الأساس في عمل ‘الجبهة‘ والحزب وسنستمر بها ونطوّرها. المثير أنّ من استهتر بهذه الشراكة، يحاول الآن أن يتهجم على الملتزمين بها (…) كل إحترام للجبناء الذين يصرّحون بإسم مجهول!! لقد جاء الوقت ليتوقفوا عن الاختباء والخروج إلى النور.”
إذًا هذا الجو الذي ساد عقب الانتخابات الأخيرة، وقد تفاقم ليصل إلى حد الخلافات العلنية بين بركة (ممثل “الجبهة”) وبين مخول (ممثل “الشيوعي”)، وآخرها الخلاف حول المشاركة في الندوة التي عقدتها الجامعة العربية حول عرب الداخل، حيث شارك بها بركة وأعلن مخول عن تحفظه منها ولم يشارك بها. وما قد يُفسّر، ببعض من الحقيقة، على أنه خلاف شخصي بين مخول وبركة، هو في الواقع خلاف أيديولوجي محض في أغلبه. فبركة يسعى نحو النهوض بـ “الجبهة” وتسييرها في مسار يحررها ولو قليلا من هيمنة “الحزب الشيوعي” منذ تأسيسها ويدفع بها نحو الخطاب السائد اليوم في الوسط العربي في الداخل؛ ومخول يسعى نحو تكريس هذه الهيمنة من منطلقات حزبية بيتية ومن منطلقات تقوية اليسار وعدم تفتيته والحفاظ على الشيوعية الأممية بكل ثمن. لصالح الاثنين يُقال إنهما صادقان مئة بالمئة فيما يفكران به.
نهاية الاشتراكية؟؟
في النقاش الدائر في هذه الأيام الجميع يتحدث ويكتب باسمه الصريح، وأولهم وأجرأهم عودة بشارات، سكرتير “الجبهة” القطرية. في مقالة أخيرة له تحت عنوان ” لا يمكن القفز فوق قوانين الطبيعة”، نُشرت في جريدة “الاتحاد” في 26 نيسان المنصرم، وفي موقع “الجبهة” على الانترنت، تعرّض بشارات لعدد من بنود دستور الحزب الشيوعي الرؤيوية، حيث طرح بشارات توجهًا جديدًا، يراه البعض إصلاحيًا وضروريًا، في مفردات وأبجديات الحزب الشيوعي في إسرائيل. فهو يدعو إلى إعادة النظر في إحدى أكثر البقرات قدسية في المنظومة الشيوعية وهي إقامة نظام إشتراكي، ومفهوميْ “سلطة الشغيلة” أو “الملكية الاجتماعية لوسائل الانتاج”. عن ذلك كتب بشارات، فيما كتب: “… الملكية العامة لوسائل الانتاج قادت للفشل في جميع الدول التي طبقت فيها، فأي مشروع إذا لم تكن هنالك قوى خاصة تفعّله و”تستفيد من أرباحه بشكل مباشر” فمصير هذا المشروع الفشل أو أن يصبح عالة على المجتمع (…) هل من الممكن الآن في أية دولة في العالم، من أكثر الدول تطوراً حتى الدول المتأخرة، مصادرة المصانع ووسائل الانتاج وتحويلها الى ملكية عامة، سواءً إذا كان المقصود بالملكية العامة ملكية على المستوى القومي (القطري) لجميع وسائل الانتاج أو أن تكون ملكية وسائل إنتاج لعدد من المجموعات (أي بدون عمل مأجور).”
لم يتأخر الرد من طرف الحزب الشيوعي. د. أحمد سعد، محرر “الاتحاد”، كتب مقالة رد مطولة فيما يلي بعضٌ منها: “التخلي عن هذا الهدف والتنازل عن هذه الهوية المميزة لا يعنيان سوى تحويل الحزب الثوري الى حزب اصلاحي او انتهازي وليبرالي تزخر بهم ساحة احزاب الرأسمالية من “عمالية” واشتراكية دمقراطية وليبرالية. (…) لا أعرف يا زميلنا عودة لماذا أقحمت الجبهة في نقاشك عن دستور الحزب، الا اذا كنت تعتقد ان الجبهة التي عمودها الفقري الحزب الشيوعي أكثر واقعية وتطورًا وتقدمية في طروحاتها من الحزب الشيوعي وخلق الانطباع وكأن الجبهة ترسم سياستها ونهجها في معزل عن الحزب، او انه في السطر الأخير لا حاجة بعد للحزب الشيوعي. أنت حر في موقفك ورأيك، وهذا حقك الدمقراطي، رغم عدم موافقتنا عليها ورؤيتنا لها بأنها أكثر من خاطئة.”
وفي مضمار “الجبهة” و”الحزب” كان اسكندر عمل، عضو بلدية حيفا عن “الجبهة”، في مقالته أكثر وضوحًا وحدةً: “… أما بالنسبة للنقاط التي أوردها الزميل عودة بشارات وأولها أن الملكية الجماعية فشلت تمامًا. فأقول إنّ هذا الاستنتاج قد سمعناه منذ انهيار الأنظمة الاشتراكية من أعداء الجبهة والحزب واستعملوه كأداة لمحاربتنا في المعارك الانتخابية وغيرها لأنهم معادون لهذا النهج وكانوا معادين له قبيل انهياره. إن عودة يقول إنّ الجبهة تعي الأمر وتحاول نشر مواقفها من خلال هذا النظام، أوَ لم يفعل الحزب طوال سنواته ذلك من نفس المنطلق ولكن هذا الأمر هو تكتيك وليس استراتيجية كما يريده عودة.. إن إخضاع الاستراتيجي للتكتيكي قاد دائما بشكل منهجي الى موقف انتهازي مرفوض، فالنقاش عن فكر وليس بالضرورة عن الواقع الآني.”
إذًا وبكل وضوح- الادعاءات التي استعملها بشارات هي تابعة لأعداء الحزب، كما أنّ جوهر موقفه هو الانتهازية بعينها.
نقاش بنّاء!
في الحديث مع بشارات لـ “المشهد الاسرائيلي”، أمس الاثنين، بدا ممتعضًا بعض الشيء. بشارات: “المقال الذي كتبته هو فكري. وأنا برأيي، عند مناقشة مقال فكري، ممنوع وخطأ فادح إدخال عوامل حزبية وسياسية آنية. وكل فكر ينحى هذا المنحى –إدخال هذه العوامل– يخالف الهدف الموضوع منه كفكر. المقال هو مقال فكري ناقشت فيه قضيتين: الملكية العامة لوسائل الانتاج وقضية سلطة الشغيلة ومفهومنا لها. أنا إنسان أهتم بهذه الأمور الفكرية والسياسية وكتبت الكثير من المقالات. وعندما أتطرق للأمور الفكرية يجب أن أكون صادقًا ويجب ألا يُنظر إليّ كسكرتير للجبهة. وما ميّز الحركة الشيوعية واليسارية خلال التاريخ هو النقاش العاصف، والكثير من الكتب للماركسيين الكبار كانت تبدأ بكلمة “نقد”. وأحدهم قال: “النظرية جامدة أما الحياة فهي دائمة الاخضرار”.”
– وماذا مع التطرق لقضية “الجبهة” في الردود على مقالك؟
بشارات: “إدخال هذا الأمر في غير محله، وهو محاولة لا تمت للسياق الفكري بصلة. على اليسار في اسرائيل والعالم، ومن ضمنهم الشيوعية، أن يواجهوا هذا التحدي، وهذا الأمر لا يعني بالمرة إلغاء الأحزاب والسعي للعدالة الانسانية والاجتماعية، وإنما المطلوب أن يتم ذلك من خلال تقييم ونقد واضحيْن لكل المسار السياسي الفكري السابق. وبرأيي أن هناك سعيًا طويل الأمد ومشروعًا حتميًا لإلغاء الاستغلال ولتحسين ظروف الطبقة العاملة، وهذا كان موجودًا دائمًا، وإلغاء الملكية الخاصة لم يأتِ بالتغيير المرجو. وهذا يتطلب نظرة جديدة. هذا لا يعني إلغاء الأحزاب نفسها. وقسم ممن ردّوا عليّ لم يتطرقوا لذلك، وهذا لا يجوز في الفكر. لأن ما في بطن الشاعر لا يصحّ في الفكر. وفقط ما يقوله المتناقش يتم متناقشه.”
– وماذا في بطن الشاعر؟
بشارات: “أنا لا أود مناقشتهم فيما في بطونهم. يمكنني أن أردّ في مقالة أخرى من دون التجريح الشخصي.”
– ربما التلميح إلى إشكالية “الحزب” و”الجبهة”.
بشارات: “أنا طرحتُ أسئلة كثيرة. إدخال “الجبهة” و”الحزب” لم يكن في مكانه بالمرة. لديّ الكثير ممّا أقوله في تطوير “الجبهة”، التي تناضل منذ 27 عامًا. لم أطلب ولو مرة واحدة إلغاء الحزب الشيوعي لأنه تعبير عن إرادة أعضائه وقيادته وكوادره، وخاصة بسبب دوره التاريخي الذي يعرفه الجميع. وفيما يخص قضية “الجبهة” و”الحزب” فإنّ الأولى قامت على شراكة بين الحزب الشيوعي وهيئات وطنية وأحزاب أخرى. اليوم هي “الحزب” وشخصيات اجتماعية سياسية من خارجه. لدينا نقاط متفقون عليها ومن يريد أن ينضم لينضم ونرحب به؛ ومن جهة “الجبهة” فإنّ عليها معرفة كيفية استيعاب القوى الجديدة. وهذا لا يعني أن دخولهم يمكن أن يؤثر على تركيبة الجبهة.”
– عن أية قوى تتحدث؟
بشارات: “عندي شعور أن هناك شعبية وإصغاء للجبهة في أذهان كثيرة عند الناس.”
عندما سألتُ أحد القياديين البارزين في “الجبهة”، أمس الاثنين، عن هذه القوى، ضحك ملء فمه وقال بحرقة: “وكأنّ الجماهير تدق الآن على أبواب “الحزب” و”الجبهة” تطلب الدخول”. لم تكن هذه الجملة الوحيدة المليئة بالغضب والسخرية مما يحدث. وقد طلب مني في التقرير عن الجدال القائم اليوم بين “الجبهة” و”الحزب”، أو لنقل بين بشارات ورموز “الحزب”، طلب مني أن أسأل أحد الحزبيين لماذا قرروا إلغاء “الجبهة”.
– إلغاء “الجبهة”؟
“نعم، إلغاؤها. فقد تقرر في التعديلات الأخيرة على الدستور في المؤتمر الـ 24 المنتهي أخيرًا أن يقوم الحزب الشيوعي بتقديم لائحة مرشحين للكنيست من عنده. ماذا يعني هذا إذا لم يعنِ سيطرة “الحزب” على “الجبهة”؟ هذا بالاضافة إلى عشرات الأمور الأخرى التي تتعلق بالشراكة مع “الجبهة” ولم يكلفوا خاطرهم حتى عناء سؤال “الجبهة” عنها ولو من باب رفع العتب. ما ألمسه الآن هو أن “الجبهة” أصبحت عبئًا على “الحزب” وهم يبحثون عن شركاء آخرين. ولكن من أين يا حسرة؟.. فنحن أجرينا مفاوضات مؤخرًا مع برونفمان (زعيم قائمة “الخيار الديمقراطي” التي التأمت مع حركة “ميرتس” ثم مع حركة “ياحد” مؤخرًا- ع.ح.) وإذ به يهرول نحو “ميرتس”. مضحك جدًا.”
– د. أحمد سعد، محرر “الاتحاد”، هل تبحثون عن شراكات جديدة في “الجبهة”؟
سعد: “هذا مُنانا. فاليوم يوجد في “الجبهة” “الحزب” وأصدقاء “الحزب”. نحن نتطلع نحو توسيع “الجبهة”، نحن والجبهويين الذين معنا. “الحزب” لم يتنازل عن “الجبهة” ولكن آماله في أن تكون جبهة واسعة تضم عدة مركبات بغض النظر عن التوجهات الفكرية.”
– شركاء يهود؟
سعد: “ليس بالضرورة. إذا لاحظت فإنّ كل التحالفات التي أبرمناها حتى اليوم كانت مع العرب. وهذه الشراكات حُسمت في هيئات “الجبهة”. هكذا كان مع عزمي بشارة وهكذا مع أحمد طيبي.”
– كانت هناك أصوات كثيرة في “الحزب” ضد التحالف مع طيبي. هل هناك نية نحو استبدال هذه الشراكة بقوى أخرى؟
سعد: ” هذه القضية غير مطروحة بالمرة. في كل انتخابات، تجلس هيئات “الحزب” و”الجبهة” وتدرس الوقائع الموجودة وبناء عليها تختار. كن متأكدأ من أننا نريد تحالفات مع قوى تجمعنا بها نقاط كفاح مشتركة.”
– البعض يرى في أحد التعديلات الذي يقضي بجلب الحزب الشيوعي لقائمة المرشحين إلغاءً للجبهة.
سعد: “كلا، أبدًا. نحن رأينا في “الحزب” أنّ من حقه، كأكبر جسم في “الجبهة”، أن يقترح بنفسه قائمة المرشحين للكنيست. وهنا يجب أن أشدد على أنّ القائمة ستُعرض على مجلس “الجبهة” ويجب أن تحظى بتأييده. هذا واضح ولا لبس فيه.”
كما أنّ سعد يرفض عتب بشارات ويقول إن مقاله (مقال سعد) كان مقالا وردًا فكرييْن: “لقد قرأتَ مقالي. أحمد سعد أبعد ما يكون عن الشوشرة والأمور الشخصية. أنا كواحد لديه دكتوراة في الاقتصاد السياسي، حاولتُ أن أشرح له القضايا (التي يتحدث عنها- ع.ح.). الأمر الثاني هو أنني حاولت أن أؤكد على السطر الأخير في ادعاءات بشارات وهو أنه لا توجد ضرورة موضوعية لوجود الحزب الشيوعي. ومن دون مزاودة. حاولتُ أن أفسّر ما قصده وكان ذلك بشكل واضح. لأيش موجود حزب شيوعي؟ للحزب أيديولجية وتطلعات معينة، لحياة الانسان وتطوره. نحن نرى أن هناك نظامًا أكثر عدالة من النظام الرأسمالي، بغضّ النظر عن فشل النمط السوفييتي. ونحن حسب رأينا كانت هناك أخطاء في الممارسة. على فكرة، لُب المنهج اللينيني-الماركسي هو المنهج الجدلي. فهو يعطي للانسان حريته للتطور بشكل خلاق.”
* * *
الجدل المفتوح الآن على مصراعيه بين “الجبهة” وبين “الحزب” هو جدلٌ هام من ناحيتيْن: الأولى، من الناحية الأيديولوجية والثانية من الناحية الحزبية السياسية. فالأهمية الأيديولوجية تكمن في قدرة اليسار (الشيوعي والقريب منه) على التأقلم والتطور مع مشكلات العصر الخاصة، التي لم يتجرأ ماركس ولينين حتى في أن يتكهنا بها. ففي حالة انعدام هذه القدرة، أو رفضها حتى، فإنّ الكثير من مستقبل اليسار في هذه البلاد مرهون بالخطر. كما أن الأهمية الثانية، وهي الأهمية الحزبية السياسية، لا تقل حرقة وإثارة للاهتمام. فأي انسلاخ أو انشقاق بين الجبهويين غير الشيوعيين عن “الجبهة” وتركها كلها لـ “الحزب” يعني فتح مرحلة جديدة جدًا في حياة عرب الداخل السياسية. من هنا فإن ما يحدث الآن يتجاوز بكثير التقولات والتكهنات والتسلية الحزبية، لأنه قد يحمل في طياته الكثير من الجديد المفرح أو المنغص- يتعلق بمن تسألون!
وكان الحزب الشيوعي قد أكد عند تأسيس “الجبهة” على “أن الفوارق الفكرية يجب ألا تمنع حشد كل القوى في النضال الحيوي من أجل السلام والديمقراطية وحقوق الشغيلة. كذلك فإن النضال من أجل وحدة العمل يجب ألا يمنع النقاش والصراع الأيديولوجي”. وهذا بالضبط ما يحدث الآن!!
(نشرت هذه المادة في ملحق “المشهد الإسرائيلي” عام 2003)