شركاء، ولكن…
علاء حليحل
في أرشيف القوانين في الكنيست، هناك (37) قانونًا مسجلا على إسم النائبة تمار غوجانسكي (الجبهة). غوجانسكي كتبت قبل أكثر من أسبوعين رسالة إعتزالها من الكنيست بعد أن تأكدت من أن ترشيحها للمرة الرابعة لن يتم. دستور “الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة” يقيد عدد الترشيحات للكنيست بثلاث ولايات. من أراد إستمرار تواجد غوجانسكي في الكنيست طرح قضية أن غوجانسكي لم تشغل ثلاث ولايات كاملة وإنما ناقصة، والعديد من المحامين اشتغلوا على تفسير بنود الدستور. غوجانسكي لم ترغب في أن تُنتخب للكنيست مجددًا بمساعدة تفسيرات مختلفة للدستور. في نظرها، هي تستحق أكثر من ذلك. فهي المدافعة الأولى عن حقوق العمال والمحاربة الأعند ضد الآفات الاجتماعية عند الطبقات المسحوقة- وعلى هذا يُجمع كل أطراف الحلبة السياسية في إسرائيل. غوجانسكي لم تحصر نشاطها في الجمهور العربي في البلاد، بل عملت على قضايا واسعة وشاملة، إنطلاقًا من رؤيتها الشيوعية. الكثيرون صفقوا لها في مؤتمر “الجبهة” في قاعة “الجليل” للأفراح في عبلين، قبل أسبوعين، صفقوا كثيرًا، لكن أحدًا لم يقف ويطلب منها أن تبقى. لذلك، قامت وذهبت.
المرشح اليهودي البديل في “الجبهة” هو المحامي دوف حنين، من تل أبيب. حنين أنتخب في مجلس الجبهة قبل أسبوعين للمكان الثالث. في الجبهة، المكان الأول لمسلم والثاني لمسيحي والثالث ليهودي. البعض يرى في هذه التقسيمة بالذات تخليدًا للطائفية، والبعض يرى فيها عكس ذلك تمامًا. في الأسبوع الفائت وُقع التحالف بين “الجبهة” وبين أحمد طيبي، رئيس “الحركة العربية للتغيير”. طيبي ضمن لنفسه المكان الثالث وبذلك تراجع حنين إلى المكان الرابع، غير المضمون حاليًا. فيما لو لم ينجح حنين في دخول الكنيست ستبدو قائمة “الجبهة” في الكنيست ناقصة ولو بشكل رمزي: لن تكون “الجبهة” بعد اليوم مثال الأخوة العربية- اليهودية في الكنيست. الكثيرون يرون في عدم انتخاب نائب يهودي عن “الجبهة” ضربة قاسية لصورة “الجبهة”، وخاصةً نواة الحزب الشيوعي الاسرائيلي في هيئات “الجبهة”. يقود هذه النواة اليوم النائب عصام مخول، سكرتير عام الحزب الشيوعي، مقابل نواة النائب محمد بركة، رئيس قائمة “الجبهة” البرلمانية. الاثنان يمثلان اليوم الصراع الدائر في “الجبهة” و”الحزب”: يسار أممي إجتماعي في المقام الأول، مقابل نضال قومي على الساحة الفلسطينية.
غوجانسكي كانت تمثل التيار الأول. مخول يريد الاستمرارية للتيار الأول. لذلك يبدو التحالف مع طيبي ضربة لحلفاء مخول، حيث أراد مخول دمج طيبي في المكان الرابع وليس الثالث، حفاظًا على حنين. بركة كان معنيًا في البداية بطيبي ليوازن مع مخول وحنين، في حالة إنتخاب الثاني للكنيست. وهذا ما حصل.
* * *
منذ العام 1949 والحزب الشيوعي الاسرائيلي (ماكي) هو حزب يهودي- عربي، مع نواب من الوسطين. في العام 1965 إنقسم الحزب الشيوعي إلى قسمين: “ماكي” و”راكاح” (القائمة الشيوعية الجديدة). “راكاح” كانت في غالبيتها من العرب و”ماكي” في غالبيتها من اليهود. هذا الانقسام نبع من شبه انعدام في الرغبة في التعاون اليهودي- العربي. بعد زوال جماعة “ماكي” عاد مايير فلنر وتوفيق طوبي إلى إسم “ماكي” الذي ما زال حتى اليوم. مع الوقت تضاءل التأثير اليهودي في “ماكي” والذي انعكس في إقامة “الجبهة” بعد يوم الأرض وسيطرة العرب في الحزب على القيادة، كما هو حتى اليوم. العمل اليهودي- العربي المشترك في “الجبهة” و”ماكي” ليس كما كان في السابق. الكوادر في الوسط اليهودي لا تتجدد إلا نادرًا وخطر الانقسام لاح مجددًا قبل حوالي السنتين. الغالبية الساحقة من الأصوات تأتي من العرب والقلة القليلة تأتي من اليهود، ومن هنا الأصوات التي أخذت تعلو في السنوات الأخيرة بعدم تبديد مقعد مضمون على المرشح اليهودي واستغلال المكان الثالث لمرشحة إمرأة أو من الشباب.
في الآونة الأخيرة تحمل حركة “تعايش” لواء العمل اليهودي- العربي المشترك بجدارة. “تعايش” هي حركة غير حزبية، تطوعية، أفرادها العرب واليهود من اليسار الراديكالي ويصبون جام عملهم ونشاطهم في تنظيم حملات الاغاثة والتضامن مع الفلسطينيين، المساعدة في قطف الزيتون، المساعدة في بناء البيوت المهدمة، مرافقة قضية مهجري المُغر بالقرب من الخليل، المشاركة في إحياء يوم الأرض ومحاولة تأسيس مفهوم جديد للتعايش بين العرب واليهود. كما يجب الذكر في هذا السياق أن “التجمع” أصدر بعض الأصوات في السنتين الأخيرتين، من بينها عزمي بشارة نفسه، عن المشاركة الحقيقية مع اليهود اليساريين الحقيقيين، وحتى أن “التجمع” حصل على ما ينيف عن (3000) صوت من الشارع اليهودي. هذه الانتخابات، وفي حالة عدم دخول حنين للكنيست، قد تكون حاسمة في مسيرة تطور “الجبهة” وتغيرها تحت قيادة بركة، وفي الأجواء المسيطرة بشكل عام على الدولة.
* * *
دوف حنين كان متفائلاً وحذرًا أمس الاثنين حول هذا الموضوع. حنين: “أنا مع الشراكة بين العرب واليهود على أساس الصلة بين المعركة من أجل السلام وبين النضال من أجل العدل والتغيير الاجتماعيين”.
ألا ترى في بركة اليوم منافسًا لعزمي بشارة من ناحية الطرح القومي؟
“بركة ملزم وملتزم ببرنامج ‘الجبهة‘ وهو لا ينافس بشارة.”
لكن مهمة حنين الرئيسية هي أصعب في الواقع من محاولة التوفيق بين آرائه وتصوراته وبين تلك التي تخص بركة وطيبي. على حنين أن يثبت أنه جدير بتغيير غوجانسكي، النشيطة، المثابرة، المهنية جدًا.
تحدثت عن أنك لن تنتعل حذاء غوجانسكي، بل ستجلب حذاءك معك..
“نعم. سأهتم وأعالج القضايا السياسية وأهمها السلام. كما سأتركز جدًا في المواضيع الاجتماعية. ما قامت به تمار كان مهمًا جدًا. وأنا أنوي أن أضيف بعض المجالات الجديدة في عملي مثل حقوق الانسان، والعدل البيئي.”
بيئة؟ أليس الموضوع بعيدًا بعض الشيء عن هموم الناخب العربي اليوم؟
“على العكس تمامًا. المجتمع العربي يعاني من إجحاف بيئي خانق. هناك نقص كبير في الأراضي، في البنى التحتية وهناك سياسات متواصلة من الاهمال التي تحول القرى والمدن العربية إلى أماكن سكن إشكالية جدًا. العرب هم الضحية الأوضح للاجحاف البيئي في إسرائيل. هذا الموضوع يمس الحياة اليومية لكل مواطن عربي.”
حنين مع التعاون مع كل التيارات والحركات والأحزاب السياسية اليسارية الراديكالية. حتى أنه فاوض حزب “عليه يروك” (الورقة الخضراء)، وهو الحزب الذي يدعو إلى شرعنة الماريحوانا. لكنه بعد سؤاله عن هذه النقطة يتحفظ ويشدد: “نحن فاوضنا الكثير من الحركات و”عليه يروك” واحدة منها. الهدف من وراء هذه المفاوضات هو تشكيل أكبر إئتلاف يساري ممكن مع ‘الجبهة‘ في الشارع اليهودي.”
يهمني جدًا موضوع الشراكة وحدودها. مثلا: “هكيشت همزراحيت” تقدمت بالتماس للمحكمة العليا ضد دائرة اراضي إسرائيل حول توزيع أراضي الدولة، والاجحاف اللاحق باليهود الشرقيين في هذا الموضوع، وفازت بالالتماس مؤخرًا. وقتها دعت “هكيشت” العرب للانضمام معها للالتماس. هل كنت تقبل بمثل هذا الالتماس المشترك؟
“عندها كنت ضالعًا في الموضوع بحكم عملي كمحامٍ ونشاطاتي الأخرى. الالتماس الذي قدمته “هكيشت” مع “شركة حماية الطبيعة” كان مبرَرًا. الهدف كان توسيع دائرة المستفيدين من الأراضي وتحقيق العدل في هذا الموضوع.”
معظم الجهات العربية رفضت الانضمام للالتماس لأنهم رفضوا أن يشاركوا في طلب توزيع الأراضي العربية المصادرة على مواطنين يهود..
“يجب تحقيق العدل في هذا الموضوع. العدل في هذا السياق يخص العديد من الفئات: يخص العرب، ولكنه يخص أيضًا فئات مسحوقة مثل اليهود الشرقيين وغيرهم.”
* * *
حنين يقول إنه سيستمر بنشاطاته في تنظيمات السلام والبيئة في حالة لم يُنتخب للكنيست. لكنه لا يفكر في هذا الأمر. حاليًا يقوم “بحراثة” البلاد، عند العرب وعند اليهود: “كنت في الأسبوع الماضي في كفرياسيف، في سخنين، في مسغاف وفي حيفا”. المشكلة عند حنين أنه غير معروف للمواطنين العرب الذين يودون أن سصوتوا لـ “الجبهة”. هو واعٍ لذلك: “أنا معرف أقل بكثير من تمار. ولكن عند الالتقاء بالناس فإنهم يسمعون ويصغون”.
وماذا مع الناخب اليهودي، بضعة آلاف قليلة كما في كل سنة؟
“أنا لا أريد أن أخمن. ولكن هناك الكثير من “الزعلانين” من حركة “ميرتس”. بعضهم يذهب الى اليمين، إلى “شينوي”، وبعذهم يبحث في اليسار، حيث نحن.”
(نُشرت هذه المادة في ملحق “المشهد الإسرائيلي” في كانون الأول 2002)