البرزخ

لن أسميه “انسدادًا في مجاري الكتابة”، فهي حاضرة، والشكر للات والعزة، ولكنه ما يشبه التحيّن اليقظ لكتابة ستأتي. أشعر بكميات هائلة من الكلمات تنتظر اللحظة المناسبة، ولكنّ الجسد لا يتعاون معها. لا أجلس للكتابة حين يكبس الوجع بل أقرأ أكثر. أمارس توأم الكتابة الجميل وأنتظر الطوفان.

أكتبْ، أكتبْ، أكتبْ! تبًا، لماذا لا تكتب؟ الفكرة جاهزة، المواد تتراكم، البرولوغ شبه نهائيّ، الفصل الأول يجري من تلقاء نفسه، فلماذا لا تكتب؟

أستمع للموسيقى. أنور ابراهام. التونسيّ العذب. عندما أكبر أريد أن أصير أنور ابراهام. أعني أنني أريد أن أكتب مثلما يصنع الموسيقى. بأعمق بساطة ممكنة. لقد وجد المعادلة، فمتى أجدها؟ الكتابة أقلّ شأنًا من الموسيقى. الموسيقى تترفع على الكلمات، لا تحتاجها، تلعب في المجرّد، تتحايل على المنطوق. الكتابة تتعثر بمحدودية النصّ، بحاجته إلى الأحرف.

أجهل النوتة. يكتبونها بنقاط ترتفع وتنزل. لا شكّ في أنها لغة بقوانين ومنطق داخلي. ولكنها تحتاج إلى الأذن فقط، بينما تحتاج الكتابة والقراءة إلى العينين. ذهب الخيال. حاول أن تبنيه من جديد. أكتب كما الموسيقى، بأقلّ ما يمكن من الإملاءات، بأكثر ما يمكن من الاقتراحات. كيف تكون الكتابة اقتراحًا وهي بالغة الوضوح؟ لو صارت الكتابة كالموسيقى لفاضت بالاقتراحات بدل الإملاءات.

كيف يكتبون نصًا مثل لحن “halfaouine” (غناه لطفي بشناق في أغنية “ريتك ما بعرف”) أو لحن “vague, var”؟ كيف نقول كل شيء من دون الحاجة إلى القول حقًا؟ هل على الكاتب أن يكون موسيقيًا كي يدرك المعنى؟ معنى القول، أقصد، وليس المعاني “الحياتية” العابرة.

بيانو وأكورديون وعود. من بحاجة إلى أكثر من هذا كي يكتب رحلة مثل “Le voyage de sahar”؟ وكيف يكتبون رحلة السّهر بحروف متراصة مغلقة ونهائية؟ هل هذا ممكن؟

الثانية عشرة والنصف بعد منتصف الليل. لماذا لا يُعلن الكلارينيت –الآن وهنا- نهاية الكتابة؟ سأصبّ قليلا آخر من النبيذ. بصحتكم. بصحة النصّ الذي خانني مرة أخرى. تعسًا للعالم؛ لماذا لا يدخل البرزخ إلا اللحن؟؟

(نشرت هذه المادة في مدونة علاء حليحل في تاريخ 1 تشرين الثاني 2009)

تعليقات (0)
اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *