فسحة أمل فيرتوالية

 لم أكن أعلم من قبل أنه يمكن للمرء المنتسب إلى قبيلة “فيسبوك” أن يعلن عن ارتباطه بشخص ما في علاقة “صحبة”، يعني علاقة “تك تك تك يا ام سليمان”، بين امرأة ورجل، غير متزوجين. وقد تفاجأتُ حقًا، اليوم، حين رأيت في أعلى الصفحة إحالة فرحة تفيد بأنّ الرفيقة “إكس” بدأت علاقة غرامية مع الرفيق “واي”، والحاضر يعلم “الزّد” (بلا ملاحظة)!

وفورًا تحققتُ من الشوط الكبير الذي قطعه بعض أبناء شعبنا في السنوات الأخيرة، بتأثير الإنترنت والهواتف المحمولة والتقنيات الأخرى، حيث صارت حيواتنا الحميمة مكشوفة على الملأ، بلا حدود، وبلا غضاضة (عذرًا على استعمال كلمة غضاضة لأنها مسجلة بالطابو على اسم شخص آخر).

وقد لاحت في ذهني أضحوكة عابرة تتجسّد في سهولة التمدّن اللا محتملة، حيث تعلن فلسطينية شامخة من الجليل عن ارتباطها (بلا زواج) بفلسطيني مشرئب من… الجليل، بلا خوف من المجتمع أو التقاليد أو العادات أو أربع-خمس بلوكات تطير باتجاهها. وتخيلت أنّ هذه الواقعة تمّت قبل أربعين سنة مثلا، أو ثلاثين، حيث يخرج منادي القرية ويدور بين البيوت صائحًا: سميحة بنت أبو القاسم صاحبت متعب ابن أبو العاصي، والليلة رايحين يحضروا فيلم في كرميئيل!

وإمعانًا في التخيّل ستخرج نساء في بعض الأزقة وترشّ الأرز على المنادي، أو ربما ترسل صديقات المحتفى بها أطقم مناشف أو عطور للمُصاحِبة الجديدة، وسيتصل بعض رجال القرية بأبي القاسم مهنئين مصاحَبَة بكره لبكر أبي العاصي، متمنين للمصاحبين سهرات “تمزمز” لذيذة عند البيادر ليلا (أول سنة بوس وعبط وتحسمس فوق الصدرية)، أو تحت الخروبة البعيدة خلف أرْظيات أبو مفلح.

وأكاد أرى أخ الفتاة “إكس” التي أعلنت للتوّ صحبتها الغرامية، يشتري لها واقيات مطاطية منعًا للحوادث غير المرغوبة، ويوصيها باستعمالها بحكمة لأنها نادرة الوجود وغالية، والموسم هذه السنة “كيف منتي عارفه خيتا، مش شد إيدك”. كما أنّ خالات الرفيقة “إكس” سيتصلن من القرى التي تزوجهن “لها” ويباركن ويسألن ويستفسرن، وستوصي جميع الخالات الصبية التي صاحبت للتوّ بعدم الزواج و”إوعك تغلطي هالغلطة!” و”خليكي هيك على راحتك”، و”تتجوزيش قبل ما تجربيلك عشرة عشرين شب”!

لا يمكن الجَسر على ما كنا عليه زمان، وما نحن عليه اليوم، من دون هذه التفكّرات البوست-فيسبوكية، التي تحيلنا إلى تفكرات نيو بوست-مصاحباتية: هل تخطينا مرحلة التكتم على العلاقات الحميمية خارج قيود وسجون المجتمع (الزواج، الخطوبة، التعليم على العروس وقراءة الفاتحة على ابنة عم العريس، مع أنّ عمره 5 سنوات وهي لم تخرج أسنانها بعد)؟ أم أنّ الفيسبوك وأخوانه يُنشئ واقعًا غير متكافئ: تقاليد وقيود في الحياة اليومية، وفسحة أمل فيرتوالية غير مفهومة على شباك الأثير العنكبوتي؟

لا أملك الأجوبة الشافية ولكنني لا أستطيع أن أمنع نفسي من الاستسلام للإغراء ودعوة المُصاحِب “واي” ليكون في قائمة أصدقائي كي أتعرف على بروفيله عن قرب. أنا أعرف المُصاحِبة “إكس” ويجب أن أعرف صاحبها الجديد عن قرب. ولكنه لا يعرفني ولا أعرفه، فهل أرسل له دعوة صديق؟

سؤال محير فعلا لا يقل تعذيبًا عن قرار جدودي “نسقي البندورة اليوم ولا البيتنجان”، ولكنني في كل الأحوال سأنتظر الصور الجديدة على بروفيل الرفيقة “إكس”، فهي آتية لا ريبَ فيها، تمامًا كما لو أنّ أبا القاسم –والد الرفيقة “إكس”- كان سيخرج قبل ثلاثين عامًا في شوارع القرية ويُري الناس بفرح كبير صورة ابنته وهي تتكئ بدلال على صدر صاحبها “واي” وهو يمسك ردفيها من الخلف، ثم يقول بتأثر بالغ: طالعه لإمها ليبرالية، بترفع الراس!

(نشرت هذه المادة في مدونة علاء حليحل في تاريخ 30 آذار 2009)

 

 

تعليقات (0)
اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *