في أعقاب مجنونة إياد طنوس…

في لحظة فيسبوكية خاطفة وصلتُ إلى “مجنونة إياد طنوس”. كالعادة: لايك على شير يقودانك إلى الزوايا المعتمة في قائمة “الأصدقاء” (لموقع “قديتا”)، وهناك تكتشف أنّ أكثر من صبية “عشقت” فنانًا (مغني أعراس في الغالب) وسمّت نفسها في العالم الافتراضيّ مجنونته، تيمّنًا بأنه قيس وهي ليلى، مع الفارق البسيط أنه ليس قيس وهي ليست ليلى. ثم تكتشف أنّ “مجنونة إياد طنوس” لا تشعر بالوحدة القاتلة في عالم “المجنونات المتيّمات”، فهناك أيضًا “مجنونة محمد القاق” و”مجنونة محمد زبيدات”. توقفتُ عن الإحصاء هنا.

في بادئ الأمر تلجأ إلى المصحف المحيط، “جوجل”، وتبحث عن الرفاق الذين يشحطون وراءهم مجنونات متربّصات. في كلّ ما يخص “فنانينا المحليين” يقودك جوجل إلى شمس الشموس “بانت”، وهناك تقرأ خبرًا مفرحًا عن  إطلاق أغنية جديدة لإياد. أول ما فعلته هو الركض سريعًا باتجاه التعقيبات لأقرأ ما كتبته “مجنونة إياد طنوس”. لكن… لم تكتب! غريب. هل كتبت باسم مستعار؟ ولكن “مجنونة إياد طنوس” هو اسم مستعار. (هل هناك مُسمّى لاسم مستعار لاسم مستعار؟) هل هي “نصراوية” أم “أليسسا” أم “أحلى سوسو رمله” أم “اسيل رهط” أم “سخنينية” أم “ג’רי חיפה”؟ أم “اليسا” (بسين واحدة)؟ أم “محمد 27 سنة”؟ وهكذا…

التعليق رقم 11 كتبه “فنان” وعنوانه “إياد خنوس”، ونصّه: “فعلا احنا بزمن المسخره غيمه مبوصره وبتمرق” (التعبير غيمة مبوصرة، يعني طالعلها باصور، جديرة بالتأمل اللغوي. علي مواسي: شدّ حالك). جميع الدلائل تشير في هذه المرحلة إلى أنّ كاتب هذا التعليق الحقود هو “مجنونة محمد زبيدات”. ومحمد زبيدات هو أيضًا فنان محليّ شاب، وعنوان الخبر الأول في “جوجل” يُحيلك إلى شمس الشموس مجددًا تحت العنوان التفاؤلي: “النجم محمد زبيدات يستقبل 2013 بالزهري”.[1] ثم هرعًا إلى التعقيبات في الأسفل. ما هذا؟؟ أين “مجنونة محمد زبيدات”؟ خيبة أمل عاتية تلمّ بالمرء حين يكتشف أننا مقصّرون حتى في هذه. ألا توجد معجبات حقيقيات في هذا البلد؟ يكتبن التعليقات في كلّ مكان، ويتربّصن بالفنان المحلي وهو يقود سيارته بين الحفر في شوارع وطننا؟ ألا توجد مجنونات حقيقيات مثل مجنونات جيمي هندريكس وألفيس بريسلي وجيمس دين وشعبان عبد الرحيم[2]، يلقين بأنفسهن على المنصّة المرتجلة في تعليلة دار الشنشاوي في حارة الشيخ زينكو؟ تشعر بخيانة من نوع غريب، لم تشعر به من قبل. فأنتَ لست معنيًا ولست طرفًا وهذه “المجنونة” لم تخنكَ أنتَ. إنه التضامن مع محمد زبيدات وإياد طنوس. هل سنجد حزنًا أكبر من الحزن الذي سيرافق غناء طنوس وزبيدات في قمة التعليلة، والشباب من حولهما سكارى بلا ديدورانت: “آه يا قهيوة، وآه يا سيجارة.. عشق الغوالي بدو شطارة”؟… [3]

في المقابل، تجد أسماء مستعارة لنساء من نوع آخر، تقف على رأسهن وفي مقدمة الميادين، الرفيقة “كبريائي أساس وجودي” (هكذا بالأصل). ومع أنّ الاسم يوحي بتعامل مختلف مع العلاقات الجندرية-الميتابطريركية في مجتمعنا ما بعد الآيفون 5، إلا أنّ “كبريائي أساس وجودي” ليست إلا صيغة أقلّ انفعالا من “المجنونات” العاديات، وهي توحي باسمها المستعار بأنها “عصيّة” وليست “طريّة”، مع أنّ تحليلاً سيميائيًا ماركسيًا أو لاكانيًا لتعقيباتها في إحدى المناوشات الفيسبوكية، يثبت أنها تتحرّق لتجد “فنانا محليا” تنجنّ به، لكنها تنتظر أن يقوم هو بالخطوة الأولى، أو أن تتنازل مجنونة أحدهم عن جنونها لأحد الفنانين المحليين، فـ “كبريائي أساس وجودي” لا تسمح لها كبرياؤها بأنّ تُجنّ بفنان ممسوك.

FACE

وفي حوار ضاجّ على أغنية “نيالي فيك” لمحمد زبيدات، كتبت “مجنونة محمد زبيدات” كمقدّمة للأغنية: “هي الاغنية بهديها للناس الغالية ع قلبي كتير زجد نيالي فيهم لانوو في ناس تعرفت عليهم وكتير حبايبن وبيسوا كل العالم بحيهم كتير وقد ماراح اوصفهم مستحيل اخلص الله يسعدهم ويخليلي اياهم وين ماكانوا لاني من دونون ولاشي هم معنا السعادة بالنسبة الي لما احكي معهم او شوفهم ….ونيالي فيكم نيالي بشوف حالي فيكم” (هكذا في الأصل). وقد توّجَتْ (عملت تاج- tag) في الرابط 10 مرابطات ومرابطين، من بينهم أحجية الفيسبوك “كبريائي أساس وجودي”. التعقيب الأول كان من الأحجية شخصيًا: “تسلميلي يا عمري ولله وانتي كمان بـــــــــــمـــــــــــوت فـــــــــــيـــــــــــكــــــــي” (مع سمايلي بالشفتين الحمراوين- هكذا في الأصل). مجنونة محمد القاق لا تتأخر في الرد: “حياتي انا نيالي فيكي”، وعلى هذا قسْ.

وللمرة الأولى منذ أن بدأت كتابة هذا النصّ الاستعلائي شعرت بالتضامن الحقيقيّ معهنّ. ولمَ لا؟ لماذا لا يُحببن مغنيًا أو فنانًا؟ هل حبّي لأنطون تشيخوف والطيب صالح مثلا أرقى أو أجمل؟ أسئلة عديدة بدأت تدهمني وبدأ الشعور بالذنب يأكل بعضًا من أعضائي الداخلية. ثم قرّرت في حمية الانفعال أن أكتب تعقيبًا إيجابيًا على هذه المحادثة النشطة الحماسية. حسنًا سأكتب… ماذا سأكتب؟ وهل يصحّ أن أكتب باسم “قديتا”، رمز النخبوية والاستعلاء؟ حتى لو كتبتُ “ولقد ذكرتك والرماح نواهل مني…” فسيُقرأ تعقيبي كاستعلاء. حسنًا سأكتب جملة بعربية ركيكة مليئة بالأخطاء. وهذا؟ أليس استعلاءً؟ أليست شعبوية مفرطة من أجل التودّد الفارغ من أيّ مضمون؟ وكيف سأجرؤ على كتابة تعقيب مشوب بالأخطاء، هل سأسلم من شرطة اللغة في الفيسبوك؟

في النهاية قرّرت ألا أعقب وأن أترك الحديث لمجنونة محمد زبيدات، في ستاتوس بوست وجوديّ من الدرجة الأولى، يحمل الشيء ونقيضه، من استدامة الحب إلى الأبد وحتى الاستعداد لعبارة “ذه إند”: “ليت فى الحب {قانون } : إن آلحبيب لآ يفارق حبيبه حتى آلموت ~ ♥كل العلاقات مجرد فيلم سينمائي فكن مستعدا لعبارة: THE END” (هكذا في الأصل).[4]

[1]  اللون الزهري حمّال أوجه في مجتمعات المجنونات، حيث عتبت إحدى المريدات لإياد طنوس عليه لأنه تصور باللون الزهري وهي لا تحب هذا اللون على الرجال. للتوسع يُنظر إلى تعقيب مجنونة محمد القاق على ستاتوس مجنونة محمد زبيدات المتعلق بالقصف الأخير لسوريا.

[2] هذه مزحة.

[3]  من جهة أخرى لم يخب أملي: التعقيب الثاني كتبه “أمير عاشق الأحزان صبايا حلوين” (هكذا بالأصل) وعنوانه “ضيفوني صبايا حلوين وبس” (هكذا في الأصل). كنت سأشعر بالحزن إذا لم أجد “ضيفوني صبايا” واحدًا على الأقل. شكرًا أمير عاشق الأحزان.

[4] مجنونة إياد طنوس معقبة: “يا امي شو جاريه السرقه ههههههههههههههههن” (هكذا في الأصل).

(نشرت هذه المادة في مدونة علاء حليحل في تاريخ 7 أيلول 2013)

تعليقات (0)
اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *